أصبحت أزمة مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر تشبه "المسلسل"، الذي ننتظر حلقاته أسبوعيا بأحداث جديدة، ولكنه للأسف - مسلسل سييء السمعة - يدفع الثمن فيه الاتحاد، من تاريخه دوليا وعربيا ومحليا، بعدما كان نموذجا يُحتذي به، وكذلك أعضاؤه من الأدباء، الذين تعطلت شئونهم. بدأ العرض منذ ما يزيد عن شهرين، حينما تقدم 16 عضوا من مجلس إدارة اتحاد الكتاب باستقالاتهم، وبدلا من الدعوة لانتخابات جديدة كما طالبوا، قام رئيس الاتحاد بتصعيد أعضاء آخرين ممن تلوا الفائزين بالانتخابات الأخيرة في عدد الأصوات، وهو ما جعل بعض المستقيلين يقابلون تحديه بآخر، فعقدوا جمعية عمومية انتهت بقرار عزل د.علاء عبد الهادي رئيس الاتحاد، وعلاوة علي ذلك؛ بعث الطرفان بخطابات إلي الاتحاد العام للأدباء العرب يوضح فيها كل منهما صحة موقفه، مما اضطر الاتحاد العام إلي إصدار بيان يفيد بتشكيل لجنة لمتابعة تلك الأزمة ومحاولة الإسهام في حلها. حلقة هذا الأسبوع دارت داخل أروقة مجلس قضايا الدولة، حيث تقدم د.علاء عبد الهادي بدعوي في القضاء الإداري، للمطالبة ببطلان الجمعية العمومية الطارئة - التي عقدت يوم 8 إبريل الماضي واعتمدت نتيجتها وزارة الثقافة بعزل د.علاء - وقد تحدد يوم الأحد الماضي 24 إبريل تاريخا لجلستها الأولي، تقرر فيها تأجيل الدعوي إلي جلسة 8 مايو المقبل. الروائي خليل الجيزاوي، أحد الأعضاء الخمسة الذين لم يستقيلوا من مجلس الإدارة ومازالوا مساندين للدكتور علاء عبد الهادي يقول: "لقد قام الفريق الآخر باقتحام مكتب د.علاء وتحطيمه وسرقة محتوياته، كما تمت سرقة مبلغا ماليا كان موجودا يخص مرتبات الموظفين، رغم أن الجمعية العمومية باطلة؛ لأن انعقادها لابد أن يكون بموافقة رئيس مجلس الإدارة وأن يتقدم بنفسه بدعوة الأعضاء كتابة، وهو ما لم يتم، إلي جانب أنه لم يكن هناك عدد المائة عضو، فالموجودين لم يزيدوا عن 40 فقط، بالإضافة إلي أن الأعضاء المجتمعين لابد أن يسددوا الاشتراكات قبل شهر علي الأقل من انعقاد الجمعية وليس قبلها بساعات مثلما روج البعض، وبما أن عدد الأعضاء المسددين للاشتراك 1600 عضو، لابد أن يجتمعوا كلهم ليصح القرار، فالاتحاد - بالفعل - نقابة ويخضع لقانون الهيئات، وجمعيته العمومية لها السلطة الأعلي ويمكنها عزل الجميع، ولكن لانعقادها شروط يجب أن تتوافر". ولأن الجمعية العمومية هي السلطة الأعلي كما أشار الجيزاوي، فقد توجهنا إليهم لنعرف مدي رضائهم عما يحدث، فقال الكاتب السكندري سعيد سالم: "ما يحدث في اتحاد الكتاب "مسخرة" بمعني الكلمة، وأكثر من فضيحة، فهذا يعطي صورة مزرية عن واقعنا الحقيقي نحن الكتاب، بعدما انهارت أشياء كثيرة في مصر، لا يزيد عن نزاع حقير من أجل مناصب وهمية لا تضيف شيئا إلي طالبيها، فمقاعد السلطة لا تعطي القيمة إلا للتافهين، لكن الرجال الحقيقيين هم الذين يعطون القيمة لمقاعد السلطة". واستطرد سالم: "أنا أتعجب مما يحدث لمصر وبمصر من بعد ثورة يناير العظيمة، نزول وانحدار في كل شيء حتي في مقر اتحاد المفكرين الذين هم عقول مصر وضميرها، والحل الذي أراه هو عدم تدخل أي جهة خارجية وحل مجلس الاتحاد فورا ودون تأخير، فنحن