البحيرة تنفذ 70 مشروعا لتطوير الري بتكلفة 2.125 مليار جنيه لدعم الزراعة والمزارعين    محافظ قنا يشدد على تأمين الطرق وتسريع معدلات التنفيذ بطريق قنا - الأقصر الزراعي    الرئيس السيسي: تطوير بنية أساسية لإفريقيا شرط لتحقيق التنمية والاستفادة المشتركة    قناة أمريكية: نتنياهو يعتزم اطلاع ترامب على خطط لضربات جديدة ضد إيران    حزب الجيل: كلمة الرئيس في منتدى «روسيا – أفريقيا» ترسخ رؤية مصر للتنمية الشاملة بالقارة    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 20 ديسمبر 2025    بيزيرا وعمرو ناصر يقودان هجوم الزمالك أمام حرس الحدود    شقيق صاحب مطعم شهير يشعل النيران في نفسه بالشيخ زايد بسبب خلافات أسرية    النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركزي إصلاح وتأهيل "وادي النطرون – أبي زعبل 1".. صور    5 أفلام مصرية تنعش دور العرض فى موسم الكريسماس    الأهالي استقبلوهم بالجمال.. وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تتفقدان شوارع إسنا بعد فوزها بجائزة الآغاخان العالمية    باحث أفريقي: الشراكة الروسية-الأفريقية ركيزة لنظام عالمي أكثر توازنًا    «واقعنا اللغوى» فى اليوم العالمى للغة العربية    جماعة تحت الطلب| العالم يواصل تعرية عمالة «التنظيم» وفضيحة أمل كلونى كشفت المستور    وزير الرياضة يشيد بإنجاز بعثة مصر في دورة الألعاب الأفريقية للشباب    أكاديمية الشرطة تنظم دورة تدريبية حول مكافحة شبكات تهريب المهاجرين    "بحوث الصحراء" يستقبل ممثلي شركة إيني الإيطالية لتعزيز التعاون المشترك    تشيلسي ينجو من فخ نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي    8 أطفال شهداء لقمة العيش بحادث "أكتوبر".. إهمال الدولة يحوّل معصرة الفيوم إلى بيت عزاء جماعي    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    متحدث النيابة الإدارية: التصويت الإلكتروني للأندية الرياضية ضمانة قضائية للتعبير عن آراء الناخبين    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    انهيار مبنيين متضررين من قصف للاحتلال الإسرائيلي على غزة    الأفضلية التاريخية مع أصحاب الأرض في افتتاح أمم إفريقيا.. والمغرب يستعد لكسر عقدة 1988    وزير الشباب من داخل ملتقى التوظيف بالمنيا: نطالب الشباب بالتفاعل لبناء الذات ولا وقت للكسل    ماذا جاء في وثائق إبستين عن ترامب؟    خبير: إسرائيل حولت الهدنة إلى حرب صامتة ومخطط قوة الاستقرار تخدم أهدافها    500 ألف نسمة في 4 أشهر.. الإحصاء: عدد سكان مصر بالداخل يصل 108.5 مليون    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    اتحاد الكرة يحتفي ب أيمن منصور: أسرع هدف فى تاريخ أمم أفريقيا مصري    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    رئيس هيئة التأمين الصحي في زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    معرض جدة للكتاب يحتفي بيوم اللغة العربية بأمسية شعرية    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    ضبط أكثر من طن ونصف استربس وبسطرمة غير صالحة للاستهلاك بحى شرق شبرا الخيمة    وزارة العمل: 664 محضرا خلال 10 أيام لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    دار الإفتاء تعلن نتيجة رؤية هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا بعد المغرب    الدفاع الروسية: تحرير بلدتي فيسوكويه في مقاطعة سومي وسفيتلويه بدونيتسك    مستشار الرئيس للصحة: الوضع الوبائي مستقر تمامًا ولا يوجد خطر داهم على أطفالنا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    السجن 17 سنة لعمران خان وزوجته في قضية فساد    إنبي في مواجهة خارج التوقعات أمام طلائع الجيش بكأس عاصمة مصر    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    إزالة 10حالات تعد وبناء مخالف في الغربية    البحوث الفلكية: نشهد غدا ظاهرة الانقلاب الشتوى وبعدها يبدأ النهار فى الازدياد    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    نائب وزير الخارجية يلتقي الممثل الخاص لسكرتير الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من دفتر الحبس
أمر بالقبض علي شخصيات كتاب
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 04 - 2016


قال وكيل النيابة:
- أنت متهم بالترويج للمباديء الشيوعية، ومتهم بالعمل ضد النظام، فقد ورد في صفحة 61 عن كتابك "سجناء لكل العصور" عبارة (تسقط قوانين الاستفتاء الرجعية).
