ما أرمي إليه من وراء كتابتي عن تجربة كتابي الأول، هو أن أبعث رسالة إلي الأصدقاء الذين دخلوا عالم الكتابة حديثًا، قائلًا لهم إن الكاتب الذي يمتلك موهبة حقيقية، لا يعرف قاموسه، في أي مرحلة من حياته، أية مفردة تشير من قريب أو بعيد إلي اليأس، وإنّ مَن يريد أن يحقق أي شيء، فما عليه إلا أن يمتلك الصبر والمثابرة، حتي يصل إلي ما يصبو إليه، مهما تضخمت العقبات، وتشابكت العوائق، وشيّد الآخرون حواجز خرسانية، بينه وبين الوصول إلي حقه في إثبات الوجود. 1 يمكنني أن أقول إنني لي كتابان، وليس كتابًا واحدًا، يُسمي كلاهما ب (الكتاب الأول)، أحدهما كتاب أول شرعي علني، نُشر علي نطاق واسع، وثانيهما كتاب عُرْفي، وأقصد بالعُرفي هنا أنه طُبع طبعة محدودة. ولنبدأ بالديوان الأول العرفي الذي جمعت فيه قصائدي الأولي، وكان معظمها غزليًّا، علي أوزان الخليل بن أحمد، وكانت تحمل بين كلمات أبياتها تجربتي العاطفية أيام المرحلة الثانوية والجامعة وعنونته ب (بعض من قصائده). طُبع هذا الديوان علي نفقة جامعة أسيوط في العام (1997)، وأنا في السنة الرابعة في كلية التربية قسم اللغة الفرنسية. طُبع الديوان تقديرًا لمشاركتي الفعالة في النشاط الثقافي طيلة سنواتي الأربع في الجامعة، ومكافأةً لفوزي علي مدي ثلاث سنوات متتالية بالمركز الأول في مجال شعر الفصحي علي مستوي الجامعة. وما طُبع من هذا الديوان بالتحديد كان مائتي نسخة، أرسلت الجامعة منها عددًا إلي الجرائد والمجلات وبعض الكُتاب. ولقد تحملتُ تكاليف كتابته علي جهاز الكمبيوتر وتنسيقه قبل أن أسلمه جاهزًا لمطبعة الجامعة التي اكتفت بطباعته طباعة بسيطة هي أقرب إلي التصوير منها إلي الطباعة. غير أن فرحتي به كانت كبيرة لأنه كان وقتها المولود الأول، ويا لها من فرحة! غير أن هذه الطبعة كانت محدودة ولم يصل الكتاب إلي كثيرين، ربما لم يتجاوز عدد من وصلهم هذا الكتاب حاجز ال (150) شخصًا تقريبًا. ونوقش هذا الديوان في برنامج مع الأدباء الشبان، وأذيع عدد من قصائده علي أثير أكثر من إذاعة. لكن الجميل في الأمر أنني لم أذق أي معاناة في طباعة هذا الكتاب. . المعاناة التي كان يدخرها القدر لي في طباعة معظم دواويني الشعرية فيما بعد. معاناة جعلتني أحيانًا كثيرة أتمني أنْ لو لم أكن شاعرًا أو كاتبًا. وقبل أن أطوي صفحة هذا الديوان أذكر بعضًا من نصوصه: (1) أتامل عينكِ. . أدخلها فأسافر فيها أعواما وأظل أسافر كي أنسي أوقاتًا أضحت أوهاما وسنينًا كانت عاجزة لا تملك أملًا / أحلاما
تتحسس نبضك أوردتي فأطوف دماءكِ مقداما وهنالك أبصر فاتنتي في زيٍّ عن غيركِ صاما وتغني الشعر كما كنا وتبث الكونَ الأنغاما (2) قد يهون الكون لكن يا وجودي لن تهوني فجمال الوجه هذا صار وشمًا في عيوني (3) يا وحي قريضي لمَ تمضي؟ فهنالك تجهل عنواني وهنالك تهجر ذاكرتي فتضيع وتذبل أغصاني وتموت البسمة في فمها من يشدو الآن بالحاني؟ من يرقص عندي مبتهجاً؟ من يسمع مني أوزاني؟ (4) مَن يشبه سحرك فاتنتي أو يشبه جزءًا مِن فيكِ؟ أوَ مثلك يُخلق ثانيةً وبهاء الكون علي فيكِ؟ (5) ما زال جرحكِ في الفؤاد. . ولم تزل ذكري وجودكِ في البسيطة دوحي أنا ما نسيتكِ بَعْد بُعْدكِ لحظةً وسواكِ ما وصلت لباب صروحي بل قد مُزجْتِ مع الدماء بداخلي وأكاد أعلن أن روحكِ روحي. 2 أما تجربتي مع ديواني الشعري الأول، فهي مختلفة تمامًا عن سابقه، فبعد أن بدأت كتابة الشعر بقصائد عمودية، تحولت إلي كتابة قصيدة التفعيلة، كتبت نصوصًا طويلة ونصوصًا قصيرة، عرفت فيما بعد أنهم يطلقون عليها شعر الومضة، وكذلك عرفت أن هناك شعراء يُطلق عليهم لقب رواد شعر الومضة، غير أنني حين قارنت بين ومضاتهم وبين ومضاتي وجدْتني أحق من بعضهم بهذه الريادة، وليست هذه نرجسيةً