انطلاق امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل بالسويس    تنسيق الجامعات 2025.. تسجيل الرغبات بموقع التنسيق الإلكتروني مجانا    وزير الري يتابع موقف الأعمال الجارية ضمن "المشروع المصري الأوغندى لمقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى بأوغندا"    أعرف التفاصيل .. فرص عمل بالأردن بمرتبات تصل إلى 35 ألف جنيه    وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء القوس الغربى لمحور اللواء عمر سليمان بمحافظة الإسكندرية    انخفاض اللحوم والزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    95 جنيهًا لكيلو البلطي.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    رئيسة وزراء إيطاليا: أؤيد بشدة قيام دولة فلسطين    إسرائيل تعلن سقوط صاروخ في منطقة مفتوحة أطلق من جنوب قطاع غزة    رئيسة وزراء إيطاليا: الاعتراف بفلسطين قبل قيامها قد يؤدي لنتائج عكسية    كمبوديا تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار مع تايلاند    شيخ الأزهر يعلق مكالمات تهنئة أوائل الثانوية ويلغى مؤتمر النتيجة تضامنا مع غزة    حكم قضائي جديد بوقف أمر ترامب بشأن «حق الجنسية بالولادة» رغم قرار المحكمة العليا    مواعيد مباريات السبت 26 يوليو - ليفربول ضد ميلان.. وإيندهوفن يواجه بلباو    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    "قصص متفوتكش".. محمد صلاح يتسوق في هونج كونج.. نداء عاجل لأفشة.. ورسالة إمام عاشور لزوجته    "خنقتها حتى الموت".. ضبط ربة منزل بتهمة قتل طالبة شمال قنا    نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد طارق الشناوى    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    من رصاصة فى القلب ل"أهل الكهف".. توفيق الحكيم يُثرى السينما المصرية بكتاباته    أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 15 مليون و128 ألف خدمة طبية مجانية خلال عشرة أيام    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    أسبوع الحسم، آخر مستجدات قانون الإيجار القديم    بيراميدز يقترب من صفقة الأهلي.. إبراهيم المنيسي يكشف (فيديو)    محمود الجزار: الأهلي تواصل معي من أجل العودة (فيديو)    شهادات الادخار بأكبر فائدة 2025 وأعلى عائد في البنوك اليوم.. احسب أرباحك    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    إصابة شاب في مشاجرة وتسمم مزارع بحوادث متفرقة في سوهاج    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    ترامب: غزو المهاجرين "المروع" يهدد وجود أوروبا    حظك اليوم السبت 26 يوليو وتوقعات الأبراج    حقوق الإنسان والمواطنة: المصريون يعلمون أكاذيب الإخوان ودعواتهم للتظاهر مشبوهة    التليفزيون هذا المساء.. جمال شقرة: الإخوان لم تقدم شيئا لفلسطين    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    قرار جديد من النيابة بشأن والد «أطفال دلجا المتوفيين»    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    الجمهور على نار والأجواء حماسية.. انطلاق حفل تامر حسني بمهرجان العلمين الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوة حاسمة في مشوار طويل
تعليق علي ملف "قضايا الترجمة"
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 01 - 2016

المغزي الأهم في طرح ملف "قضايا الترجمة" علي مدي شهرين متواصلين في جريدة "أخبار الأدب" هو أنه، في تقديري، خطوة حاسمة نحو أفق جديد تسهم فيه المادة الإعلامية بدور بارز في تنشيط قضية إبداعية وفكرية ظلت حكرًا علي المعالجات الأكاديمية التي كبلتها طويلا، وعاقت حضورها الفاعل علي المستوي العام، إبداعًا وفكرًا، والطرح الذي عرضت له أخبار الأدب جاء من زاوية صحيحة تسلط الضوء علي مكامن الضعف في جهود الترجمة عبر استقصاء أحوال الأطراف قريبة الصلة، والأقرب تمثيلا للحركة المتدفقة، شبابًا وحيوية وأملًا، في مجال الترجمة الأدبية وخيرًا فعلت فهذا هو الميدان الذي يقاس به النجاح في جهود التواصل الثقافي عبر الترجمة سواء من وجهة نظر الناشرين أو من زاوية تفعيل آليات التلقي المعرفي والجمالي والفني عند أكبر قاعدة قراءة ممكنة للناتج الترجمي، عمومًا.
