الشهادة الإعدادية 2024.. طلاب البحيرة يؤدون امتحانات مادتي الهندسة والكمبيوتر    سعر الدولار في البنوك اليوم بعد وصول الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    غدًا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 في العبور    الإسكان: بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 بمدينة العبور غدا    مصر تبدأ المناقشات مع صندوق النقد للحصول على 1.2 مليار دولار    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة بالشيخ زايد والسادات    قصف إسرائيلي يستهدف شرق رفح جنوب غزة    آخر تطورات جهود مصر لوقف الحرب الإسرائيلية في غزة    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    مصدر رفيع: مصر عازمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدانة ممارسات الاحتلال أمام العدل الدولية    موقع فرنسي يتحدث عن "فرصة" لمشاركة عبد المنعم في دوري أبطال أوروبا.. ما التفاصيل؟    حسام أشرف يتصدر، ترتيب هدافي الدوري المصري قبل الجولة 24    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    بسبب خلافات بينهما.. استدرجوه وخلصوا عليه ودفنوه في زراعات الموالح بالقناطر الخيرية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    تجديد حبس لص المساكن بمدينة بدر    في يومها العالمي، قائمة المتاحف المفتوحة مجانا للزائرين    لمواليد 18 مايو.. ماذا تقول لك الأبراج في 2024؟    ليلى علوي: الزعيم عادل إمام مَثَل أعلى لينا وتاريخ عظيم    كل سنة وزعيم الفن بألف خير.. هالة صدقي تهنئ عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    النيابة العامة تجري تفتيشا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن جبرا إبراهيم جبرا: في القفز من الماضي إلي المستقبل
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 01 - 2016

هذا النصّ من خلق الخيال، وإذا وُجد أيُّ شبهٍ بين أشخاصه أو أسمائهم وبين أناس حقيقيين أو أسمائهم، فلن يكون ذلك إلّا من محض المصادفة.
1
إلي جانب هذيْن الكتابيْن ل »البئر الأولي وشارع الأميرات« بثّ جبرا مقدارًا غيرَ قليل من السيرة في ثنايا ما كَتب، أولًا في الروايات، وثانيًا في الكتب النقدية. (عبد الرحمن منيف، تقديم شارع الأميرات).
»وعندما أخذتُ أراجع نفسي بشأن أحداث الطفولة، وجدتُ أنّني، عبر أكثر من أربعين سنةً من الكتابة، استعرتُ العديدَ منها في مقالاتي وقصصي القصيرة، وبخاصّةٍ في رواياتي.« (جبرا، البئر الأولي).
قال لي فيصل درّاج، ونحن جالسان علي شرفة المقهي، إنّ جبرا في رواياته الكثيرة كان يحاول كتابةَ روايةٍ واحدة، وإنّ كلّ التنويعات هي مساراتٌ مختلفةٌ نحو هذه الرواية أو تناسخاتٌ مختلفةٌ عنها.
لعلّ ما كان جبرا يبغيه ليس روايةً يا صديقي فيصل. لعّله نوعٌ من السيرة المعكوسة: محاولته التي لا طائل من ورائها للعودة إلي طفولةٍ صارت ماضيًا، ومع مرور الأيام تحوّل الماضي إلي مُتخيّلٍ محمّلٍ بما يأمل المستقبلُ أن يُحقّقه. هذه الرواية الواحدة هي الذاكرة/الذكري إذ يحوّلها العقلُ، الشاهدُ علي الفاجعة المتجدّدة، إلي ما يشبه الحلمَ القادم. »أمامُ« جبرا يقع خلفَه دائمًا، في طفولته التلحميّة تحديدًا. أمّا مستقبلُه فحاضرٌ في سراديب القدس الرّطبةِ الضيّقة، وفي بيوتها المنخفضةِ عن سطح الشارع المكتظٍّ بساكنيه وضوضائهم. كانت انتقالاتُ جبرا، مع تقدّم الزمن، تتمَ من البراءة إلي الدنس، من الفردوس إلي جحيم »الآن« و»القادم«، عبر الهبوط إلي المدينة.