- لست أنا الذي قلت ذلك.. ولكن إحدي شخصيات الكتاب.
- ألست مؤلف الكتاب..؟!
- نعم.
جاء في صفحة 13 من نفس الكتاب عبارة (عبدالناصر فارقنا حيا وميتا) فماذا تعني بذلك؟
- أسأل من قالها..
- هأنذا أسألك..
- بطل إحدي القصص هو الذي قالها فاسأله..
- ألست أنت مؤلف القصص...؟!
- نعم.. ولكن شخصياتي حرة تنطلق بما تريد.
ضحك المحقق، ومالت رأسه إلي الخلف، ثم اعتدل ونظر إلي بتمعن. ويبدو أن "الحكاية" قد أعجبته، فقال:
- ألست شيوعيا؟!
- وما دخل هذا بالقصص.
- لأن شخصياتك من الشيوعيين..
- هذا لايعني شيئا.. أنا قاص.. ومن المحتمل أن أكتب عن شخصيات داعرة أم منحلة.
- ولكنك شيوعي بالفعل.
ولوح بتقرير مباحث أمن الدولة. قلت:
- لا دخل لعقيدتي بالموضوع.. فشخصياتي تتصرف كما يحلو لها.
قهقهة - علي غير عادة المحققين - وقال:
- يعني أصدر أمراً بالقبض علي شخصيات الكتاب..؟!
فضحكت وقلت:
- هذا شأنك..!!
وعدنا لاستئناف التحقيق.
دق جرس التليفون، وعلمت من كلماته وسط الحديث، أن رئيس النيابة، يتابع التحقيق.
- لماذا طبعت دون إذن من الرقابة..؟!
- الرقابة ألغيت.
وناولته نص تصريح السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء في جريدة الاهرام بتاريخ 1976/12/12
- هذه القصاصة لا تثبت شيئا..
- أتظن أني سأطبع "أهراما" خاصا..؟!
وأستمر التحقيق إلي ما بعد منتصف الليل. وبعده أجري اتصالا تليفونيا مع رئيس نيابة أمن الدولة العليا.. وكان الطرف الآخر يزعق.. ووصلني صوته حادا من السماعة "قانون مطبوعات إيه.. عندك المادة 98 أ، ب من قانون العقوبات.. وجه له قلب نظام حكم".. نظر إلي المحقق، وقلب في الورق وأصدر قراره بحبسي أربعة أيام علي ذمة التحقيق.
وبينما يلم أوراقه، حانت منه التفاتة نحوي، فوجدني متبرما.
- لم يعجبك القرار..!!
- دعنا نتكلم صراحة، بعد أن أقفل محضر التحقيق.. لقد ظلمتني.
صدقني لم يكن باستطاعتي أن أفعل شيئا.. وسوف تعرف فيما بعد أني لم أظلمك. منذ ساعات قليلة تم حبس أستاذ جامعي حبسا مطلقا لسبب بسيط.
- أنت تعرف أنه لا توجد جريمة.. فالرقابة ملغاة، ولقد استخدمت حقي في أن أقول ما أريد دون خدش حياء أحد، ودون مخالفة لقانون.
- صدقني.. لم أظلمك.
- كنت تستطيع الإفراج عني بضمان محل إقامتي وهو معلوم لجهات الأمن، كما كان باستطاعتك الإفراج عني بضمان عملي، فليس معقولا أن أتركه. وفي أصعب الأحوال كان يمكن الإفراج عني بضمان مالي.
- سوف تقدر موقفي فيما بعد.
- علمت من نقاشك معي أنك ناصري. فقد ضايقتك عبارة (عبدالناصر فارقنا حيا وميتا).