وتقريبًا، فالانتهاء إلي مشروع وثيقة للترجمة، في ختام الملف، ببنوده المحددة وصياغته التلخيصية البارعة، يفتح علي مداخل مهمة للتعليق عليه، ويستدعي مناقشة تكميلية.. ولتسمح لي أخبار الأدب، وقد تربيت في ظل رعايتها وتشجيعها علي المشاركة الإيجابية في قضايا الواقع الثقافي، وبهذا المعني فقد رأيت أن أبدي بعض الملاحظات المطولة جانب من النقاط المهمة فيما طرحته من نقاش. والحق، أن مبادرتها في هذا الشأن، قد تكون مهدت الطريق الأهم نحو انتقال حاسم في قضايا الترجمة يحررها من جمود المعالجات اللغوية وتطبيقاتها المحنطة في المحتويات العلمية المقررة علي الباحث المتخصص، إلي رحابة ومرونة المجال (هل نقول: الحيوي، باستعارة من مفاهيم الجغرافيا السياسية، وإن كان المجال هنا من صميم الأرض الثقافية وقطعة أصيلة منها، لا زيادة طارئة علي تخومها، ولنقل إنه..) الفضاء الثقافي الذي صار أوفر حظًا في صياغة الوعي العام والنخبوي. وفي عرض قضية بهذا القدر من الأهمية، فقد كان مناسباً الانطلاق من مشروع ريادي سبق أن عالج مشكلات الترجمة علي مستوي قومي وانتهي إلي صياغة واضحة ل "خطة قومية للترجمة" صدرت عن الإدارة الثقافية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في 1996 وجري إقرار خطتها التنفيذية علي المستوي الوزاري بين عدة دول من بينها مصر، وللأسف فلم تحظ منذ ذلك الوقت بما تستحقه من متابعة واهتمام، وبالطبع فهي ليست تامة الأوصاف ولا مبلغ الأرب فيما طرحته من تصورات لكنها تستحق الالتفات؛ خاصة أن ما ابتكرته من حلول يظل رغم كل هذه السنوات هو الأكثر إحاطة بتفاصيل قضية الترجمة، في عناصرها الحيوية: المترجمون، إنتاج الترجمة، الشكل التنظيمي لاتحادات المترجمين، الخطط والتنسيق علي المستوي الإقليمي والقومي فيما يتعلق بالإصدارات وقواعد البيانات، إلخ، ووفرت بذلك غطاء قوميا لجهود الترجمة، محتفظة لكل بلد بحقه في طرح أولوياته، وفي تصوري فمن الممكن للدور الثقافي المصري حاليًا وقد التفت إلي هذه المسألة أن يتبني خطة موازية، يتوافر لها من الفاعلية والمرونة وشمول الرؤية ما تتجاوز به حدود الإقليم. وأري أن المنطلق في هذا التصور لن يبدأ، تقليديا، باستعراض أحوال أزمة، قد تبدو شخصية، في أحوال المترجمين، فرادي أو ضمن تجمع نقابي أو اتحاد مهني إلخ؛ فالمترجم جزء من كيان ثقافي يتجاوز أطر النشاط المؤسسي أو الوظيفي، باعتباره مركز خطوط الاتصال الحضاري في اللحظة العولمية الراهنة، وفي عالم يبدو أنه يتحرك نحو محطات ثقل ثقافي متنوعة، لكن الدور الفردي علي أهميته، وحسب طبيعة الموقع الثقافي، بل الجغرافي للعالم العربي، سيتأثر بالأداء المؤسسي، إقليميا وبأحوال التبادل الفكري ومناخ الاتصال الثقافي عالميا، وليس ثمة ما يدعو للقلق فيما يتعلق بحقوق المترجم في منطقتنا، لماذا؟ لأن في ثنايا المناخ العالمي الراهن ما يسمح بطمأنة المترجمين حيث يستفيدون من الحماية الدولية (والوطنية من ثم) المقررة ضمن اتفاقيات عالمية، مثل اتفاقية برن لحماية المصنفات الفنية والأدبية.. وجنيف لحق المؤلف (ويدخل المترجم في ثناياها) وتريبس الملحقة باتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية (دورة أوروجواي عام 1994) وكلها تكفل حماية قوية وفعالة لحقوق المترجمين »وإذ لم يشأ المشرع العربي حتي الآن وضع تعريف للمترجم، فلأن توصيف اتفاقية برن له كمبدع أصيل، يمنحه نفس حقوق المؤلف، فتنعدم الحاجة إلي وصف جديد، كذا يقولون!«
من النقاط الحاسمة التي استعرضها ملف "قضية الترجمة" علي مدي الشهرين ما يتصل بمراجعة أحوال النشر الحكومي والخاص وشكوي المترجمين من تباطؤ في التوزيع أو ممارسات استغلال، ثم يخلص في "مشروع وثيقة الترجمة" إلي توصية بوضع خطة واضحة للنشر.. وأظن أن المسألة تستحق رؤية أشمل، والتوصيات سبق للخطة القومية المشار إليها آنفا أن طرحتها دون مجيب، ومعظم التوصيات الصادرة في هذا الشأن، حتي علي المستوي العالمي، لن تجد آذانا مصغية، في ظروف تحولات كبري تشهدها صناعة النشر ذاتها. لكنها الظروف التي تضع الرهان عليها في الإمساك بزمام الموقف الترجمي، إقليميا وعالميًا، لكن جزء خطير من المشكلة يكمن في أن المزاج العام لقطاع هائل من حركة النشر، بطابعه الأوروأمريكي، لم يكن شديد التحمس للترجمة الأدبية، وهناك ما يدعو للظن بأن عدواه قد طالت أطرافًا في دائرة النشر، الدائرة في فلكه، والكل دائر في هذا الفلك.
ومثلا، ففي استقصاء أجرته Dalkey Archive Press وهي إحدي الهيئات العاملة في الترجمة في الدول الناطقة بالانجليزية تحت عنوان:
Researchi into barriers to translation and best practices, 2011)
جاءت إجابة 58 ٪ من عينة الفحص تؤكد أن الناشرين جزء من أزمة الترجمة الأدبية لتقاعسهم عن الترويج والدعاية، ظنًا منهم أنها غير مربحة، ولما سئلوا في ذلك أجابوا بأن أهم عنصرين في دفع حركة الترجمة يأتيان من: التمويل، والميديا، أما هذان فقد أوضحا بأن القراء هم السبب الأصلي لعدم إقبالهم علي قراءة أدب مترجم.. وتقديري أن جانبًا خطيرًا من أزمة الترجمة العربية المعاصرة منقول عن حالة انجلوفونية، لأسباب كثيرة، لكن وحتي في الحالة الأوربية فقد كانت الحلقات الفاعلة في حركة الترجمة تتعلق بالثلاثي الوثيق: الناشرين، التجار، المكتبات؛ ولفترة كان للناشرين في سوق الكتب الكبري اليد العليا والمبادرة الحاسمة في حركة الترجمة بينما قامت المكتبات بدور تاجر التجزئة، ثم جاءت سلاسل الكتب لتضع المفتاح بيد جماعات المكتبات (المثال البارز هنا نجده في النموذج الانجليزي، تحديدًا) ومع ذلك فالنشر بما ينطوي عليه من أهمية قصوي خاصة فيما يتعلق بالأغراض التعليمية والثقافية يمكنه أن يخلق روابط مهمة في صناعات المعرفة، وقد أتردد طويلًا في تجربة نماذج النشر المتاحة في الحالة الأوربية، خاصة وهي تعيش حالة من المسعي الربحي القائم علي آليات السوق (رغم أنها في حالات نادرة تبدي انحيازًا نبيلا تجاه المردود الثقافي؛ وفي التقرير المشار