الماضي جميل دائمًا بشكلٍ ما. ذكرياتُه المُرّة حلوةٌ هي أيضًا لأنها انقضتْ؛ لذا فالماضي يستدعي حنينًا كامنًا فيه بالقوة. يتحدّث إيتالو كالفينو، في المدن اللامرئيّة، علي لسان ماركو بولو، عن مدينة ماوريليا، التي يُدعي المسافرُ إلي زيارتها، ويُدعي في الوقت ذاته إلي تفحّص بطاقاتٍ بريديّةٍ توضّح كيف كانت قديمًا؛ فيعترفُ بأنّ عظمةَ حاضرة ماوريليا، مقارنةً بماوريليا الريفيّة القديمة، »لا يمكن أن تُعوِّضَ من بهاءٍ مفقودٍ لا يمكن إدراكُه الآن إلّا في البطاقات البريديّة القديمة«؛ أمّا في السابق، عندما كانت ماوريليا الريفيّة أمام عين المشاهد مباشرةً، »فإنّه لم يكن ليجدَ فيها أيَّ شيءٍ بهيٍّ علي الإطلاق.« والنتيجةُ أنّ البطاقات البريديّة لا تصوّر ماوريليا كما كانت، بل تصوّر »مدينةً أخري، كان اسمُها للمصادفة ماوريليا، مثلَ هذه.«
ماوريليا جبرا، إذا جاز التعبير، كانت دائمًا بيتَ لحم طفولتِه، يبحث عن خلاصه في بطاقاتها البريديّة القديمة، ويتواري بطلُه (هو) فيها، من دون أن تُفلِح محاولاتُ الكشف عن أسرار غيابه، وسيعودُ يومًا كالمسيح وتعودُ معه بغدادُ والقدسُ، مطهّرتيْن من الاحتلال والقمع والتخلّف، تتزيّنان بالموسيقي ومعارضِ الفنّ وعروضِ الأفلام وقراءاتِ القصة والشعرِ والجدالاتِ الفلسفيّة المحتدمة (في المقاهي) والنساءِ الجميلات المثقفات. لكنّ بطاقات جبرا البريديّة القديمة ويا لألاعيب الزمن الكموميّ لا تُصوّر بيتَ لحم/القدسَ/بغدادَ كما كانت، بل تُصوّر مُدنًا أخري، كان اسمُها للمصادفة بيتَ لحم/القدسَ/بغدادَ، مثلَ هذه!2
»رفعت الفتاةُ قدمَها وقالت: انظرْ! فنظرتُ، ولكنْ لم أرَ فيها ما يثير، سوي إصبعِها الكبيرِ مصبوغًا إظفرُه بالأحمر، وباديًا من طرف حذائها الأنيق. فقلتُ لنفسي: فلأنصرفنّ إلي ما هو أخلقُ بالرجال. واتجهتُ نحو المدينة.« (جبرا،صراخ في ليل طويل).
المدينة هي مكانُ اغترابي الأوّل والأخير، حيث يتشوّه البشرُ، ويعزفون كلّ لحظةٍ لحنَ رجوعهم الأخير إلي ذواتهم المتفرّدة. المدينة قبرٌ كبيرٌ لفردٍ واحد. حاولتُ أن أتجاوزَه حين كتبتُ السفينة؛ ففي خضمّ أرضٍ عائمةٍ كفلك نوح علي ماءٍ يفيض علي مدّ البصر، يحصل ذلك التضامنُ العزيزُ، الذي سرعان ما يتفكّك وينتهي عندما تُلامس الأقدامُ اليابسة. »الناس في السّفينة يضحكون بسهولة، ويحبّون بسهولة، ويعترفون بسهولة، ثم ينسون كلّ شيء بسهولة.« (جبرا، السفينة)
حالما نطأ الأرضَ/ المدينةَ مرّةً أخري نتبعثر ونخونُ ويَطعن كلّ واحد منّا صديقَه في ظهره. قرأتُ مثلَ هذه الفكرة في قصّةِ كاتبٍ وُلد سنةَ نُشر كتابي الحادي عشر، النار والجوهر في العام 1975، وظهرتْ سنة 2012 في كتابٍ له اسمُه أري المعني، بعد أن شبعتُ موتًا. يقول: »هذه المدينةُ ليست لنا: عندما يستيقظُ فيها الصّباحُ وتتحوّلُ سمائي إلي كراسٍ وطاولات، ويتحوّلُ نُدُلي المجنَّحون إلي رجالٍ ونساء، وتتحوّلُ أضوائي المتقطّعةُ إلي علبٍ سوداءَ بفتحاتٍ زجاجيّة، ينزل الجميعُ بسرعة. وفي الشارع، يرفعُ كلُّ واحدٍ منهم مسدّسهُ في وجهِ الآخر، وأغرقُ في البُكاء.«
صدق المؤلف.
