أكد أكاديميون ونقاد في الندوة التي نظمتها جمعية النقاد الأردنيين بالتعاون مع وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين صباح أمس علي، عروبة القدس عبر التاريخ، من خلال قراءتهم لنصوص أدبية تناولت حضور المدينة المقدسة فيها، نوَّعت بين الشعر والرواية والمسرح وأدب الرحلات. وقال رئيس جمعية النقاد فخري صالح إن من المؤلم أنه في الوقت الذي اختار العالم فيه القدس عاصمة للثقافة العربية، تواجه القدس أبشع هجمة وهي 'تهويد القدس بالكامل'، مشيرا إلي ما تقوم به إسرائيل من مشاريع استيطانية من أجل عزل القدس عما حولها، وتفريغها من سكانها. 'القدس في الشعر العربي' كان عنوان الجلسة الأولي التي ترأسها صالح، وشارك فيها الشاعر عبد الله رضوان، ود.محمد القواسمي، د.عباس عبد الحليم، د.ريما مقطش. واستعرض رضوان في ورقته التي حملت عنوان 'القدس في الشعر العربي الحديث - دراسة سوسيوتاريخية'، مجموعة من القصائد التي تناولت القدس، منها: قصيدة 'سرحان يشرب القهوة في الكفتيريا' للشاعر الراحل محمود درويش، وكذلك قصيدة 'في القدس' للشاعر تميم البرغوثي، وقصيدة 'ودخلت في القدس القديمة' للشاعرة هلا الشروف، وقصيدة للشاعر إبراهيم نصر الله وغيرهم من الشعراء العرب. من جانبه، تحدث عبد الحليم عن قصيدة 'في القدس' للشاعر محمود درويش، من خلال مقاربة تأويلية للقصيدة في فضاء الذات وفضاء الآخر، من خلال مقاربة نقدية لكشف هيمنة فضاء علي آخر، وتأثير ذلك علي العناصر الشعرية في العمل الأدبي. وبيَّن أن درويش عمل علي 'تشويه فضاء الآخر، وقدمه في سياق السلب والتهميش وفقدان الذات لحقيقتها'، مؤشرا إلي ذلك بقول الشاعر: 'ماذا بعد؟ صاحت فجأة جندية، هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟ قلت/ قتلتني.. ونيست، مثلك، أن أموت'. فيما استعرض القواسمة، موقف الشعر العربي مما جري ويجري للقدس، لافتا إلي مواكبته منذ النكبة الأولي في العام 1948، حتي نكسة العام 1967، التي ضاعت فيها القدس. وقال إن 'الشعر امتلأ حزنا علي ضياعها وسيطرة المحتل علي مقدساتها، حيث أظهرت ما يعانيه أهل القدس من ظلم'. ورأي القواسمي، أنه بعد اتفاق أوسلو 'بدأ الشعراء يرسمون طرق الخلاص للقدس'، مبينا أن أبرز ملامح ذلك 'تبني الصمود والحث علي الجهاد لإعادة أمجاد عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي'. مقطش بدورها قدمتْ دراسة في قصيدة 'زهرة المدائن' التي كتبها الشاعر اللبناني سعيد عقل، وقام بتلحينها الإخوان رحباني وغنتها المطربة الكبيرة فيروز، حول تحليل صور ورموز الوحدة الدينية المتميزة والمتعددة المتمثلة في هذه قصيدة. وبينت أنه عندما غنت فيروز القصيدة 'خاطبت ضمائر ومشاعر الملايين، لأنها تحمل بين ثناياها الوعي القومي بأهمية التصالح الديني بين المسلمين والمسحيين'. وتناولت الجلسة الثانية التي ترأسها د.غسان عبد الخالق وشارك فيها د.إبراهيم خليل، د.حسن عليان، د.نضال الشمالي، و د.