أقام المجلس الأعلي للثقافة، السبت الماضي، ندوة ثقافية بعنوان "حول الكتابة" أدارتها الدكتورة هدي وصفي وشارك بها الكاتب خالد الخميسي والكاتب الفرنسي روبير سوليه. في البداية تحدث الكاتب الفرنسي روبير سوليه عن عمله بالصحافة فقال : " لقد اخترت العمل بالصحافة بسبب حبي للكتابة فقد كانت الأقرب من تكويني والأكثر قدرة علي توطيد علاقتي بالكتابة وكنت سعيداً بعملي كصحفي ولازلت حتي الآن. بعد أن أمضيت عشرين سنة في فرنسا شعرت بالحنين إلي مصر التي فيها طفولتي وما ارتبط بها من ذكريات. كان لدي احتياج لكتابة رواية عن مصر والأجيال القديمة التي جاءت واستقرت بها. التقيت بعدد كبير من الأشخاص وقمت بالأبحاث والإطلاع علي الأرشيف واستطعت كتابة رواية الطربوش وهي قصة أسرة خيالية كان من الممكن أن تكون أسرتي أنا. نجح الكتاب وشجعني علي الاستمرار وعالجت الموضوع مرة أخري في عصر الملكية وقمت بأبحاث تاريخية وكتبت »مصر الغرام« الذي يتناول العلاقات التاريخية بين مصر وفرنسا. رجعت إلي العصور الفرعونية وقرأت تاريخ مصر كاملاً كي أفهم ما يحدث الآن ثم كتبت كتابي "الفرعون المُطاح به" الذي يحكي عن ثورة يناير، كما كتبت سيرة ذاتية عن أنور السادات وترجمت إلي العربية في بيروت". تحدث بعد ذلك عن أنواع الكتابة فقال " للكتابة أشكال: بالنسبة للصحفي فهو يسرد الخبر بطريقة دقيقة قدر المستطاع وبعد ذلك يحاول أن يشرح ويحلل ثم تأتي المرحلة التي يحاول فيها أن يعلق ويناقش، هذه هي الكتابة الصحفية وقد كنت أفعل ذلك دائماً في عملي، فالصحفي حين يكتب الخبر فإنه لا يعرف ماذا سوف يحدث بعد وإنما هو ينقل ما يحدث الآن فقط وهنا تكمن الصعوبة لعدم إلمامه بما هو قادم. الظروف اختلفت الآن فالصحفي لم يعد يحتكر المعلومة لأن السوشيال ميديا جعلت الجميع صحفيون. بالنسبة للمؤرخ فالأمر يختلف كثيراً حيث أن المؤرخ يعرف نهاية قصته. هو يسرد وقائع وأحداث انتهت لكنه يبحث بجد في المصادر التاريخية والمؤلفات التي تناولت هذه القصة أو تلك كي يقدمها إلي القاريء بطريقة جيدة. التاريخ ليس من العلوم الدقيقة فنحن مثلاً نتحدث عن نابليون والموقعة التي خاضها في مصر أثناء الحملة الفرنسية ونطلق علي تلك الموقعة إسم موقعة الأهرامات رغم أنها لم تقع في منطقة الأهرامات ولا حتي بالقرب منها وإذا سمعنا شهادة خمسة من الجنرالات الموجودين حينها سوف نخرج بخمس شهادات مختلفة فيما بينها وعلينا أن نمعن النظر ونحاول التقريب بينها كي نصل إلي شيء من الحقيقة. بالنسبة للروائي فالأمر مختلف كثيراً,هو يسرد قصة خيالية ويبتكر الشخصيات. لا توجد قواعد لكتابة الرواية فنحن نكتب الرواية كما نريد إذ أننا نخترعها في لحظة انفعالية والأمر أكثر تعقيداً. قد يتخيل الروائي شخصيات لديهم منطق معين ثم تقع بينهم أحداث لا يتوقعها الروائي نفسه فهو يضع نفسه كاملاً في الرواية وعند