هذه المدن ليست لي. ليست لنا. الفرقُ أنّني لن أرفعَ مسدّسًا في وجهها، وسأصرخ مع كارلوس ليسكانو المستيقظِ من كابوسه: »أكونُ في بيتي، وأُعتقَل. أدركُ وجودَهم أمام بيتي ودخولَهم عليّ، فأقفزُ من السرير وأبحثُ عن سلاح. أكرهُهم، أكرهُهم إلي أقصي درجات الكراهية. أبدًا، أبدًا لن يأسروني من جديد... لا أريد قتلهم، ولكنني سأجعلهم يقتلونني...« كالمسيح.
أنسحبُ إلي ذلك السَّديم الذي تتعارك فيه كراتٌ نطّاطة. سفينة علي بحر. سيّارةٌ يقودها وليد مسعود بسرعة جنونيّة، في شارعٍ مظلمٍ، إلي قلب الخلاء، في ليلةٍ ممطرة. ثم يوقفها فجأةً. يَفتح بابها، ويُلقي بالراكب/صديقِه إلي قلب الظلام، ويذهب. يذهب ولا يعود. ويظلّ الخلاصُ مؤجّلًا.
هذه المدينة ليست لي. ليست لنا.
3
»وهكذا هجرنا التلالَ والوديانَ والكرومَ إلي الحيّ المظلم، بما فيه من بيوتٍ كالقبور، ومراحيضَ فائضةٍ، وهواءٍ ملوّث. فشاهدتُ التقدّم من الأسفل، إذا صحّ هذا القول. شاهدتُه غريبًا عنه، ثم ضحيّةً له.« (جبرا، صراخ في ليل طويل)
سنعود إلي فيصل درّاج، لا جالسًا علي شرفة المقهي كما تركناه قبل قليل، بل في كتابه، ما قبل الدولة، ما بعد الحداثة، وفيه يتحدّث بألمٍ عن أفول نجم الحداثة العربيّة في المهد قبل أن يتبلورَ مشروعُها التنويريُّ في قوّةٍ رافعةٍ لمجتمعات العالم العربيّ. في عبارة جبرا أعلاه نتلمّس التشخيصَ ذاتَه في قالبٍ نبوئيّ: فشل الانتقال العشوائيّ، الذي فرضه إفقارُ الرّيف، من القرية إلي شبهِ المدينة، من مجتمع التكافل القديم إلي مجتمع التنافس الجديد، من »التخلّف« (المستقلّ والمكتفي ذاتيًّا والقابلِ للبقاء) إلي »التقدّم«(التابعِ والمبتورِ والمشوّه). إنّه»التقدّم« من الأسفل، أو التقدّمُ مقلوبًا، أو التقدّمُ المتعلّق بالقشور/ بالسلعة، لا بالأساس/ بالإنتاج/ بالمعرفة.
يخبرنا درّاج عن مأساة المثقف التنويريّ المزدوجة. المأساة الأولي «آتية من منظور المثقف الذي يَنْقض البنيةَ الاجتماعيّة، مقترِحًا مجتمعًا جديدًا لا يوافق السلطةَ، ولا يرحِّب به الخاضعون كثيرًا...» وتأتي المأساةُ الثانية من »مكر التاريخ، الذي استَولد ولأسبابٍ متعددة مثقفًا عربيًّا، ولم يَستولدْ معه، أو له، طبقاتٍ اجتماعيّةً تحتاج الثورةَ أو تحلم بها. ولذا بدا المثقّفُ عاريًا أو شبهَ عارٍ، معلّقًا في الفراغ.« بهذا المعني يكون التقدّمُ الذي ينادي به المثقّفُ التنويريُّ غريبًاعن المجتمع، ثم يصير وصاحبَه ضحيّةً له. ولهذا سيظلّ جبرا يحسّ بالوحدة، ويتحدّث عنها كسرٍّ يؤسِّس لغياب المُخلّص وعودتِه اللاحقة. ولهذا أيضًا يظلّ درّاج يُفضّل (مثلي) صحبةَ الكتب علي صحبة ذوي العقول الفارغة، ويفضّل (مثلي أيضًا) الكتابةَ علي الدخول في جدل عقيم معهم.
4
أجترّ جراثيمَ السماء، وأدوسُ عظامَ الموتي، وأري الجماهيرَ الجائعة تفترس ضحاياها بأنيابها، وأحسُّ بالموت يعتنق البرّ والبحر، ويملأ الفضاءَ برائحة الأجساد المتفسّخة، ويسقي الأشجارَ اليابسة من دم الشباب.. (جبرا، صراخ في ليل طويل).
