النشر في ليبيا صنعة تم محاربتها كثيرا في عهد القذافي وأخضعت لرقابة صارمة من قبل إدارة مراقبة المطبوعات التي تعتبر هيأة مستقلة تتكون من عدة أجهزة أمنية داخلية وخارجية ولا تخضع لوزارة الثقافة أو الإعلام وتبعيتها مباشرة للقيادة في باب العزيزية مقر القذافي .. لا كتاب تنشره أي مطبعة ولو كان كرت عرس دون الحصول علي موافقتها . أضف إلي ذلك أن المطابع الخاصة في ليبيا زمن القذافي تخضع لرقابة ولابد قبل منح أي ترخيص لها من الحصول علي الموافقة الأمنية وهذه المطابع لا تمنح الترخيص لها إلا لأشخاص معروفين وغالبا ما يكونوا من أتباع النظام المنهار . دور النشر الحكومية المتمثلة في مجلس الثقافة العام والمؤسسة العامة للثقافة أيضا يرأسها رجال أمن وطباعة الكتب فيها تخضع لحسابات سياسية بالدرجة الأولي فيمنحون أولوية الطباعة للسجناء السياسيين المفرج عنهم رغبة من الدولة في احتوائهم وإسكاتهم وأحيانا تعويضهم معنويا علي فترة السجن التي قضوها والتي وصلت في أحيان كثيرة إلي 15 سنة . وأكثر بغض النظر عن قيمة كتبهم إبداعيا فالمعروف لدينا في ليبيا وربما كل الوطن العربي أن أي سجين سياسي يتحول إلي شاعر وكاتب وروائي وقاص وناقد وكأن السجن ورشة إبداعية تصقل المواهب . وهذه المؤسسات الحكومية التي تطبع الكتب تخضع هي أيضا لرقابة صارمة .. فليس كل كتاب يطبع .. واللجنة تتبادل المنافع بينها .. هذا لا يوافق علي طبع الكتاب لكاتب ما حتي وافق بقية أعضاء اللجنة علي طباعة كتاب لصديق أو بالأحري صديقة له ومن هنا نجد كتاب ليبيين قد طبعوا العديد من الكتب بينما هناك كتاب خاصة من جيل الشباب أوصدت في وجوههم أبواب النشر . علي الرغم من تقدمهم بمخطوطات جيدة باعتراف من كان ينشر لهم في صفحات ثقافية يشرف عليها كالشاعر مفتاح العماري والقاص سالم العبار .. من هؤلاء الكتاب الذين ظلموا في مسألة النشر الكاتب زياد العيساوي والكاتب بالعيد الساحلي صاحب الترجمات الأدبية ذات المستوي الفني الرفيع وغيرهما بالطبع كثيرين . مؤسسات الدولة في عهد القذافي تطبع مقابل مبلغ مادي بالطبع يتفاوت بين كاتب وآخر حسب العلاقة الشخصية وحسب الولاء وحسب الردح والرقص في جوقة المؤسسة الثقافية فهناك من يمنح ألف دينار وهناك من يمنح 10 ألاف .. أيضا هناك كتاب كبار لدينا مدللين جدا .. المؤسسة تطبع لهم كل إصداراتهم رغم أنها متوفرة في الأسواق ومطبوعة لدي أكثر من دار نشر كالروائي إبراهيم الكوني وغيره وتناور بهم في الحصول علي الجوائز وتبادلها مع الدول الأخري من أجل الدعاية للثقافة الفاسدة في الدولتين . صنعة النشر التي كانت تشرف عليها الدولة مع احترامي لبعض الإصدارات القليلة كانت صنعة فاسدة تسيرها العلاقات الشخصية والمصالح والقوادة للحكومة أما دور النشر الخاصة فإمكانياتها المالية ضعيفة ورغم ذلك بين الحين والآخر تحاول أن تصدر إصدارا أدبيا تعرف مسبقا أنها لن تربح منه ماليا .. لكن من أجل تنوع الكتب في المكتبة . ودار النشر تفعل ذلك وتطبع مثل دار الفرجاني بطرابلس و دار الشعب بمصراتة ودور هانيبال و5 التمور والفضيل والخراز ببنغازي وأيضا دار د عبدالله مليطان التي افتتحها مؤخرا وفي فترة وجيزة أصدر العديد من الكتب الأدبية التي تعني بثقافة ليبيا غيرها من دور النشر الأخري المتناثرة في كل مدن ليبيا .. ونظرا لهذه الظروف الفاسدة يلجأ الكتاب الذين . لا يتحصلون علي فرصة النشر في ليبيا سواء بسبب انعدام العلاقات والوساطة أو بسبب الرقابة للنشر في خارجها في مصر وسوريا ولبنان . وبمراجعة لكل ما تم نشره من قبل المؤسسات الثقافية الليبية من كتب من قبل لجنة فنية محايدة يمكننا أن نري حجم الفساد الإبداعي التي مارسته هذه الهيآت عبر الموافقة علي طبع كتب ضعيفة فنيا بالإضافة لعدم النزاهة وعدم التقيد بقوانين النشر .. كتاب مطبوع من قبل لكاتب ما يتم إعادة طباعته .. كاتب يطبع كل موسم طبع .. كاتب ينال مكافأة أكثر من الآخر .. كاتب يكرم .. كاتب يتم تناول كتبه .. وكذلك لو عرجنا إلي المجلات الصادرة عن وزارة الثقافة المسماة بأمانة أو هيأة أو عن بقية المؤسسات الثقافية التابعة لدولة القذافي لوجدنا رئاسة مجلات وصحف ودوريات هذه المؤسسات قد منحت لحميده وحمد وتناهبها السائرون في جوقة الدولة والموالين . لها عبر توقيعهم علي هدف غير معلن رسميا وهو وضع كل الكتاب والأدباء في حظيرة الدولة عبر هذه المطبوعة وعبر المكافآت الهزيلة التي يمنون بها علي الكتاب الليبيين والعرب .. فكل الصحف والمجلات الليبية السابقة تخضع لسيطرة الدولة ولا أحد يكون رئيس تحرير أو مدير تحرير أو منسق تحرير أو حتي محرر في أسرة التحرير دون أن يكون موثوقا فيه وداعما لدولة الرعب بطريقة أو بأخري . كاتب شاب هو الآن من الثوار كان يعمل محررا في ملحق ثقافي أسبوعي في عيد الفاتح من سبتمبر لم يساهم في العدد المخصص للقذافي فتم استبعاده فورا إن تكلم أكثر يمكن أن توجه له تهمة . فضل الصمت والابتعاد عن المستنقع جريدة ترسل مادتها للمطبعة عامل المطبعة لا تعجبه صورة ملحقة بمادة يزيلها ويغيرها بأخري . كاتب قصة قصيرة يدفع بقصته للنشر الجريدة تجيزها عاملة المطبعة لا يعجبها سطر ما تزيله لا مشكلة الرقابة مزروعة في كل مكان .. وبإمكان موظف صغير لديه ضوء أخضر أن يتصرف في أي شيء .. بصراحة كانت الصحافة والثقافة لدينا مهزلة كبيرة .. الانتقاد الحار مسموح به لعدد معين من الكتاب من أقرباء العقيد القذافي أو من لجانه الثورية الكتاب الآخرين عندما يخرجون علي الخط يتم استدعائهم لنيابة الصحافة والتحقيق معهم . لا يمكنك أن تضرب سكين في بطنك إلا وأن تكون داخل حضرة القذافي ويقوم شيخه بمباركته المكتبات العامة يتم الاعتداء عليها والاستحواذ علي مبانيها وتحويلها إلي مطاعم وغيرها . مركز جهاد الليبيين المخصص لتوثيق فترة الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي يترجم ليس بأمانة يشطب ما لا يتماشي مع النظام . كل شيء .