في لغة جمعت بين الرقة والعذوبة والواقعية قدمت الكاتبة الروائية ريم بسيوني روايتها الجديدة "أشياء رائعة". فقد أطلت الكاتبة علي القاريء العربي والمصري علي وجه الخصوص كإيزيس الفرعونية تنشر عطر الوطنية وحب مصر، دون أن تردد الشعارات أو تتصنع الانتماء والحنين للوطن. مصر الوطن والأم التي لا يعرفها الكثير من أبنائها الذين ولدوا في نهاية السبعينات ولم يعاصروا حرب الإستنزاف وانتصار أكتوبر ومعاني الفداء والتضحية من أجل تراب الوطن إلا من خلال تاريخ فني تكرره وسائل الإعلام بلا ملل في كل مناسبة وطنية، تقدمها "ريم بسيوني" كرمز متجدد يمكنك أن تستخلص منه الكثير من المسببات التي تجعلنا نحن المصريين نري بأعيننا قطاعا من بلادنا ونغض الطرف عن قطاعاتها الأخري؛ موضوع عصري في صياغة أدبية متماسكة، وبناء هيكلي يجعلك تنصهر كجزء من أبطال الرواية لتتساءل معهم كيف نري وطننا؟ فالسؤال تلمحه يومض بين سطور "أشياء رائعة" فهل مصر الأرستقراطية هي نفسها مصر الشعبية، وهل مصر الشعبية تختلف عن مصر أهل الريف ؟ مصر بكل أحلامها وآمالها وتناقضاتها؟ لقد عبرت عن ذلك المضمون إحدي شخصيات الرواية، الدكتورة رشا الأرستقراطية المتحررة أستاذة علم الفلسفة، حين قالت: "لابد أن تقسم مصر إلي إمارات.. وأنتمي أنا إلي الإمارة الفرنسية، وأنت إلي الإمارة ال.. لا أدري؟ إمارة العلماء، والقبطان إلي الإمارة الأمريكية أم البريطانية؟ وأسماء .. أم طه إلي الإمارة ال.. لا أدري؟ إمارة مصرية عربية ، إمارة وادي النيل .. إمارة الفراعنة". وقد حاولت تحديد الشخصيات المحورية في الرواية ولكنني وجدت صعوبة في تجاهل شخصيات أخري أقل أهمية ربما ظهرت قليلاً في الرواية ولكن كان لكلماتها مدلول وهدف يصب في المصب الأكبر للرواية، فصورة الأم في الرواية مكثفة ولكنها شديدة الإختلاف فهناك الأم المحبة المحنكة الخبرة ولكنها قليلة الحيلة وتري الأحداث حولها وهي تعجز عن التدخل في مسارها وتلك هي والدة البطلة، والأم الأخري الأرملة الريفية القوية أسماء التي تتفاني في حب أبنائها وتهرول وراء طموحاتها لمستقبلهم مفرطة في شيء من كرامتها من أجل أهدافها وهي مضحية ولكنها تقع في سلسلة من العثرات بالرغم من سمو هدفها؛ ثم تتعرض لمفاجأة تزلزل كيانها. ونجدها في النهاية وقد حققت أكثر مما تمنت ولكن بعد أن فقدت كل مذاق بالحياة، وهي ما يمكن تفسيره علي أنه نوعً من العدالة الشعرية أو ال Poetic Justice نجحت الكاتبة في توظيفها في الأحداث. أما الدكتور حازم فهو علي النقيض من أسماء شخص يحسب خطواته بدقة متناهية ويمثل نموذجا متطرفا في نظرته للمجتمع من حوله، فبالرغم من كونه من طبقة أرستقراطية ويعشق مصر التي أعطته الكثير دون عناء، ولكن أي مصر تلك التي يعشقها؟! إنه كما يقول له ابنه في حوار بينهما: "إنك لا تعرف مصر"؛ بالفعل هو يحب مصر حقًا ولكن مصر الأحياء الراقية، وليست مصر "صفط اللبن"؛ لا يحتمل مثلاً أن يمر بسيارته في طرقات حي شعبي أو قرية ريفية "حتي لا يري الأطفال العراة من حوله يستحمون في الترع في كل اتجاه، ولا يستطيع الزجاج الغامق أن يخفيهم، وكأنهم ضفادع فسفورية تلمع في الظلام". ولكننا نجد شخصية حازم وقد لمستها عصا التغيير السحرية، بعد أن دفع به القدر إلي مفاجأة لم تكن في الحسبان، صحيح أن التغيير كان طفيفًا- وهو ما يعكس النظرة الواقعية التي تعاملت بها الكاتبة مع شخصيات روايتها _ ولكنه كان جد مؤثرًا، حين كشف هذا التغيير اللثام عن جانب إنساني عميق في الشخصية. أما البناء الهيكلي للرواية فلم يكن يقل جمالاً عن المحتوي أو عن تفاصيل الشخصيات ولكنه جاء كمعمار من طراز خاص استوعب تصاعد الأحداث، وصراع الأفكار والاتجاهات التي مثلها أبطال الرواية. وفي تكنيك فني جذاب استهلت الكاتبة معظم فصول روايتها بمقطوعات تبدو تستحضر أسلوب الكتابة الفرعونية القديمة والحكم والأقوال المأثورة المنقوشة علي جدران المعابد الفرعونية وقد أسمتها "كتاب الموتي والأحياء" مستوحية الاسم من "كتاب الموتي الفرعوني" الشهير، وربما في إشارة ذكية ومستترة للقاريء للانتباه إلي فحوي الرسالة؛ بل لعل هذه المقطوعات تذكرنا بدور الجوقة في مسرحيات شكسبير حين تقدم في إيجاز هدف الفصل كاملاً في كلمات قوية المعاني شديدة التركيز تحمل في طياتها الأمل والحذر والخوف من المجهول القادم.