لازمني إحساسٌ مبكّرٌ بعبث الوجود، عبثِ الموت، عبثِ الانتظار. ربّما لهذا عكفتُ علي ترجمة في انتظار غودو، رائعةِ صموئيل بيكيت. وأمام فظائعَ لا تتوقّفُ عن التوالد، يظلّ سؤالي مستمرًّا عابرًا للأجيال: أثمّة معني، مغزي؟ يقول العِلْم: لا. وبينما نجلس، أنا وذلك الكاتب الذي تحدّثتُ عنه سابقًا وصار الآن علي تخوم الأربعين، في كرسيّ الحديقة ننتظر إجابةً أخري، لا نسمع سوي قهقهةٍ لامبالية، فيَقرأُ لي علي وقعها فقراتٍ من قصّة في كتابه، مقدّماتٌ لا بدّ منها لفناءٍ مؤجّل، اسمُها »الصراط«:
»في لحظة القُرب، لحظةِ النور، لحظةِ الالتحام، تشعر الأرواحُ بأقدامها ترتفع قليلًا وكأنّها تطفو؛ تحسُّ بعقلها يشعّ ويتخاطب مع المحيطِ مباشرةً، دون وسائط. تمدُّ الأرواحُ أيديَها وتصرخ: هل وصلنا؟، فيردّ الصمتُ بصوته البشع، ويسود هدوءٌ كأنّه اللاشيء. في موجةٍ من الأمل، تُغمض الأوراحُ أعينَها وتقبضُ، فيتبدّد النّورُ والقُربُ وحلمُ الالتحام. وعندما تُفتح الأصابعُ، تجد كلُّ روحٍ قلبَها النابضَ، فتعيدهُ بسرعةٍ إلي مكانه، وتتابعُ المسير. تعالَ يا بُنيّ المُتعَبَ إلي مَن لا أوّل له ولا آخر، والأرواح تسير، ولا نهاية للطريق.«
لا نهاية للطريق، ويظلّ السؤالُ مستمرًّا عابرًا للأجيال. وأظلّ قلقًا في رقدتي الأبدية، أخرج بين حينٍ وآخر، لعلّ أحدَهم وجد ضالّتي فأستريح.

5
»واستجماعًا لشتات عزيمتي أشعلتُ سيجارةً، وسحبتُ منها نفسيْن عميقيْن، ثم ألقيتُ بها عنّي ورأيتُ الشّررَ يتطايرُ منها. وإذا رجلٌ متسوّلٌ ولا ريب يقفز من بين ثنايا الظلام ويلتقطها ويحشرُها في الحال بين شفتيْه. فابتسمتُ وفكّرتُ في إعطائه سيجارةً كاملة، غير أنّني وبّختُ نفسي علي هذه الميوعة، واستمررتُ في المشي.« (جبرا، صراخ في ليل طويل)
هذا نصٌّ متفجّرٌ، حداثيٌّ، متعدّدُ الطبقات، يفتح آفاقَ المتلقّي علي كثرة من الاحتمالات. إنه قصّة قصيرة جدًّا كُتبتْ، علي الأرجح، قبل العام 1946، سنة نشر الرواية التي تضمّنتْه، وهي روايةٌ أعتبرُها أفضلَ ما كتبه جبرا في هذا الجنس الأدبيّ. أحبُّها لأنّها كُتبتْ بعقليّة القاصّ ومنهجيّةِ القصّة القصيرة: التكثيف الشديد مترافقًا مع حفرٍ عموديٍّ، لا استرسالٍ أفقيّ. فيها اكتشفتُ أنّ مفتتح الحداثة السرديّة صار له عندي مفتتحٌ جديد. اقرأوا معي:
6
» مشي رجلٌ نحوي وابتسم، إذ ظنَّ أنّه يعرفني، وأقبل عليّ بحرارةٍ (فأجفلتُ!)، وأمسكَ بيمناي مصافحًا، وقال: أين كنتَ غائبًا؟ ثم تعثّر وتلعثم خجلًا حين لم أستجبْ لحرارته، فأدرك أنه أخطأ في ظنّه. عفوك، عفوك راح يكرّرها. حسبتُ أنّك.. غير أنّني لم أتريّثْ لأسمع بقيّة شرحه، وقد أدهشني أنّني أشبهُ رجلًا آخر. فقلتُ لنفسي: طبعًا الظلام.. وأشعلتُ سيجارةً أخري.« (جبرا، صراخ في ليل طويل)
هذه قصّة قصيرة جدًّا مرّةً أخري، مدهشة، حداثيّة في شكلها، وفي تركيبها داخل بنية رواية، وفي مضمونها القائم علي الاغتراب وهي تيمةٌ تنتشر داخل أعمال جبرا الكثيرة، لكنّها مكثّفة هنا إلي أقصاها: فالرجل، المقبلُ بحرارة، سرعانَ ما يرتدّ إلي موقفٍ اعتذاريٍّ كامل، وكأنّه ارتكب خطيئةً بالسلام علي رجلٍ ظنّ أنّه يعرفه وتبيّن عكسَ ذلك.