- لا أذكر أنني أحب عبدالناصر.. ولكني لم أظلمك.
وفي محاولة لإنهاء الحديث:
- علي أي حال يمكنك التظلم من قرار الحبس.
- حتي يبت في التظلم. تكون الأيام الأربعة قد مرت.
- تظلم غدا.. بلغ محاميك..
وأمر بالعرض علي النيابة غدا. مكثت في السجن عدة ساعات، واصطحبني حارس إلي النيابة. وصلنا مبكراً لم يكن أحد قد حضر بعد. طلبت من الحارس أن أذهب إلي البوفية القريب، فوافقني، طمعا في إكرامية.
ولحظي كان مكتب أحمد فرج، قريبا منا.. وأحمد فرج رغم أنه من مدينتي، فلم أعرفه إلا في سجن الواحات الخارجة وكانت سيرته عطرة.
كانوا وقتها يعذبون الشيوعيين.. يسوقونهم حفاة إلي الجبل حيث الشوك والعقارب.. يجعلونهم يحفرون.. وينقلون الرمال والصخور من مكان إلي آخر.. وحدث أن أراد المأمور إذلال أحمد فرج.. فأمر بفلكة، وقيدوا قدميه، وانهالوا عليه ضربا.. والمأمور في انتظار كلمة ضعف من أحمد.. دون جدوي.. يأمر باستمرار الضرب.. ويطلب منه أن يقول "أنا امرأة".. وهذا يتحمل في إباء ولاينطق.. وحين أوشك علي الموت.. أوقف المأمور الضرب، وهو يكاد ينفجر من الغيظ.. وظل أحمد يعالج من جراحه عدة شهور بعدها.
ولحظي أيضا وجدته في المكتب، مع أن المحامين نادرا ما يتوجهون إلي مكاتبهم في الصباح، عادة يذهبون إلي المحاكم من بيوتهم مباشرة.
فوجيء الرجل بي. قلت:
- أنا مقبوض علي.
أغرق في الضحك، وأخذ يتأملني من فوق لتحت. رفع ناظريه وقال مستفهما:
- نعم..؟!
- صدقني.
وشرحت له الأمر باختصار.
علت وجهه سيماء الجد، وقال:
- سأوافيك في النيابة بالتظلم حالا.
غادرته مسرعا. كان مبني محافظة الدقهلية قريبا. وفي دورها الخامس، مديرية الشئون الاجتماعية، التي يعمل بها محمود الهندي وقتها. كلمته بسرعة، وهو لايستوعب الموقف. وحين استوعب، طلبت منه إن يذهب إلي بيته ليتلف أي أصول ل "سجناء لكل العصور"، حيث كان يقوم برسمه وتهيئته للطباعة، فربما فتشوا بيته وأدخلوه معي في القضية.
وصلت سراي النيابة، ووجدت الدنيا مقلوبة كما توقعت. حضر رجال أمن الدولة، ولم يجدوا لي أثرا، ضحكت، ولكنهم كتموا غيظهم، وبخوا الحارس أمامي، وإن كانت نظراتهم ووجوههم تفضحهم، بما سوف يفعلونه بعد ذلك.
لم توافق النيابة علي التظلم، وأيدت قرار الحبس أربعة أيام والعرض.
وبعد أربعة أيام قضيتها في سجن المنصورة العمومي. عرضت علي قاضي المعارضات وما أن رآني حتي قال للمحامي:
- من هذا يا أحمد يا فرج. شيوعي مثلك.. أبعده عني اليوم. غدا الاستفتاء.. (كان السادات قد أصدر عدة قوانين استثنائية. تضيق علي الحريات وعلي المواطنين، ويريد استفتاء المواطنين عليها).. وتشاور معي المحامي لتأجيل نظر المعارضة في أمر الحبس يومين فوافقت. وحين عقدت الجلسة، ترافع أحمد فرج قائلا: قانون المطبوعات وهو بالمناسبة صدر أيام الحماية البريطانية علي مصر عام 1914 لا ينص علي الحبس لأي مخالفة في المطبوع، وإذا أرادت جهة الإدارة مصادرة المطبوع، فلابد من صدور حكم بذلك من رئيس محكمة مصر بباب الخلق في القاهرة، وفي جميع الحالات. لايجيز القانون إلا الحكم بغرامة مالية، حتي لو تكررت المخالفة. فلماذا تحبسون ألسنتهم..؟! أفرج عني القاضي بكفالة ثلاثين جنيها. ومازالت القضية معلقة..!!