مني ولا هي مبالغة من شخصٍ منتفخٍ ذاتيًا. المفارقة أن ديواني (بعض من قصائده) قد نشر كاملًا قبل أن أنشر أيًّا من قصائده حسبما أذكر، فيما نُشرتْ كل قصائد ديواني (لماذا أنت دونهم) / الديوان الأول شرعيًّا قبل أن تضمها دفتاه في كتاب. كانت هذه القصائد قد نشرت في مجلات وجرائد أدبية متخصصة منها حسبما أذكر جريدة أخبار الأدب، مجلة الشعر، مجلة الثقافة الجديدة، مجلة العربي الكويتي ومجلات عربية أخري. ولقد شاركت بهذه القصائد بعد أن جمعتها في ديوان في مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وفزت بحمد الله بالمركز الثالث فيها علي مستوي الجمهورية. بعد ذلك قدمت هذا الديوان الفائز في المسابقة المركزية للهيئة إلي سلسلة إبداعات والتي تصدر عن الهيئة أيضًا. وبعد أن انتظرت كثيرًا فوجئت بعدم إجازة الديوان للنشر. وانتبهْ معي عزيزي القاريء، قبل أن أتقدم بقصائدي هذه إلي السلسلة كنت قد نشرتها في مجلات لها وزنها في مجال الإبداع والثقافة ومنها مثلًا مجلة العربي التي يحلم كثيرون من كبار الشعراء بالنشر فيها وما زال حلمهم مستمرًّا، كما أن الديوان قد فاز بمركز متقدم في مسابقة الهيئة المركزية، لكن كل ذلك لم يشفع لي عند السيد المحترم الذي قرأ قصائدي ووجد أنها دون المستوي، وأنها ليست جديرة بالنشر في سلسلة نشرتْ من قبل أعمالًا لغيري ولا ترقي لمستوي قصائدي. وقتها سألت رئيس تحرير السلسلة عن سبب الرفض، لكنه لم يفصح لي عن أية أسباب، متذرعًا بأن هذا ليس من حقي. وبعد حوار مع السيد رئيس التحرير أعلنت فيه عن استيائي لما حدث، طلب مني أن أقدم الديوان مرة أخري، فقمت بتغيير عنوان الديوان وتغيير ترتيب بعض قصائده وقدمته مرة أخري للسلسلة، وفي المرة الثانية أجيز للنشر، مع أني لم أضف إليه نصًّا ولم أحذف منه نصًّا كذلك. لكني انتظرت ما يقرب من سنتين حتي أمسكت الديوان بيدي، انتظرت سنتين تضافان إلي أكثر من سنتين أخريين ظلّهما الديوان في أروقة الهيئة، وهو غير مجاز. وحتي الآن ما زلت أسألني: لمَ رُفض ديواني في المرة الأولي؟. . ولمَ قُبل في المرة الثانية؟. . بل السؤال الأهم هو: لمَ رُفض من الأساس؟. . لمَ يُرفض ديوانٌ نُشرت كل قصائده في دوريات محترمة ولها قيمتها؟. . ورغم هذه التساؤلات. . لم أعثر علي إجابة تريحني وتخرجني من صدمتي برفضه أولًا، ثم تعجّبي من قبوله ثانيًا. وها هي عزيزي القاريء بعض نصوص هذا الديوان، ولك أن تحكم عليها، هل كانت تستأهل النشر، أم كان علي صاحبها أن يبحث لنفسه، وقتها، عن عمل آخر، ليستريح من عناء الكتابة، ويريح الناس من وجع أدمغتهم من جراء قصائده. اعْترافٌ ما زلْتَ تغْزلُ مِنْ فؤادِكَ حُلَّةً للشَّمْسِ كيْما تسْتدرّ حنانَها لكنَّها اعْترفَتْ قديمًا للذي اتَّشحَ التَّنازلَ وانْحني لجلالِها أنَّ الْجميلةَ حينَ تعْشقُ واحدًا تُهْديهِ سُنْدسَها تُلبِّي حينَ يأْمرُها تُغنِّي حينَ يَلْثمُها وترْقصُ مثْلما رقصَتْ غصونُ البانِ سامقةً لذا تهْواهُ سُلْطانًا ورُبَّانًا يُديرُ أمورَ سُلْطتِها وحينَ تَودُّ مسْألةً يجوبُ الأفْقَ يأْتيها علي عجلٍ يُطاوعُها. . ينفِّذُ كلَّ ما طلبَتْ ولكنْ دونَ أنْ يجْثو لها أبدا.
طقوسُ اللا حديث تجْلسُ كلَّ مساءٍ في شُرْفتها تتَناولُ كُوباً مِنْ شَاي الوحْدةِ وعصيراً آخرَ مُمْتزجاً بمذاقِ الآهْ. . حينَ تَراني. . مُرْتدياً جلْبابَ الصَّمْتِ / عَباءةَ خَجَلي. . تَسْتمْهلُني. . تسْتفْسرُ عَنْ معْني حرْفيْنِ. . احْتلَّا وجْهي. . أنْهضُ كي أطْلقَ كلَّ حروفي مِنْ قُمْقمِها. . لكنْ تأْبي كلُّ الكلماتِ فراقي. . لا أجدُ ملاذاً. . إلا أنْ ألجَ العيْنينِ. . وثمَّةَ أقْرأُ ما معْناهْ. . مِنْ أجْلكَ روحي. . لكنِّي لا أهْوي. . مَنْ لا يسْتخدمُ فاهْ.