يعرف جبرا الذي زار مدنَ أوروبا وعاش فيها كيف يُلقي الغرباءُ السلامَ بعضُهم علي بعض، بتحيّةٍ أو ابتسامة. لكنّ الراوي هنا يضمر احتقارًا مرًّا للقادم: لم يعبأْ به أو يستمعْ إلي عذره التبريريّ. »طبعًا الظلام،« قال لنفسه. ففي النور، سيري الغرباءُ/المغتربون أنفسَهم بوضوح، وسيتعرّفون إلي اغترابهم حين يروْن محيطَهم في الضوء، فيتأكدون أنّهم ليسوا منه وليس منهم؛ أما في الظلام، فثمّة إمكانيّةٌ للالتباس، إمكانيّةٌ لأن يمدَّ الواحدُ يدَه إلي الآخر أو إلي المحيط لوهلةٍ سرعانَ ما تتبدّد قبل الملامسة.
»يَخْلق من الشبه أربعين«: هكذا تقول العبارةُ الرائجة. لكنّ صاحبَنا المتوحّد، المغتربَ في محيطٍ من الخراب، يستغرب، بل يستنكر، أن يشبهَه أحد. كتبتُ في أري المعني: »صخرةُ الوعي فوق القلب ثقيلةٌ ثقيلة. أنا أحدٌ أحد، قال العارفُ وحملها ومشي.«
7
»في الصّميم نحن وحيدون. حياتنا أشبهُ بالعلب الصّينية: علبةٌ داخل علبةٍ وتتضاءل العلبُ حجمًا إلي أن نبلغ العلبةَ الصغري في القلب منها جميعًا. وإذ في داخلها لا خاتم ثمين من خواتم ابنة السلطان، بل سرٌّ أثمن وأعجب: الوحدة.« (جبرا، السفينة).
مباشرةً خطرتْ لي صورٌ كنتُ التقطتُها لتكون غلافَ كتابي، الفوضي الرّتيبة للوجود: اللعبة الروسيّة الشهيرة، التي تشْبه العلبَ الصينيّة، مفروطةً علي رخام المطبخ؛ أما اللبّ الذي لا ينقسم فضائعٌ في دوّامة القشور الأكبر:
كان غرضي أن أبيّن الرّتابة المتماثلة في أنماط الفوضي، حيث الحدثُ الفيزيائيُّ لا يشبه الحدثَ الذي يسبقه بل يكرّره في السياق العامّ، وعلي هذا انبثقتْ هندسةُ »الفراكتال« (هندسة عدم الانتظام المنتظم، أو هندسة التكرار المتغيّر) عن نظريّة الفوضي. وكنتُ أريد، من جهةٍ أخري، الإشارةَ إلي الطبقات المتعدّدة التي تختفي خلفها حقيقةُ الإنسان المتعدّدةُ الوجوه، والكاذبةُ في أحيانٍ كثيرة. »الحقيقةُ أنّ الحقيقةَ هي كذلك حساءٌ/» يقول أدونيس، «تدخل في تركيبه/أعشابُ الألفِ اللام الكاف الذّال الباء.« في القلب منها يجلس الإنسانُ العاري، المجرّدُ من زخارفه وادّعاءاته، الإنسانُ الوحيد. وهذا الإنسانُ الوحيد، إنِ استطاع أن يلقي بأكوام الحقائق/الدوغما التي تصنع أثوابَه وطبقاتِه، ويجعلَ من قلبه داخلًا وخارجًا معًا، فسيتحوّل مباشرةً إلي المفكّر المتأمّل من جهة، والثوريّ الطليعيّ من جهةٍ أخري، وسيحاول كما مردوخ في الإينوما إيليش أن يشقّ السديمَ الأول، ويُخرجَ الحركةَ من السكون. 8
»وأنا بين الناس وكأنّني لستُ منهم، أسمعُهم ولا أفهمُهم، أكلّمُهم ولا يفهمونني، والحركة بينهم أشبهُ بالسير في الوحل اللزج إلي ما لا نهاية.« (جبرا، يوميّات سراب عفّان)