كان ينتظرني في إحدي ردهات المحكمة، شقيقي عادل والقاص محمد المخزنجي وبعض الأصدقاء. سرعان ما جمعوا الكفالة، وأودعوها خزينة المحكمة. وحين رأي مأمور السجن الإيصال وقرار القاضي، أرسلني مع نفس الحارس الذي أحضرني إلي قسم شرطة أول المنصورة، للإفراج عني منه، ولكن القسم فيما يبدو، كان في انتظار أحد من أمن الدولة، ليتسلمني ويتمم إجراءات الإفراج من عندهم.
ظللت حتي المساء. ولعبت الأفكار بي. هل تلاعبت المباحث بأمر الإفراج..؟!.. هل أصدروا قرارا باعتقالي..؟! فجأة، فتحوا باب الحجز، وكنت فيه منفرداً، بعد أن أخلوه من باقي المحتجزين. واصطحبني مخبر إلي مبني مباحث أمن الدولة. وجدت زوجتي في انتظاري، وأخبرتني، أنهم كانوا يسوفون، ولكنها كيلت لهم، حتي أرسلوا في إحضاري.
وشكا لي الضباط المختص بمكافحة الشيوعيين، أنها زعقت في وجوههم، وقالت إن مصيرهم السجن مثلما حدث لشعراوي جمعة وزير الداخلية السابق وبعض رجاله، لم أجد ما أرد به، سوي الابتسام. ولكن ابتسامتي هذه لم تعجب، أحد مرؤوسي هذا الضابط، فقال:
- أنت لايهمك أحد (يقصد من جهازهم).. وتفعل ما تريد.
أقشعر جسدي، وتساءلت في نفسي.. تري.. ما عساهم يدبرون لي..؟! لم أعلق فقد كنت أحس بغضبهم.. للإفراج عني بسرعة. أضف إلي ذلك ما يحسون به من ضيق من مقدمة الكتاب. تلك المقدمة التي لم تعجب إخواننا اليساريين. والتي تحدثت فيها عن ذكرياتي قبل إلغاء الرقابة. ومتمنياً عدم عودتها. ومحاولا فرض "أمر واقع". فإذا كان الكتاب لايصدقون أن الرقابة ألغيت. فلابد من ممارسة" الإلغاء "فعلا. وإلا سيظل القرار حبراً علي ورق. ونشر مثل هذا الكلام يقطع الطريق علي بعض الجهات التي مازالت متمسكة بالرقابة رغم إلغائها. ومن عجب أن اليساريين لم يفهموا الرسالة.. وفهمها رجال أمن الدولة..!! وبالطبع لم يمر الأمر بسلام. استدعي صاحب مطبعة "أورفو" التي طبعت الكتاب إلي الشرطة، وكتب تعهدا بعدم طبع أي كتاب لي مستقبلا إلا بعد العرض عليهم. وتم التنبيه علي أصحاب المطابع الأخري بذلك. وقبل طبع "سجناء لكل العصور" تصفح صاحب المطبعة الكتاب، وطلب أمرا بالطبع. وعبثا أحاول إقناعه أن الرقابة ألغيت.. وأحضرت له مجلات وجرائد نشرت خبر الإلغاء دون جدوي. وإزاء عناده، اصطحبت الرسام محمود الهندي وتوجهنا إلي ضابط أمن الدولة. قلت:
- الرقابة ملغاة، ولي كتاب في المطبعة، يرفضون الاستمرار في طبعه.
وحاول الضابط الحصول علي أصل الكتاب، فتعللت أنهم يقومون بالطبع الآن ولايمكنني احضاره، وبالطبع ستصله عدة نسخ من المطبعة بعد الطبع. فرفع سماعة التليفون علي مضض وأمر صاحب المطبعة بالعمل..!!
وبعد الإفراج عني بعدة أيام نشروا خبرا عن القضية في جريدة الأهرام بتاريخ 31/5/1987 يقصدون توجيه رسالة إلي الكتاب، لالتزام الحذر، وعدم تصديق "إلغاء الرقابة".
