في ندوة استذكرت الأديب جبرا إبراهيم جبرا بدارة الفنون في مؤسسة خالد شومان بالعاصمة الاردنية عمان، استرجع متحدثون ما تناوله جبرا عن هذه المدينة التي ظل يهجس بها في كتاباته ف'ليس في العالم أجمل من القدس' كان يردد. ورأي مشاركون في هذه الندوة التي جاءت ضمن اللقاء الثقافي الشهري بعنوان 'جبرا إبراهيم جبرا وأطياف القدس'، أن المؤرخ والمفكر السياسي عبد الوهاب الكيالي الذي اغتاله الصهاينة بمكتبه في بيروت العام 1981، لم يكن يتوقع بأن تحذيرات جبرا له ستتحقق عندما طلب منه أن ينتبه لنفسه، كان ذلك بعد اغتيال الصهاينة لمفكرين عرب، وعلماء ذرة وضربهم للمفاعل النووي العراقي، واغتيال الكاتب 'دزموند ستيوارت'. وتحدث في الندوة التي أقيمت بمناسبة مرور '20' عاماً علي رحيل جبرا، وإصدار كتاب تحت عنوان 'جبرا إبراهيم جبرا: وجوه المثقّف الرومانسي'، لمستشار الدارة الثقافي د.فيصل درّاج، والناشر ماهر كيّالي الذي تحدث عن ذكرياته مع الراحل في ورقة بعنوان '20 عاماً مع جبرا'، والقاص هشام البستاني 'جبرا في عيون جيل جديد'. يذكر أن جبرا '1920-1994' ولد في بيت لحم، ودرس في القدس وإنجلترا وأميركا، ثم انتقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي، وهو مؤلف ورسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني، ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، استقر في العراق بعد حرب 1948، وأنتج نحو 70 كتابا توزعت بين الرواية والترجمة، والشعر وترجمت بعض أعماله الي أكثر من اثنتي عشرة لغة. وتحدث درّاج عن انتقال جبرا في صباه من بيت لحم إلي القدس 'بحيث استهل حياته الكتابية بقصص استمد حكاياتها من بشر عايشهم في القدس، وقد جمع بعض قصصه القصيرة في كتاب أصدره في بيروت العام 1956، عنوانه 'عرق وقصص أخري'، ظلّت هذه القصص ملازمة لروحه، لامسها في رواياته اللاحقة، فكل ما كتبه كان من القدس، حتي حين كان منفياً في بغداد'. ظل جبرا، وفق درّاج، متكئا علي حلم 'الفنان الشامل'، فذهب مبكراً إلي فن الرواية، وكتب في القدس العام 1946، روايته الأولي 'صراخ في ليل طويل'، وهو في السادسة والعشرين. ورأي أن القدس ظهرت واضحة عند جبرا بعد الهجرة في رواية 'صيادون في شارع ضيّق'، مشيرا إلي أنه 'رسم المدينة بشكلين: بلغة تستعصي علي الترويض وتستدعي عالماً من المعادن الكريمة والألوان. واعتبر درّاج أن القدس في عيني جبرا 'مدينة من ذهب وفضة وعسجد وياقوت، وتربتها الحمراء تسرد تاريخاً من العدالة والقضايا المنتصرة. إنها مدينة الله التي خلقها كي تعمّ أنوارها الدنيا'. واستذكر ما كان يقوله جبرا من أنه 'ليس في العالم أجمل من القدس، ناظراً إلي مدينة رآها بعينه وقلبه معاً. أما الشكل الثاني للمدينة فتجلي في ابن القدس، الذي حملت ذاته فضائل البشر جميعاً'. واستدرك في وصفه قائلا 'وسيم نحيف واسع العينين يشبه السيد المسيد، بليغ فصيح يفتن الذي يستمع إليه، يأخذ الآخرون بآرائه ويستمد آراءه من قلبه، واسع الثقافة، يحمل معه الأمل والثورة والفرح، ويهزم بروحه المتقدة المعتدين عليه'. وقال الكيالي الذي تعود علاقته مع جبرا إلي أواسط السبعينيات، وأرسي دعائمها شقيقه الشهيد عندما نشر كتبه الموضوعة والمترجمة نثرا وشعرا ورواية. ولفت إلي أن هذا الاحتفال هو الثاني الذي تقوم به دارة الفنون لجبرا، فالأول كان في صيف 1993، عندما زار جبرا عمان، فبعد يوم من وصوله، أقامت له الدارة علي شرفه أمسية فنية رائعة في الباحة الخارجية، خصصت بالكامل لتكريم جبرا فنيا. وقرأ البستاني نصا بعنوان 'البحث عن جبرا إبراهيم جبرا، أو: في القفز من الماضي إلي المستقبل'، مبينا أن هذا النص من خلق الخيال، وإذا وجد أي شبه بين أشخاصه أو أسمائهم وبين أناس حقيقيين أو أسمائهم، فلن يكون ذلك إلا محض صدفة، وخالياً من كلّ قصد. وقال إنه 'هكذا، يبدو جبرا في عيون جيل جديد من الكتّاب، أو في عيوني أنا علي الأقل، وهكذا نتبيّن راهنيّته التي هي انعكاس لراهنيّة مشروعه التنويري التثقيفي الطليعي الحداثوي الذي لم يستكمل، بل انتكس ما إن حلّق قليلاً فوق الأرض وارتفع. الفرق أننا نتابع المسير من منطلقات يحكمها التشاؤم. ليس صدفة أنني توقفت عن الكتابة عند الرقم 13، فالتشاؤم هو أشد أنواع التفاؤل قدرة علي النقد والمواجهة والاحتمال. التشاؤم هو الأمل'.