في تمرينٍ فكريٍّ درجنا علي ممارسته أسبوعيًّا، ألقي فيصل درّاج سؤالًا قنبلةً مِن علي شرفة المقهي: »كيف تعمل علي تحرير مجتمعٍ تكرهُه، وأناسٍ تكرههم؟« لحسن الحظّ لم يكن حولنا زبائنُ كثيرون، فلم يُصبْ أحدٌ بأذًي. ولمّا صرنا في حيرةٍ من أمرنا جاءتنا ثريّا الريّس بإجابةٍ مقترحة: »عندما يتحرّر الناسُ، يتغيّرون إلي الأفضل. هذا هو ما يدفعُنا: التغييرُ، أو بالأحري: الأملُ في التغيير.«
أما أنطونيو غرامشي، الجالسُ علي طاولة مجاورة يسترق السّمعَ، فضبط نظّارتَه ذاتَ العدستيْن المستديرتيْن، وحدّثنا عن الإنسان الشعبيّ الذي يمتلك وعيًا متناقضًا، فقال:
»الانسان الجماهيريّ (الشعبيّ) يمارس عملًا، لكنّه لا يعي عملَه وعيًا نظريًّا واضحًا، مع أنّ هذا العمل الذي يبدّل العالمَ هو في الوقت نفسه معرفةٌ بالعالم، (لكنّ ) وعيَه النظريّ قد يكون مضادًّا لعمله تاريخيًّا. فيمكن القولُ إنّ عنده وعييْن نظريّيْن (أيْ وعيًا ) واحدًا (متناقضًا): أحدُهما وعيٌ يتضمّنُه عملُه ويجعله يتّحد بأعوانه اتحادًا حقيقيًّا في سبيل التبديل العمليّ للواقع؛ والآخرُ وعيٌ سطحيٌّ أو لفظيّ، ورثه عن الماضي وقبله بلا نقد.«
ها قد حلّها غرامشي إذًا: تدميرُ الوعي السطحيّ عبر نقده في الواقع، علي الأرض. وبذلك يُلغي التناقضُ المزدوج: الكامنُ في وعي الجمهور، والكامنُ في وَحدة المثقّف.
يستدرك جبرا ويلتقطُ هذا التناقض: »ومع ذلك، أولئك هم الناس الذين تأمّلتُهم في حياتهم، وأشفقتُ علي مصيرهم، والخوفُ والقلقُ كامنان في عيونهم. لقد جلستُ شهرًا بعد شهر، كنبيّ أثقلتْ كاهلَه السّنون، أفكّر في أوصابهم. لا ريب أنّني إنّما رأيتُ في شقائي شقاءَ البشرية، فبقيتُ أطيلُ النظرَ فيه.« (صراخ في ليل طويل). وهو بلا شكّ يقترب اقترابًا شديدًا من مثقف غرامشي العضويّ.
9
»الكتابة المأجورة للصحف؟ لقد جرّبتُها. لا خير فيها ولا تسلية. فلا أنت ترفّه عن الجماهير، ولا أنت تسرّ نفسَك. وعندما تحصل علي النقود، فالأرجح أنك تنفقها علي أتفه الأشياء. ولذلك فإنني أفضّل اللعبَ بأنفي.» (جبرا،صراخ في ليل طويل)
»إذا لم يكن الفنّ متّصلًا بجحيم النفس، فإنّه لن يتّصل بفراديسها. الفنّانون الذين يستجيبون دائمًا لما يريده الناسُ طرّاشون، صبّاغون، بغايا، سمّهم ماشئتَ.« (جبرا، السفينة)
الصدقُ ثوريٌّ دائمًا، وكذلك الاتّساقُ مع الذات، وامتلاكُ المشروع/ الرؤية/ الحلم، سواء تعلّق الأمرُ برسم لوحة، أو اتخاذِ خيارٍ اجتماعيّ، أو مجرّد اللعب بالأنف. واضحٌ أنّ جبرا حسم موقفَه من »المثقف« الانتهازيّ، واختار (كما يشهد له عبد الرحمن منيف) الخروجَ عن السّرب، ورفضَ الدّخالة بالمفهوم القبليّ. في عالمنا العربيّ المعاصر تتعدّد اليافطاتُ كثيرًا: حزب، جمعيّة،...؛ لكنّ الجوهر يظلّ موحّدًا: قبيلة، تجمعها العصبويّةُ والمصالحُ الأنانيّة والحفاظُ علي مناطق النفوذ الصغيرة. نبذ جبرا القبيلةَ (فلسطينيًّا وعراقيًّا)، وانحاز إلي الجديد والمتمرّد في الفنّ والأدب.