إليه سابقا، أجاب 85 ٪ من الناشرين بأنهم أحيانًا أو غالبًا ما يقدمون ترجمات انطلاقًا من الإحساس بالمسئولية الاجتماعية/ الثقافية/ الجمالية، بعيدًا عن التقدير الربحي!) ثم إن التجربة الأور أمريكية برمتها لم تكن لتصلح نموذجا تمتثل له طموحات الترجمة العربية، من الأساس، لاختلاف الأسس الاستراتيجية لحركة الترجمة، فهي هناك تقوم بدور تكاملي تعويضي عما افتقدته بانحسار الغطاء اللاتيني، وبقي لها أن تعمل علي "إعادة" الرابطة البينية، ثم قد تحققت لها مكانة مرموقة في قلب المحيط الثقافي العالمي لتعفيها عن الانشغال كثيرا بالنقل عن الآخر، المنشغل أصلا بالترجمة عنها. هذا، بينما حركة الترجمة العربية (إن كان ثمة حركة بهذا المعني، فهي ليست أكثر من نشاط ثقافي..) تنحو إلي النمط التواصلي، الذي تمتد فيه الجسور مع ثقافات مغايرة ومتنوعة، مما كان يحتم رؤية مختلفة جذريا، ليس فقط مع التجربة الغربية بل مع معظم التجارب العالمية، فمنطقتنا لا تملك إلا أن تكون جهازا ترجميا فائق النشاط والسرعة والشمول. وتبدو تجارب النشر في بعض المراكز العالمية الكبري، غير التقليدية، أكثر مدعاة للتأمل فتجار النشر في النموذج الياباني مثلا كانوا يقومون حتي وقت قريب بدور مؤثر في دعم حلقات الاتصال بين مختلف الشركات والمكتبات الخاصة، ما أوجد نمطًا يعوق التنافسية الحادة، ولو أن التراوح بين نمطي التعاون والتنافس كان هو النغمة المسيطرة، طوال الوقت، سواء في الحالة اليابانية أو البريطانية، سوي أن الأمور سارت باتجاه التعاون في النمط الياباني، بينما تراجعت كثيرًا علي الجانب الآخر، حتي بعد اتجاه الشركات المتوسطة والصغيرة إلي الترابط والدمج لتصنع كتلة الميديا العولمية التي حاولت توسيع نطاق النشر وتحسين قوي الكسب بتوحيد عناصر الميديا (انترنت، كابل، إذاعة، تلفاز..إلخ) مع عناصر النشر التقليدية (الجرائد والمجلات) ومع كل هذا فقد ضاع منها طرف الخيط التعاوني لتلتقطه اليابان، ثم الصين مؤخرًا جدًا بعد أن تعلمت "فن الدمج والتكتل" وتقفز لتحتل المرتبة الثانية في سوق الكتاب، وقد أدمجت الإدارة العامة للنشر والمطبوعات مع الهيئة العامة للميديا SAPPRFT لتتجه بكتلتها في خضم سوق النشر العالمي، وتعلن عن سياسة "للانتشار الخارجي" فتفتح الباب واسعًا للنشر الخاص، محليًا وعالميًا، لينشط معها، ويمكنها من التراجع (بالالتفاف حول) صرامة النمط المركزي في إدارات النشر، حتي أنها قامت بنفسها ببيع إصدارات ال ISBN للوكالات الثقافية كسلعة تضمن بها اجتذاب دور النشر الخاصة، لسوق يربح رغم أنفه »ثمة 300 مليون قارئ للأدب عبر الانترنت، فقط، في الصين 2014« بل إنها اجتذبت قطاعات مؤثرة من سوق الكتاب البريطاني إليها؛ وحديثًا جدا أقنعت أعدادًا من المؤلفين والمحررين الأدبيين بأهمية خلق قواعد مقروئية عالية في بلادها. وإن ساورت الجميع الظنون بشأن صناعة نشر تحكمها قبضة صارمة محوطة بشبهات القرصنة والمخالفات الجسيمة في النشر الرقمي وتكاليف