إذا كان الروائي السوري خيري الذهبي رأي مساء أول أيام "الملتقي الدولي الخامس للرواية العربي" أن مصر مرتاحة من ناحية الهوية، لذا تتحمل الآخرين الداخلين لها فتبتلعهم، فإن الروائي حجاج أدول طالب صباح ثاني أيام "الملتقي"، بالحفاظ علي الهوية واللغة النوبية، وأعلن رفض المركزية الداخلية التي تحاول محو الخصوصيات بحجة اللغة الواحدة أو الوطنية المتخندقة، واتجهت الروائية مي التلمساني اتجاها مختلفا عنهما، حينما طالبت بفك الارتباط بين الأدب والوطن، واصفة الربط بينهما بأنه "شمولي لا يخلو من الفاشية لأنه يقهر أي نموذج للاختلاف أو الخروج عن الجماعة". في الجلسة المسائية قال خيري الذهبي: مصر تقع علي عكس بلاد أخري تخاف وتتشدد في التعامل مع موضوع الهويات، لعدم ثقتها في الداخل لها والخارج منها، فنحن السوريون نذكر، أنه بجلاء الاحتلال الفرنسي عن سوريا، قطعنا علاقتنا بهذه البلاد بصورة مراهقة، إذ تم حرق الكتب الفرنسية التي خلفوها وراءهم، وتم تعليق العلاقات، ولكن موجات الفلسطينيين التي جاءت إلي سوريا وكانوا يتحدثون باللغة الإنجليزية، قامت بسد تلك الفجوة التي كانت لتحدث بسبب حرق الكتب. ولفتت الروائية سحر توفيق إلي الهويات المزدوجة، والحدود الفاصلة بين المؤلف وأبطال العمل الروائي، وقالت: مع الهجرات الكثيرة من بلدان الأطراف لبلدان المركز، تبرز مسألة انتماء المؤلف، أو إحدي شخصيات العمل الروائي لجماعة مختلفة عن الثقافة المهيمنة التي يكتب الكاتب ضمنها، هذا النوع من الأدب انتشر بشدة في وقتنا الحالي بسبب الهجرات العديدة، كهجرة الصينيين إلي أمريكا، والهنود، والعرب، والأفارقة قبل الجميع، والكاتب في هذه الحالة يعبر عن ثقافته التي هاجر منها، ويعبر عن ثقافة أخري عبر روايات وحياة عاشوها في المجتمع المغلق لجاليتهم، ومحاولتهم الاندماج والذوبان في مجتمع المهجر، من بين هذه الأعمال، هذا الموضوع يثير سجالا كبيرا، فالبعض رأي أن الكاتب يجب أن يكون ملتزماً بثقافته الأصلية، وتقاليده، ويمكننا أن نستدل علي ذلك من إحدي الكاتبات الصينيات التي هاجرت إلي أمريكا، وكتبت عن بلادها، وعن التقاليد والأساطير فيها ولكن بطريقة جديدة، النقاد الصينيون رأوها خائنة لأنها استخدمت الرموز بشكل مختلف، بينما رأي النقاد الأمريكيون أن كتابها كان مفتوحا علي الأساطير الصينية، هذه المسألة مست الدراسات العرقية، أو دراسات الأقليات ونقد ما بعد الكولونيالي، ودخلت بشدة في موضوع الهوية المزدوجة، وأثرت كثيرا علي الأدب، لأن الإمبريالية والكولونيالية كانت موجهة للشعوب المستعمرة. وقال الناقد العراقي صادق الطائي: في العراق هناك العديد من الهويات القائمة علي الدين والطائفة والعرق، ما يجعل الكاتب في حيرة، يحاول التقريب أحيانا، ويبرز المشكلات أحيانا أخري. أما في الجلسة الصباحية، فقد أعلن الروائي حجاج أدول في ورقة جاءت بعنوان "الرواية النوبية والفصل بين فنية الرواية ووطنية الروائي" رفض المركزية الداخلية التي تحاول محو الخصوصيات بحجة اللغة الواحدة