توافد الناخبين على اللجان الانتخابية في انتخابات مجلس النواب بمطروح    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    عيار 21 بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 في الصاغة بعد الارتفاع الكبير    أسعار الفراخ والبيض اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    بحث التعاون المشترك بين مصر والمنظمات العربية للنهوض بالاستثمار الزراعي    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    قطع المياه عن مركز بلطيم لمدة 6 ساعات لكسر مفاجئ فى خط رئيسي    كيف تعمل الحكومة لتهيئة مناخ استثماري جاذب ومستقر لتوطين صناعة السيارات؟    وزير قطاع الأعمال يبحث مستجدات مشروع الأمونيا الخضراء بشركة النصر للأسمدة    محمود مسلم: تصويت الكنيست على مشروع قانون إعدام الأسرى «تطور خطير»    في مقابلة مع "فوكس نيوز".. الرئيس السوري أحمد الشرع: علاقتي السابقة بالقاعدة أصبحت من الماضي    زلزالان يضربان ولاية باليكسير غربى تركيا    وزير الخارجية يستقبل سكرتير مجلس الأمن لروسيا الاتحادية    ماذا قدم ماكسيم لوبيز لاعب نادي باريس بعد عرض نفسه على الجزائر    ليفربول يستهدف ضم صفقة هجومية    عادل عبدالرحمن: الزمالك أنفق في الميركاتو الصيفي "أضعاف" الأهلي    منتخب مصر مواليد 2009 يصل عمان لمواجهة الأردن وديا    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    «الداخلية»: ضبط 142 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    أسماء المصابين والوفيات فى حادث تصادم أتوبيس طريق غارب - الغردقة    طقس منخفض الحرارة ورطوبة متوسطة بكفر الشيخ الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    انتخابات النواب 2025.. توافد الناخبين للإدلاء بأصواتهم أمام اللجان بمنشأة القناطر| صور    التضامن الاجتماعي: التدخل السريع ينقذ أسرة بلا مأوى في القاهرة .. وينقلها بشكل مؤقت لدار رعاية    لحظة خروج جثمان إسماعيل الليثي من مستشفى ملوي استعدادًا لدفنه | فيديو    بطولة 14 نجمًا.. تعرف على الفيلم الأكثر جماهيرية في مصر حاليًا (بالأرقام والتفاصيل)    صحيفة: المتحف المصرى الكبير يضم أكبر مجموعة ذهبية فى العالم    6 أعشاب تغير حياتك بعد الأربعين، تعرفى عليها    وزير الصحة يستقبل نظيره الهندي لتبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية-الهندية    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر    «الوطنية للانتخابات»: مشاركة إيجابية من المواطنين في التصويت    تقرير غرفة عمليات حزب المحافظين لليوم الأول من انتخابات مجلس النواب    انطلاق أعمال اليوم الثاني من انتخابات مجلس النواب 2025    هشام نصر: عبد المجيد ومحمد السيد مستقبل الزمالك.. ولن نكرر نفس الخطأ    اليوم.. محاكمة 9 متهمين في «رشوة وزارة الصحة»    الشحات: لا أحد يستطيع التقليل من زيزو.. والسوبر كان «حياة أو موت»    ضعف حاسة الشم علامة تحذيرية في سن الشيخوخة    بدء التصويت باليوم الثاني ل انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    حبس عاطلين لاتهامهما بسرق دراجة نارية فى طوخ بالقليوبية    ننشر كواليس لقاء وفد روسي رفيع المستوى بالرئيس السيسي    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    حظك اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    بينها حالات اغتصاب.. نزوح جماعي وانتهاكات بحق النساء في الفاشر (تفاصيل)    بسمة بوسيل تقف إلى جانب آن الرفاعي بعد طلاقها من كريم محمود عبد العزيز    