الترجمة.. (هذا، وكأن التربع علي عرش النشر الدولي، وامتلاك نصيب الأسد في حقوق الملكية الفكرية من جانب الدول الصناعية الكبري وقطاعات النشر التابعة بما يتلبسه من هيمنة وما ينطوي عليه من احتمال إفقار لرأس المال الثقافي في الدول الفقيرة، لا يشكل بحد ذاته قرصنة أفدح تكلفة!) ونشاط النشر الخاص في الصين تقوم به 580 مكتبة، فقط ليس غير، في حين أن عدد المكتبات المرتبطة بحركة النشر في اليابان بلغ 18000 أي ضعفي مثيلتها في الولايات المتحدة.. فالاتجاه يميل لصالح الدمج والتكتل في الثقافات غير المركزية منها الثقافة العربية و بهذا فإن فرصة أكبر تنتظر مشوار الترجمة مع دور متعاظم لصناعة نشر حقيقية، علما بأنها ستمتلك قوة توجيه الرأي العام، إذا ما تقاعس الدور الحكومي عن أن يري لنفسه موطئ قدم، فالنشر يقرر غالبًا محتويات الترجمة للسوق مدفوعا بالمصلحة الاقتصادية، ومنذرا بتضاؤل كبير في الترجمات الراقية والرفيعة، لصالح ما بزغ متألقا باسم ال بست سيللر، والآن فهذا القطاع وحده يملك حتي في التجربة الأوربية فرص تحسين شروط الدخل للمترجمين، في ظل اتفاق علي نسب بالحد الأدني (ذلك هو الحال الآن في: فرنسا، النرويغ، هولندا، ألمانيا) لكن وبدرجة عالية من التأكيد، فالشروط المثلي لقيام حركة ترجمة قوية ستتوافر في بلاد مانحة لدعم مالي مباشر من جانب الحكومات، وهذا هو الحال المتوقع كلما ابتعدنا عن دائرة المركزية الأوربية، أو حتي عند تخومها (في دول الشمال الاوربي، خصوصًا، وبشكل ملحوظ)
وبالتالي، فقد كنت أري أن طرح قضية النشر باعتبارها النقطة الأهم عن كل ما عداها مسألة تستحق النظر عند تناول مشكلات الترجمة، ليس فقط لكونها طرفًا قويا في حركة الترجمة، وإنما لأن ثمة إشكالية كبيرة في علاقتها بهذه الترجمة في الحالة العربية؛ في حين يبدو التكتل أوالاندماج صيغة مبشرة بتحقيق ظروف مثلي لتطوير سوق عربية للنشر والترجمة، فالخشية تكمن في احتمال أن يتأثر السلوك المؤسسي في ظل تقاليد الإدارات المركزية باستراتيجيات غربية الطابع، وهي في نموذجها الانغلوفوني تحديدًا نكبة علي طموحات الترجمة عندنا، وليس ثمة ضمان يمنع من تسرب عدواها إلي أجواء مفعمة بالامتثال إلي نماذج أورأمريكية، تترسم خطاها وتري فيها غاية المني، فمن ثم تثور مشكلة هذا التقاطع الحاد بين الدور المأمول للنشر في عملية التوزيع (مدفوعًا بمسعي ربحي) والأداء الثقافي المؤسسي الذي يستهدف غايات تنويرية بالأساس، متطلعا إلي آفاق تواصل حضاري حقيقي، عنصر القوة فيه يقوم علي الرصد والفهم الدقيق لتنوع ثقافي لا يمكن إنكاره، خاصة والساحة العالمية مليئة في ظروف التحول باحتمالات شتي.. وإذن، فثمة احتمال بأن يؤثر الاختلاف في الأهداف والفلسفات علي السلوك المؤسسي وبالتالي علي خصائص وتركيبة كل من: السوق من ناحية، ووحدات إنتاج الترجمة من ناحية أخري، علمًا بأن الترابط بين كل العناصر الداخلة في عملية الترجمة يبث أثره فيها جميعًا، بدرجات ودون استثناء.