نعرف أن الذي اختار موقعا يخدم فيه الناس لا يتقاتل لأجل البقاء في الخدمة ما لم يكن له غرض نفعي خاص مهما كان تافها، ومن الواضح أن القتال لمنافع شخصية وليس لخدمة الكتاب". تصف الكاتبة فريدة النقاش الوضع بالمؤسف، وتضيف: "أن تعجز جماعة مهمة من الكتاب المصريين عن التفاهم مع بعضهم البعض مما أدي إلي هذه الصورة المؤسفة التي نراها، والتي وصلت ببعضهم إلي أقسام الشرطة وإغلاق أبواب الاتحاد في وجه المجموعات الأخري، مشهد مؤسف ولا يدل علي أي حكمة أو حصافة لدي كل الأطراف، فأنا لا أتهم طرفا بعينه ولا أساند الآخر، لأن الكل مسئولون، وبشكل خاص د.علاء عبد الهادي رئيس الاتحاد الذي عجز أن يحدث توافقا بين كل الزملاء الذين يشكلون مجلس إدارة الاتحاد". وفي رأي النقاش؛ من الأفضل انتظار الجمعية العمومية العادية، التي تمثل أعلي سلطة في الاتحاد، فتقول: "كان بوسع المتصارعين أن ينتظروا إلي أن تنعقد الجمعية ويجري تصفية كل المسائل المعلقة من خلالها، لكن نفاذ الصبر وانعدام الحكمة والنظرة العقلانية للأمور أدت إلي هذا الأمر المأساوي الذي جعلنا "فرجة" أمام الاتحادات العربية التي أخذت تتدخل لكي تحل لنا مشكلاتنا، وأظن أن الحل الوحيد المتاح الآن هو أن يوقف الطرفان أي إجراء يتخذونه، وأن يدعو د.علاء عبد الهادي إلي انعقاد جمعية عمومية باعتباره مازال رئيسا للاتحاد، لأنها السلطة المنوط بها هذا". وعن وصول الأمر إلي ساحات المحاكم، تستنكر النقاش: "لقد حذرتهم حين اجتمعوا منذ شهرين من اللجوء إلي القضاء، لأن هذا سوف يفتح أبواب جهنم علي الاتحاد ويحولنا - مثلما قال محمد السيد عيد - إلي حزب عمل جديد، الذي بدأ يتحلل حينما أخذت كل الأطراف تلجأ إلي المحاكم". وباندهاش وتعجب، تتحدث د.سهير المصادفة قائلة: "الأمر مخجل ومثير - حقا - للغثيان، فمن المفترض أن الكتاب أبعد ما يكون عن التمسك ب"الكراسي" بهذا الشكل المزري الذي يصل إلي درجة الصراعات، ولا نعلم ماذا سيجنون من ذلك، فاتحاد كتاب مصر فقير ويبدو أنه لا يعطي سوي الوجاهة لبعض الكتاب، ولكن وصف كاتب في حد ذاته يحقق ذلك بدون الحاجة إلي كرسي". وتستطرد المصادفة: "لابد أن يتنحي مجلس الإدارة بأكمله بهدوء، وتجري انتخابات في أقرب وقت ممكن بوجوه جديدة". وعن انعقاد الجمعية العمومية تضيف: "لابد أن يدعو مجلس الإدارة لانعقادها، ولكنهم مختلفين مع بعضهم ولا يقولون شيئا منذ تم انتخابهم، ولذلك لا توجد حلول حاليا سوي القضاء لحسم الأمر، لأن الاتحاد جمعية خاصة وقد دمرت سمعته تماما، فعلي مدار السنوات السابقة تعاقب عليه أناس كثيرون، ولكن لأول مرة في التاريخ يحدث ما نراه، لذلك لابد أن يذهبوا جميعا«. منذ سنوات، أثناء فترة رئاسة الكاتب الروائي ثروت أباظة للاتحاد، ارتأي البعض أن الوقت حان ليتسلم شخصا آخر ذلك المنصب، فترشح أمامه سعد الدين وهبة لرئاسة مجلس الإدارة، وحصل علي 13 صوتاً، ورغم أن أباظة معه الأغلبية؛ إلا أنه انسحب، معللا ذلك بأنه لا يستطيع البقاء في مجلس بينهم 13 عضوا لا يريدونه، ولذلك لم يتمسك برئاسة الاتحاد. من بين مجموعة الكتاب الذين تكتلوا مع سعد الدين وهبة؛ وحيد حامد وجمال الغيطاني، والروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي يتذكر: "بعد عامين؛ بعدما توفي سعد الدين وهبة وفاروق خورشيد، استقلت من عضوية مجلس الإدارة ولم أكمل فترتي، باعتبار أن لدي ما هو أهم، وهو كتابة رواياتي، طالما أن الوضع أمامي لا يساعد في عمل شيء مفيد للناس، فأنا لا أتفهم؛ ما معني أن يتصارع كتاب مع بعضهم علي مراكز الاتحاد وأوضاعه؟ وعلي مدار سنوات طويلة ينجحون نتيجة علاقات واتصالات، ويستميتون علي عضوية المجلس بشدة، فما هي تلك المناصب بالضبط؟ ففي رأيي؛ من لا يعجبه الاتحاد فليرحل، حتي د.علاء عبد الهادي؛ رغم أنه شاعر وله قيمته إلا أنه يشغل نفسه في معارك تافهة جدا، فلماذا لا يترك الاتحاد ويغادر؟". ويضيف عبد المجيد: "الأزمة نابعة من وجود أناس ليس لديهم شيء مفيد يفعلونه، وما دام الكتّاب يرون أن أهم شيء هو المنصب ف"عليه العوض"، فهذا الاتحاد يكفيه شخص واحد لإدارته وليس 30". من جهته؛ يتساءل الكاتب سعيد الكفراوي: "هل الخلاف الناشيء بين الأطراف في مجلس الإدارة حول قضايا عامة تهم الثقافة أو مشغولين بأسئلة تمثل مشكلة للثقافة المصرية؟ أم أنها "عركة في حارة"، كلها تنهض علي مسائل شخصية وتصفية حسابات، حينما يجيبون علي هذا السؤال بتجرد وإخلاص سيُفض "المولد".. فاتحاد الكتاب المصري عبر تاريخه كل ما قدمه مهام قليلة؛ كالإسهام في علاج الكتاب، تنظيم الانتخابات، إقامة بعض الندوات، وفي فترة رئاسة الأستاذ محمد سلماوي قام باتخاذ بعض المواقف السياسية لمناصرة بعض القضايا ثم النشر، غير ذلك، لم نر من اتحاد الكتاب خوضا حقيقيا للدفاع عن قيم الثقافة الرفيعة، إلي أن امتدت الخلافات في مجلس الإدارة وتشعبت، وأعضاء الاتحاد في حالة دهشة مما يجري، لأنهم لم يجدوا قضايا حقيقية، فقط خلافات شخصية علي المناصب والأدوار والاتهامات المتبادلة". ويؤكد الكفراوي: "لابد من دعوة الجمعية العمومية للانعقاد، وإن لم يحضروا فليتم إغلاقه، وتعلًق عليه "يافطة" مكتوباً عليها "مغلق للإصلاح"، فعلي مدار تاريخ الاتحاد لم نري ما يجري الآن، والذي سببه تصعيد بعض "الميديوكر" أو أنصاف المثقفين إلي مجلس الإدارة، فقد عشنا منذ الثمانينيات حتي انتهاء مرحلة سلماوي بلا خلافات تقريبا، نتمني أن يحترم هؤلاء - الحاليين- المصالح العليا لأعضاء الاتحاد، والمرضي والذين لهم معاشات تقاعد، وأصحاب المصالح التي كان الاتحاد ينجزها لبعض أعضائه، وأن ينشغلوا بقضايا حقيقية تهم الكتابة والكتاب وتجابه الحالة المزرية التي تعيشها الثقافة المصرية". ومثلما وصفت فريدة النقاش الأزمة، يقول الكاتب يوسف القعيد: "الوضع مؤسف بلا حدود، ويسيء للكتاب المصريين، ولا أستثني أحدا علي الإطلاق، وإن شعرت في البداية أن د.علاء عبد الهادي ربما كان مظلوما، ولكن بعدما آلت إليه الأمور، أري أن الفيصل الآن هو القضاء المصري، فليلجأوا إليه، لأن وضع اتحاد الكتاب المصري أصبح مخجلا ومزريا ويثير الرثاء، وأصبحنا نخجل من الجهر بكوننا كتّاب". واستطرد القعيد باستياء: "أنا حزين جدا، لقد صغرنا وتضاءل حالنا ووصلنا لهذا الوضع، فنحن ثقافة ليس لها كبير، والمثل الشعبي يقول "من ليس له كبير يشتري له كبير"، لأن ما نشهده حاليا مأساة حقيقية".