عالية صالح 'القدس في الرواية والمسرحية العربيتين'. وقدم خليل قراءة في قصة 'بوابة مندلبوم' للروائي الفلسطيني إميل حبيبي، وهي كما قال 'أول قصة تكتب عن القدس'، وقصة 'البلدة القديمة' التي كتبها القاص محمود شقير ضمن مجموعته 'خبز الآخرين'. وأشار خليل إلي أن بعض القصص كتبت من خلال الذكريات عن القدس، ولم يكتبها كتاب مقدسيون عاشوا في القدس، كما هو القاص خليل السواحري وجبرا إبراهيم جبرا، مبينا أن ما جمع بين جبر والسواحري هو أنهم من أبناء بيت لحم والقدس، لذلك كتبوا عن الحياة اليومية من خلال معايشتهم لهذه المدينة. من جانبه، تناول عليان رواية 'أورشليم الجديدة' للروائي اللبناني فرح أنطون التي كتبها في العام 1904، وتطرَّق فيها إلي 'فتح العربي للقدس'، مبيِّنا أن الكاتب اعتمد علي 'الوثائق التاريخية العربية والأجنبية في فتح بيت المقدس، وفي سلوك القادة المسلمين في حصارهم بيت المقدس'. أما الشمالي فعاين تداول التاريخ في المسرحية العربية الحديث، في 'الطريق إلي بيت المقدس' التي كتبها د.إبراهيم السعافين، والتي يُعيدُ فيها 'نسجَ مقطع تاريخي من نضال صلاح الدين في تحرير بيت المقدس'. وتناول الشمالي مبررات اختيار السعافين القدس محورا للأحداث، ومسوغات اللجوء إلي الماضي لتحقيق هذه الفكرة، وكيفية الموازنة بين التاريخ والمسرحي، وطريقة التعامل مع الشخصيات التاريخية في المسرحية. بينما سلطت صالح الضوء علي رواية 'مصابيح أورشليم' للروائي العراقي علي بدر، التي سعي فيها إلي 'تحويل أفكار إدوارد سعيد إلي شخصية الرواية الواقعية المحورية المواجهة للشخصيات الإسرائيلية الخيالية'، مبينة أن بدر هدف إلي 'تكذيب الرواية الصهيونية، ودحض سرد روائي من صنع الخيال أصبح واقعا'. وعن 'القدس في أدب الرحلات'، كانت الجلسة الثالثة التي ترأسها الناقد زياد أبو لبن وشارك فيها د.عبد الجليل عبد الهادي، د.هند أبو الشعر، الناقد محمد سلام جميعان. ورأي عبد الهادي أن مدينة بيت المقدس 'نالت عناية خاصة ومكانا بارزا في كتب الرحلات'، ذاهبا إلي أن ذلك 'يعود لما تحظي به المدينة من معالم مقدسة'. وأشار إلي أن معظم الرحلات ركزت علي المعمار في القدس والذي رصد الحراك العلمي للقدس الذي يبين هناك، وكان يوجد في محيط القدس أكثر من 60 مدرسة تدرس أصناف العلوم الفكرية والدينية، مما يدل علي حركة العلم في هذه المدينة، مستعرضا بعض من ذهب وتلقي العلم في القدس، مثل أبو بكر العربي وابن جبير وغيرهم من الرحالة. أما أبو الشعر فتناولت رحلة عبد الغني النابلسي الذي أقام في بيت المقدس، منطلقا من دمشق مركز إدارة بلاد الشام، مارا بقري ومدن فلسطين، مشيرة إلي أن صورة بيت المقدس لدي النابلسي، تؤكد أن 'القدس عربية إسلامية بأهاليها ومرافقها'. من جانبه، تحدَّث جميعان عن الرحلات الأوروبية إلي بيت المقدس، مشيرا إلي أن 'الكثير من المزاعم الخاطئة التي وقع فيها الرحالة الأوروبيون بسبب عنصريتهم الدينية'، وأضاف إلي ذلك 'اعتمادهم علي الموروثات التوراتية، والمؤرخ اليهودي يوسفيوس، في الجوانب التاريخية التي وردت في مسرودات رحلاتهم'.