الانتهاء يصبح مثل الأم التي وضعت مولودها الذي تراه الأجمل في الوجود ولذلك فالروائي يشعر بالمرارة إذا تعرض عمله للنقد. أنا أكتب كي أشعر بالسعادة فأنا أخلق شخصيات تدور بينها أحداث وأراجع كتاباتي مرات ومرات كي أتخلص من الشوائب. أكتب كي يقرأني الناس وأهتم بذلك ولكني في الوقت نفسه أرفض أن أكتب شيئاً عن الجنس أو العنف كي أنضم إلي قائمة الأكثر مبيعاً. أنا أكتب من أجل أن أصل إلي الجميع واجعلهم ينفعلون معي فنحن نصف الأماكن والروائح والألوان كي ينفعل معنا القراء وفي بعض الأحيان استهدف سعادتهم بإدخال بعض المرح والسرور أثناء القراءة فأنا أود أن أعلم القاريء دون أن أثقل عليه فالروائي لا يجب أن يقول كل شيء للقاريء ولكن يجب عليه أن يترك له بعض النقاط كي يبحث حولها ويسعي لإيجاد الإجابات وإذا تمكنت من فعل ذلك وإثارة عملية طرح السؤال عند القاريء فأنا قد نجحت في عملي". من جانبه قال الكاتب خالد الخميسي : "بخصوص الكتابة الروائية، هناك أنواع مختلفة من الكتَّاب فيوجد من يكتب لنفسه ومن يكتب لإرضاء أولي الأمر ومن يكتب لمغازلة جائزة ما ومن يكتب ليبيع أكبر عدد ممكن من الكتب. هناك من يكتبون لتغذية ماكينات الطباعة بالكتب فهم يريدون أن يبيعوا وأيضاً دور النشر تريد أن تكسب أموالاً. هي صناعة قاسية ولا أتحدث هنا عن مصر لأن الصناعة في مصر بائسة مثل الوضع العام ولكني أتحدث عما يحدث في الخارج. الكاتب الحقيقي هو من يكتب لنفسه لا لإرضاء شخص أو مغازلة جائزة. لا يجب علي الكاتب أن يفكر فيمن سيقرأ كتابه لأن القاريء متغير وإذا افترضنا وجود ذائقة معينة لدي شريحة القراء في وقت ما فعلينا أن نعلم أن هناك موجة أخري قادمة ومختلفة بعد عدد من السنوات وهكذا نحن نتحدث عن لحظة في حالة صيرورة دائمة. الكاتب حين يكتب لذاته بشكل عميق ويستطيع أن يعبر عما يجول داخله بشكل يلمس القاريء فسوف يصل إليه لا محالة وبالطبع سيؤثر فيه ويحقق صدي إيجابيا لدي الجمهور. هناك شروط أخري للكتابة وأولها أن تكون هناك حرفة أو صنعة، كما أن مشوار الكتابة لا يستغرق نفس الفترة عند كل الكتاب فهناك من يستغرق سنة أو اثنتين وهناك من يمتد مشواره حتي ثلاثين سنة كي يستطيع التعبير عن ذاته بشكل عميق فلا يوجد سن معينة يرتبط بقدرة الكاتب علي معرفة ذاته وماذا يريد أن يقول. من شروط الكتابة الصحيحة أيضاً هو إعادة الكتابة فيجب عليك أن تعيد كتابة العمل من 3 إلي 7 مرات وهناك كتاب لا يقنعون بأقل من سبع مرات لمراجعة ما كتبوا قبل الدفع بها إلي دار النشر. أما عن الكتابة التاريخية فأريد أن أقول أننا لا زلنا في البدايات بالنسبة للكتابة التاريخية فالكتابة التاريخية الحقيقية لم تكتب حتي الآن، وهذا هو الدور المطلوب اليوم من المهتمين بالكتابة التاريخية حيث يجب عليهم إعادة النظر في كل ما تم كتابته في التاريخ فنحن نحتاج رؤية نقدية فاحصة".