ولم يخلو نشر الخبر من فائدة. فلقد طيرته وكالة الأنباء الفرنسية إلي كافة أنحاء العالم، وجعلت الصحف والمجلات المختلفة في البلاد العربية تكتب عن المؤلف وعن قضية "سجناء لكل العصور". ونشرت مجلة "صوت الخليج" الكتاب مسلسلا.
فعند طبع "سجناء" اقترح الرسام محمود الهندي نسخ الكتاب علي الآلة الكاتبة وتصويره، ثم طبعه أوفست، توفيرا للوقت والجهد. وصارحته بخشيتي من عدم تقبل القاريء لشكل الطباعة الجديدة، لتعوده علي حروف المطبعة فطمأنني وقام بنسخ بعض القصص علي الآلة الكاتبة وكتب بعضها بيده.
- أبا الهنود.. لو نجحت طريقتنا.. سوف يتبعنا آخرون، فالكتاب الذي يستغرق طبعه عدة شهور في مطبعة عادية، يمكن طبعه في يوم واحد.. وأي رقابة تلك التي تلحق بك..؟! وعملت بيليوجرافيا بأعمالي في آخر الكتاب.. ولم يحذو حذوي أحد حتي الآن..!!
وتم طبع الكتاب وتوزيعه في عام 1977 . وفي منتصف عام 1978 صدرت بعض كتيبات في القاهرة علي استحياء، مستخدمة نفس طريقتنا في الطباعة. وفي عام 1979 انتشرت المطبوعات. وفوجئت بحديث لنجيب محفوظ في جريدة الأخبار، يثني علي الطريقة الجديدة في الطباعة، التي ساعدت علي حل أزمة النشر بالنسبة للأدباء الشبان، ونسب الفضل للناشرين الجدد، فكتبت إليه معاتباً ومذكراً بتاريخ طباعتنا وبقضيتنا، ومشفعا ذلك بنسخة من "سجناء" ولكنه التزم الصمت.
وبعد الإفراج عني، كتبت لاتحاد الأدباء ولعديد من الكتاب والصحفيين، شارحا قضية "سجناء لكل العصور" وظننت أن الجميع سيجزعون لأن حرية التعبير في خطر، إذا تغدوا اليوم بيساري، فسوف يتعشون غدا بليبرالي.. وهكذا..
ولكن للأسف، لم تهتم أي جهة. وكنت أعتقد أن مجرد نشر خبر القضية في الأهرام، سيقيم الدنيا ويقعدها شأن أي بلد.. متحضر..!!
أما الكتاب نفسه كعمل أدبي، فلم يحظ بأي اهتمام من النقاد والكتاب في الصحف والمجلات المصرية، بل أن بعض الكتاب الذين تعودوا الكتابة عن أعمالي قد التزموا الصمت ليس تجاه هذا الكتاب فقط.. بل تجاه كتب أخري صدرت بعده، وبالطبع أستطيع أن أفهم السبب.. فأغلبهم عندهم عروق ناصرية، وأنا انتقدت ناصرا في "سجناء".
وفي انتخابات تجديد نصف أعضاء اتحاد الكتاب، عاتبت فتحي سلامة لعدم اهتمامهم في الاتحاد بالامر، فأخبرني أنه ذهب مع نائب رئيس الاتحاد للقاء ممدوح سالم رئيس الوزراء وقتها.. وأعتذر الرجل عن عمل شيء لانني أهاجم النظام. ولست أدري.. هل هذه القصة حقيقية.. أم قالها فتحي سلامة طمعا في كسب صوتي في الانتخابات..!!
وذات مرة أخربني أحد المخبرين، أنهم أعطوه كتابي "سجناء لكل العصور" ليقرأه حتي يكون ملما ب "أساليبنا".
فقلت في نفسي: حسنا.. حلمت يوما أن تتقرر كتبي علي طلبة المدارس، فتقررت علي رجال الداخلية، وأقنعت نفسي أنني أفضل من الكتاب الكبار الذين يدرس التلاميذ مؤلفاتهم الأدبية، فوزارة الداخلية أهم من وزارة التربية والتعليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.