أمّا إنْ تأملتم حالنا الآن، حيث السائد أنّ »المثقف« تابعٌ للسلطة، متسوّلٌ علي بابها، مفذلِكٌ لفظائعها، فستستنتجون جمودَ زمننا عند نقطةٍ خبِرها جبرا جيّدًا، وقاومَها بحلمه، جريًا علي عادةِ مَن عشِقَهم من الرومانسيين الإنجليز. وستعرفون كيف يظلّ هذا الرجلّ راهنًا، شابًّا. وستعذروننا إذ نحتفي به بعد أكثر من عشرين عامًا من موته.
10
»وقد لازمتني تلك الزهورُ الخياليّة أيّامَ كنتُ لا أري في أحياء المدينة القديمة أثرًا لشجرةٍ أو زهرة. فكنتُ أذهب إلي المدرسة، وألتهُم كلّ كتابٍ يقع في يدي، وأغذّي حلمي الصغيرَ عن الزهور سرًّا لئلّا تقضي عليه الجدرانُ الطاعنةُ المتداعيةُ حولي.« (جبرا، صراخ في ليل طويل)
ثمة شيءٌ آخر يمتلكه جبرا، سابقٌ لعصره، بل لعصرنا أيضًا: حساسيّتُه الحادّة تجاه كلّ ما يتعلّق بالطبيعة وأشيائها؛ بداياتُ وعيٍ إيكولوجيّ متقدّم، يبدو غريبًا علي مَن تأثّر بالمسيحيّة، التي شأن بقيّة الأديان الإبراهيمية تجعل الإنسانَ علّة الكون ومركزَه، وتسخّر جميعَ الأشياء لخدمة احتياجاته ورغباته ونزواته. ولعلّنا نتذكّر التصوّرَ القديمَ للكون، حيث الأرضُ في المركز (لأنها مُستقرُّ الإنسان)، بينما تدور الكواكبُ والأفلاكُ والنجومُ حولها، منصاعةً ل »صورة الله«؛ في حين يحتقر المؤمنُ »دارَ الفناء« الزائلة هذه، ويضع نصب عينيه »دارَ البقاء.«
لا نجد مثلَ هذا عند جبرا، بل نجده يتعامل مع الطبيعة انطلاقًا من مدرسة وحدة الوجود، حيث الإنسان جزءٌ صغيرٌ من كيانٍ عضويّ متشابكٍ مترابط، كلُّ عناصره مهمّةٌ يؤثّر بعضُها في بعض. ونجد تناسخاتٍ مختلفةً لهذه المدرسة في معتقدات سكّان »العالم الجديد« الأصليين، وفي البوذيّة والهندوسيّة وبعضِ أشكال الصوفيّة.
مثلُ هذه الفكرة الجوهريّة والطليعيّة في آن ما تزال غائبة عن الغالبيّة، أعامّة كانوا أمْ »مثقفين،« فيُلقون أعقابَ سجائرهم من نوافذ السيّارات، ويحرقون الغابةَ بدلًا من حرق المدينة.
11
»سأحرق كلَّ هذه الأوراق. سأحرقُها الآن (...) وفي تلك اللحظة سمعتُ دويّ انفجارٍ شديد، اصطكّت له أسناني، واهتزّت به الأرضُ تحت قدميّ. ونظرتُ من النافذة، وإذا النهار قد انبلج رماديًّا، صافيًا، ولم أكن قد لاحظت ذلك.» (جبرا، صراخ في ليل طويل)
النهار يطلع بعد الحريق. وهاجسُ الحريق حديثٌ دائمًا، وراهنٌ دائمًا. وربما كان هذا الهاجسُ الغاضبُ الساخطُ علي الواقع هو ما دفعني إلي الكتابة بعد أن تأثّرتُ بموسيقي الروك والميتال الغاضبة، وتعرّفتُ بعدها إلي كاتب »اليأس والقسوة» الأوّل بلا منازع، حيدر حيدر، الذي لا يتوقّف عن التبشير بالحريق: »فهل تحترق الغابةُ العربيّةُ ليخرجَ من رمادها عصرٌ مضيءٌ آخر، أمْ أنّنا مقبلون علي مزيد من الكوارث والانهيارات التي ستقذف بنا إلي حواف الانقراض؟»
في رواية جبرا الأولي تحرق »ركزان» أوراقَ أجدادها، تحرق عبءَ الماضي وآثامَه وقيودَه، وتحرق قصرَها/قصرَهم. فالتحرّر من الماضي هو شرطُ الحاضر والمستقبل؛ ومن تحت رماد الحرائق، تصعد العنقاء.