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    انتخابات مجلس النواب.. تصويت كبار السن «الأبرز» فى غرب الدلتا    بعد دخوله العناية المركزة.. ريم سامي تطمئن الجمهور على نجلها    نورهان عجيزة تكشف كواليس اليوم الأول للمرحلة الأولى بانتخابات النواب 2025 في الإسكندرية    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    القنوات الناقلة لمباراة الكاميرون ضد الكونغو الديمقراطية في تصفيات كأس العالم    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    وزارة الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو يظهر قائد سيارة يسير عكس الاتجاه بالجيزة    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أروي صالح.. كانت رحلة البحث عن ماذا؟
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 01 - 2016

لم يكن بإمكان امرأة صادقة ومُحبِّة حقيقية للحياة مثل أروي صالح، أن تكتب كتابًا بإيجاز وحِدة "المُبتسرون... دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية"، الذي أعادت مكتبة الأسرة إصداره مؤخرًا بسعر جُنيهين مصريين فقط، وأن تُعرِّي فيه المسامير المضروبة في جسد الحُب وفي جسد الوطن وفي جسد الذات، دون أن تكون قد تخلّصت نهائيًا من كل الأوهام التي تجعل الحياة مبلوعة عادة، خصوصًا في بلدٍ مثل مصر، لم تكن أروي لتفعل ذلك لولا وجود أمل أعظم من أمل الوهم، هو أمل الاقتراب من الحقيقة، من الخلاص الذي تُحققه الحقيقة، حين ترضي بأن تتجمع ملامحها المختلطة والمراوغة أخيرًا كي تكوِّن وجهًا واحدًا له أنف وعين وأذنان، والأهم لسان.
لكن أروي التي ستبدو علي الدوام، من فرط "بيوريتانيتها" حسب تعبيرها، في أعين المُثقفين، أقرب إلي شخصية في رواية، رواية عليمة، وساردة بضمير المُتكلم في الآن نفسه، من الأسهل أن يتم تلقيها علي أنها البطلة التي رأت كل شيء، ولم تحتمل، لأنها هشّة أكثر مما ينبغي، أضعف من هؤلاء الذين سيأتون علي سيرتها بحزنٍ، ثم يُغادرون إلي حياة أكثر من أي شيء تُجيد اللف والدوران في العالم القاسي.
مع ذلك يأتي "المُبتسرون" الذي ترفض أروي في مُقدمته أن تُسميه أدبًا، كعمل أدبي رفيع، ليس فقط لطلاقته في الاعتراف بهزائم أجيال متتالية، ومنها الذي كانت تنتمي له أروي، جيل الحركة الطلابية في السبعينات، ولا لأن صوت أروي الذاتي لم يغب مرة، ولا في عز غرقها في التحليل العقلاني، الساخر والمُرِّ الذي لم يفلت منه شيء دون أن يُفنده، بما في ذلك الإنجازات الوطنية التي يتغذي عليها الإيجو المصري وأهمها "حرب أكتوبر المجيدة"، إنما ما يجعل كتاب أروي أقرب للأدب، أقرب للرواية التي لم تُكمِّل أروي مشروعها فيها، ما يجعله هكذا هو هذا التشريح الباطني الحساس، الاستبصار الذي يفتح وعي الكاتبة "كقناة"، قناة لمرور أرواح الآخرين، مشاعرهم وهزائمهم وشهواتهم، ثم سقوطهم الحتمي في الأخير، ولا يعني هذا أن التي كتبت سوف تنجو من السقوط، يُعاني الأدباء أيضًا، الفرق فقط أنهم يعيشون المُعاناة تحت ضوء اللمبات النيون الساطعة.
منذ البداية تتحدث أروي عن جيل سابق، جيل الستينات، جيل بدا كالأب للجيل الجديد، جيل أروي آنذاك، هو الذي مرر الأفكار الأولي والمباديء، محاولًا النجاة من مصير شخصي لم يقم باختياره، بعد سقوط التجربة الناصرية "التي أخذت البلد كله وسقطت به"، كما تقول أروي، ومنها إلي جيل أروي، الأمل الكبير المُحلِّق الذي كان ينقصه جناحان فقط ويطير، جيل لم يكن قد اكتمل في رحم الأم بما يكفي كي يخرج إلي النور، غير مُبتسر قادرًا علي إيجاد حلول مُختلفة.