يضاعف من التناقض بين أهداف النشر وغايات المؤسسة الثقافية أن الأكاديميات العربية عمومًا تسهم بنصيب وافر في استنساخ تقاليد الإنتاج الترجمي الغربي، بحكم مصادرها البحثية وامتثالها المعهود للثقافة الغربية باعتبارها النموذج الأعلي في سلم التطور الحضاري، يقوّي من هذا الظن لدينا، ما هو ملحوظ من تماثل بين القالب الفكري المسيطر علي اتجاهات الترجمة العربية وبين نسختها الأصلية في الغرب، وفي الترجمة الأدبية بخاصة، وتحديدًا في جانبها المعطوب، حيث التراجع الحاد في نسب الناتج منها وفرص تسويقه (ولو أنها في الغرب مبررة بالنظر إلي المركزية الثقافية العالمية، التي تفرض نصوصها كسرديات عليا مهيمنة علي نماذج الإبداع، والترجمة في هذه الحالة، هي إعادة تدوير للسرديات أو كما يصفها منظرو ما بعد الاستعمار..فهي ترجمة الترجمة) أضف إلي ذلك أن برامج التدريب اللغوي والفيلولوجي المطروحة ضمن تصورات الحل لأزمة الترجمة الأدبية في مشروع Creative Europe وفي توصيات تقرير »Petra « المنعقد مؤتمرها في بروكسل 2011 بمشاركة 150 عضوًا عن 34 بلدًا أوربيا لمناقشة الحال المتدهور للترجمة الأدبية] كانت تلك البرامج تركز علي الجوانب الوصفية والتحليلية للعملية الإبداعية في الترجمة الأدبية، وهو ما يعني في نظري انقطاعًا كاملا عما حدث من تطور في دراسات الترجمة منذ الثمانينات، في نفس الإطار الغربي ذاته، وعند ألمع باحثيه الذين حازوا شهرة مدوية بما أحدثوه من طفرة في التنظير لحركة الترجمة، وفي المحصلة فهو انفصام بين التطبيق وجهود التنظير التي عدت "ثورة" نقلت الترجمة من دهاليز المعالجات اللغوية إلي رحابة الرؤي الثقافية فيما سمي ب "التحول الثقافي".. وأظن أن منحي مماثلا في أكاديمياتنا العربية أورثنا نفس هياكل الأزمة، دون ملحقاتها الساعية إلي تصورات الحل.. تلك أيضا كانت نقطة تستدعي نقاشا، ولو أن الطريقة الذكية والاستقصاء البارع الذي أجرته أخبار الأدب حول قضايا الترجمة نجح في أن يحولها إلي حوار مفتوح للرأي العام.. وفوق ذلك، بل إنه كاد أن يحقق علي المستوي الصحفي، ما تقاعست عنه الأقسام العلمية في جامعاتنا، أعني المبادرة إلي تفعيل الأطر الثقافية في قضايا الترجمة وطرحها ضمن الشاغل الاجتماعي والاقتصادي العام، وموضعتها في سياق مرن بالمناقشة واقتراح الحلول، مع الأطراف الفاعلة في النشاط الترجمي نفسه.. وأخيرًا..
فالدلالة القوية في مشروع الوثيقة التي أصدرتها أخبار الأدب عقب الجلسة الختامية في ملف الترجمة، تتبدي في انحيازها للحل "الثقافي" وحتي برمزية المشاركة في المناقشة، فقد تجلت تلك الروح التعاقدية بين المؤسسة الثقافية والإعلامية دعمًا لواحدة من أهم قضايانا الفكرية والحضارية، ما يبرز وعيا أصيلا بالقوي المؤثرة في إنتاج الترجمة، مفتتحا معها بداية مسار لحركة الترجمة في عصر تلعب فيه وسائط الإعلام الدورالأبرز بجانب جهود النشر (التي نأمل في أن ترقي مدارج الصناعة الثقافية، فثمة رأس مال وافر) وبالطبع، فهي تمثل مبادرة غير مسبوقة، فيما أعلم، إذ لم يحدث أن تتبعت صحيفة عربية قضية الترجمة علي مدي فترة طويلة ثابرت فيها علي استطلاع مختلف الآراء ومن زوايا متعددة، وإن استدعي هذا مزيدا من الاستقصاء الشامل أملا في تقدير موقف متكامل للترجمة علي نحو أكثر تفصيلا، وهو ما كانت قد دعت إليه "الخطة القومية للترجمة" وربما آن الوقت كي يخرج هذا الجهد إلي النور، مع معالجة جديدة لمحتواها وقياس مختلف لزواياه وفق ظروف مصرية وعربية راهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.