12
»وسيجيء يومٌ بعد أقلّ من سنة، سأجد فيه مَن يُذكّرني بأنّ الذي يسير بين الناس بلا قناع، كأشخاص لوحتي، عليه أن يدفع الثمنَ غاليًا.« (جبرا، شارع الأميرات)
ثمّة عجوزٌ يبيع مقتنياته ليستمرّ في الحياة. يتراءي له شيلي كإيقونةٍ مقدّسة، وجهُه منطبعٌ مكانَ وجه المسيح وسط الهالة الذهبيّة، تحفّ به الملائكة. المسيح السائر علي درب الجلجلة حمل الصليبَ علي ظهره؛ وصاحبُنا حمل التفاؤلَ بقادمٍ سيأتي حتمًا وقريبًا.
حدّثني صديقي القاصّ إبراهيم صموئيل عن انهيار اليقين، وما يصاحبه من يأسٍ يطاول الكتابةَ والفنّ، فيَظهر بيّنًا لمعانُ لاجدواهما أمام واقعٍ لا يتوقّفُ عن تصعيد مأساويّته. لعلّ جبرا، كإبراهيم، دفع الثمنَ غاليًا عندما شاهد عالمَه الأنيقَ يتفسّخ ويتعفّن، فانتزعه قطعةً قطعةً وألقمه النارَ التي تدفّئه. لكنّني أطمئنهما معًا: نحن وُلدنا في عصر الانهيار، لكنّنا لا نبشّر بالحريق كما فعل حيدر، بل نسعي إليه ونكمله إلي نهاياته السعيدة. لوحتُنا ويا للأسف لن يرسمها عاشقٌ يطنّ قلبُه بين فتاتين، بل يفرش عليها ماليفتش مربّعَه الأسود، ويمزّقها فونتانا بسكّينه، وأمدّ أنا يدي في جرحها المفتوح وأوغل في دمها. لا ننفكّ عن السير، لكنّنا نتابعه من منطلقاتٍ يحْكمها التشاؤمُ. غير أنّ التشاؤم هو أشدّ أنواع التفاؤل قدرةً علي النقد والمواجهة والاحتمال. التشاؤم هو الأمل. هذا وعدي إليك يا جبرا. نم مرتاحًا.
الإحالات حسب ورودها في النصّ:
جبرا إبراهيم جبرا، شارع الأميرات، تقديم: عبد الرحمن منيف (بيروت: دار الآداب، 2012، ط 2).
جبرا إبراهيم جبرا، البئر الأولي (بيروت: دار الآداب، 2009).
Italo Calvino,ÅInvisible CitiesÅ- New York: Harcourt, 1972
جبرا إبراهيم جبرا، صراخ في ليل طويل (بيروت: دار الآداب، 2003).
جبرا إبراهيم جبرا، السّفينة (بيروت: دار الآداب، 2008، ط 5).
هشام البستاني، أري المعني (بيروت: دار الآداب، 2012).
كارلوس ليسكانو، عربة المجانين: سيرة السجن، ترجمة: حسين عمر(بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافيّ العربيّ، 2007).
جبرا إبراهيم جبرا، البحث عن وليد مسعود (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1989).
فيصل درّاج، ما قبل الدولة، ما بعد الحداثة (عمّان: أزمنة، 2011).
هشام البستاني، مقدّمات لا بدّ منها لفناءٍ مؤجّل (القاهرة: دار العين، 2014).
هشام البستاني، الفوضي الرّتيبة للوجود (بيروت: دار الفارابي، 2010).
جايمس غليك، نظريّة الفوضي: علم اللامتوقّع (بيروت: دار الساقي، 2008).
أدونيس، »الآلة حيوان آخر والعمل يموت،« دبي الثقافيّة، العدد 110، يوليو 2014، ص 13.
جبرا إبراهيم جبرا، يوميّات سراب عفّان (بيروت: دار الآداب، 1992).
جاك تكسيه، غرامشي: دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخّول، مراجعة جميل صليبا (دمشق: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، 1972).
حيدر حيدر، أوراق المنفي: شهادات عن أحوال زماننا (بيروت: دار أمواج، 1993).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.