وإذا النضال يُصبح مجرد هروب من أزمة شخصية لا يعلم أحدُ متي حدثت، ولا ما هي أبعادها الحقيقية، كالهروب من شبح التماثل مع الأب، أو انقشاع وهم سقوط تجربة عظيمة كالتجربة الشيوعية في العالم كُله، هذا الهرب الذي لن يقود إلي أي شيء، وكما تقول أروي عن ذاتها وربما عن جيلها كله "غريب أن تنتبه دُفعة واحدة، تتذكر في لحظة أن المشوار الذي قطعت فيه العُمر بدأ دون حُب لموضوعه الفعلي ! المُعلَن، المُشترك (النضال السياسي)، بل تحت عبء باهظ بالإحساس بالواجب حقًا !"... ما هو مصير النضال الذي يتخذ طريقه إلي الخارج خوفًا من وحش يسكنُ في الذات؟
لم تكن هذه تجربة أروي فقط، بدليل أن الآخرين بعد سقوط التجربة انحدروا في اختيارات غريبة، الذين وجدوا المُقابل في مشاريع أخري أصبح لها ثمن فعلي وواقعي هو المال، أو الذين انعزلوا لاعنين العالم لأن "المرء حين يعجز عن فهم العالم يُحاكمه" كما تقول أروي، الجميع مضي في سقوطه بنفس الاندفاع الثوري، ولم ينج أحد من السقوط، ولم ينج شيء، بما في ذلك الحُب، الكارثة أن الحُب تحديدًا لم ينج من السقوط، تقول أروي " كل الطرق عند البرجوازية تؤدي إلي "الذات"- حتي الحُب، وكل الطرق تمر بالصراع من أجل تأكيد الذات علي حساب الآخرين حتي المحبوب".
لكن مَنْ آخر غير أروي كان سيقف كي يُعاين حقيقة الجُثة قبل أن يُمسك قلمًا وورقة ويكتب الوصف بالتفصيل، محاولًا أن يحمي الآخرين الذين سيأتون في الأجيال القادمة، من الوقوع كضحية مغدورة للغباء الذي يسمُ به التاريخ نفسه وهو يُعيد تكرار الوقائع والمصائب والنهايات دون أن يتعلم أحد، لقد وقعت الأحداث نفسها بعد أكثر من أربعة عشر عامًا من انتحار أروي سقوطًا من ارتفاع شاهق في صيف العام 1997، تكرر الفيلم بأبطال جُدد، رئيس آخر ومُعارضون آخرون، ثم جيل جديد من المُبتسرين خرجوا في يناير 2011، تنطبق عليهم نفس الأوصاف " لقد كان طبيعيًا أن يأتي الاحتجاج الأول وسط هذه العلاقات الهلامية هلاميًا مثلها، لا أعداءه واضحون ولا كذلك أنصاره."، أليس هذا ما حدث بالضبط؟
كان آدم وحواء وحيدين في الجنة، حين وجدا أنفسهما عاريين بغتة عقابًا علي اقتراف الخطيئة، مع ذلك شعرا بالرُعب، أما أروي فقد تعرَّت بإرادتها في الزحام، دون رفيق ولا حتي حلم انتظار الرفيق؛ في رسالتها الثانية بالكتاب، كانت أروي قد وصفت عمرها الذي لم يتجاوز الرابعة والثلاثين فقط، بالعُمر الطويل، ربما من كثرة ما رأت، كانت قد اختارت أن "تقضي علي الحياة" متي أصبحت الرواية مُملة في حاجة إلي خاتمة، اختارت الموت بإرادتها، بعد سفرٍ لإسبانيا، عادت بعده إلي مصر مرّة أخري، مصر التي يبدو أنها لا تتغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.