أو الوطنية المتخندقة، ودعا للحفاظ علي اللغة النوبية كإبداع إنساني لغوي يجب أن يبقي وإن تأثر باللغة العربية وبثورة الاتصالات وتداخل شعوب العالم وهو التداخل الذي تقبله الشعوب كعالمية إنسانية. وقال أدّول: مصر أبدعت روايتها المتنوعة في انطلاقاتها التاريخية، وحديثا ظهرت الرواية النوبية، فكانت إضافة وإن قوبلت من البعض بتذمر حجته أن التعدديات ما هي إلا تفتيتات، وأنها برزت ليس لفحولة أدبية بل نتيجة لمؤامرات تاريخية وهو رأي مازال متواجدا رغم نحوله يوما بعد يوم، وبدأ الأدب النوبي الحديث المكتوب بالعربية شعرا عام 1948 بديوان "ظلال النخيل" للشاعر عبد الرحيم إدريس، إلا أن الانتباه للأدب النوبي وبداية تخليق نطفة مصطلح "الأدب النوبي" كان بصدور رواية "الشمندورة" للأديب محمد خليل قاسم عام 1968، عدد النوبيين في مصر حوالي 3 ملايين، وصلت عناوينهم الأدبية بالعربية إلي ما يقارب ستين عملا، والروايات تصل إلي عشرين رواية. وأضاف: بسبب التهجير، وفقد النوبيون لموطنهم ونيلهم، صار الأدب النوبي عامة بما فيه الرواية يركز بشكل كبير علي تلك التهجيرات، رواية مغرقة في الحنين والفقد وتحوي الكثير من الحدة ضد المتسببين في التهجيرات، وهناك الآن رواية نوبية تحوي آلاما وبعضها يحمل يأسا من العودة والبعض لا يهتم أصلا بما كان من تهجيرات وغرق. ومن ناحيتها وصفت الروائية المصرية مي التلمساني، التي تعيش بكندا، الربط بين الأدب والوطن بأنه ربط قهري، وقالت: هناك ربط قهري بين الأدب والواقع والأدب والوطن، وتصور بأن الأديب نبي صاحب رسالة، والحقيقة أن هذا ربط شمولي لا يخلو من الفاشية لأنه يقهر أي نموذج للاختلاف أو الخروج عن الجماعة، وقد استوردنا فكرة الهوية القومية أو الدولة القومية من الغرب في القرن التاسع عشر، ولم نستطع إلي الآن أن نتخلي عنها رغم أن الغرب قد تخلي عنها بالفعل". التلمساني تساءلت: كيف يتخلص الأدب العربي من تمثيل هاجس القومية والهوية العربية، وأضافت: نحن لا نقول عن كافكا أنه ترجم من الألمانية، بينما نحن حينما تترجم أعمالنا، يكتبون عليها ترجمت من العربية، وقد فشلت فشلا ذريعا أن أزيل كلمة مترجم من العربية من كتابي، وكأن المترجم يريد بذلك أن يتلصص علي ما يكتبه الكتّاب العرب. ولكي توضح فكرتها أمام اعتراض الحضور علي كلامها، قالت: لا أريد أن أتخلي عن الروح العربية، ولكني أريد أن يكون كل شيء أقوم به ككاتبة وناقدة قائم علي النقد بعيدا عن المسلمات، إنني أريد أن أكشف التباسات الروح العربية وكيف تكون عائقا أمام الانخراط في أي موجة، فقط أريد أن ننسلخ عن فكر قومي أصبح طاردا، وأريد أن نتخلص من مشاعر الدونية الفكرية تجاه الغرب وأن نتعامل معه باعتباره شريكا وليس محتلا، نحن لا نستطيع أن ننخرط في موجة لأننا متجذرون في الأرض، وعندما أدعي لمؤتمر، يتم دعوتي باعتباري عربية ستتحدث عن المرأة أو الحجاب أو وضع المؤسسات الثقافية.. والمكان الوحيد الذي أشعر فيه أنني أتحدث ككاتبة وناقدة بعيدا عن التصنيف القومي هو في الجامعة.