ياسر رزق وحلمى النمنم وطارق الطاهر ودينا مندور التى ادارت المائدة المستديرة بحضور مجموعة من المترجمين وأسرة تحرير» أخبار الأدب« بدأت "أخبار الأدب" منذ ما يزيد علي شهرين ملف "قضايا الترجمة"، كان همه الأول والأكبر هو المترجم، مشاكله وقضاياه وما يواجهه من مصاعب، وخلال تلك الفترة نشرنا عددا من الحوارات مع مترجمين مصريين يترجمون من لغات مختلفة، وتتويجا لتلك الحملة، عقدنا مائدة مستديرة لبلورة النقاط الرئيسية واقتراح حلول لها من خلال وثيقة تلتزم الجهات المعنية بتنفيذها، هنا ننشر التفاصيل الكاملة للقاء. احتضن اللقاء الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وشارك فيه مشكورا الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة، وطارق الطاهر رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب وصاحب المبادرة. أدارت الجلسة المترجمة دينا مندور، ومن المترجمين: أحمد صلاح الدين، خالد رؤوف، يارا المصري ، مي عاشور، وهاني السعيد. استهل رزق الحديث معبرا عن سعادته بتولي إنسان مثقف بحجم حلمي النمنم أمر وزارة الثقافة، ومتأسفا علي حال الثقافة المصرية وتردي أوضاع المثقفين وتراجع دور وزارة الثقافة، في الوقت الذي يتعين عليها أن تتصدر المشهد، حيث كانت انطلاقة ثورة 30 يونيو من المثقفين عند وقفتهم ضد وزير الثقافة الإخواني. سريعا انتقل إلي الحديث عن القضية محل النقاش، فقال: "لو نتذكر؛ النهضة المصرية بدأت بالبعثات والترجمة، ولكن للأسف الشديد هناك الآن نوع من الشرنقة حول الذات سياسيا وثقافيا وإعلاميا، نحن نحدث أنفسنا أكثر مما نحدث الغير، لا نري العالم بالخارج رغم أن وسائط الإعلام المتعددة أوجدت إمكانية لحظية للإطلاع علي ثقافات ومجتمعات الغير، ولكنها لا تستخدم بفاعلية، ربما بسبب العائق اللغوي وربما لضعف الوعي الثقافي، أو الاثنين معا، فوجدنا الناس يستبدلون الاتصال الشخصي بالمحمول، ثم استبدلوا المحمول بالمحادثات علي الانترنت، ولم يعد هناك إطلاع علي الفنون أو الأدب أو الثقافة العالمية، فالوعي دور وسائل الإعلام ووسائل التربية والتعليم، أما اللغة فهي دور مؤسسات الدولة المهتمة بالثقافة ومنها دار أخبار اليوم، وأنا لست مع من يقول أن قراءة الكتب انخفضت، بدليل توسع دور النشر وأننا نري نسخا من كتب لمؤلفين مصريين تتعدي 10 طبعات للروائيين الشباب أو جيل الوسط". مجلة للترجمة واستطرد: "يمكننا في أخبار اليوم المساهمة في مشروع الترجمة، فأنا علي أتم الاستعداد لإصدار مجلة للترجمات، وقد بدأنا في جريدة الأخبار اقتباسا من أخبار الأدب بعمل صفحة أسبوعية للأدب العالمي، لنطلع علي الاتجاهات الحديثة في الشعر والقصة والرواية، لأن الأسماء التي نعرفها تقريبا تقف عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية أو منتصف القرن العشرين علي الأكثر، ومن نعرف فيما بعد أنه حصل علي جائزة نوبل نبحث عن مؤلفاته، مثلما حدثت فجأة قنبلة ماركيز مثلا وعرفنا عنه، أما في الماضي كانت المعرفة نتيجة الترجمة، وكان القارئ المصري علي إطلاع بأحدث الروايات العالمية بعد شهور قليلة من طرحها في الأسواق". تلك المجلة ستعني بالطبع بحفظ حقوق الملكية الفكرية، عن طريق قطاع الثقافة في المؤسسة، الذي يتولاه الأديب عزت القمحاوي، ويؤكد رزق: "الهدف الأساسي من المجلة أن تعطي للقارئ المصري غير المتخصص معرفة عرضية بالذي يحدث في العالم، وهذا يحتاج تعمقا في الأعمال نفسها، وأنا لا أعتقد أن تلك المجلة خاسرة أو أن الإصدارات الخاصة بالأدب والثقافة بالضرورة تخسر، بالتأكيد هي مربحة؛ علي الأقل علي مستوي القوة الشاملة للدولة، مربحة في الاستثمار في البشر، كما يمكن أن تغطي التكلفة الأساسية لها". جيل جديد في الترجمة ومن جانبه قال طارق الطاهر: "منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، أطلقت (أخبار الأدب) حملة لطرح قضايا الترجمة وإشكالياتها، انطلاقا من شعور الجريدة بأهمية هذه القضية الملحة في هذا التوقيت تحديدا، لما تمثله الترجمة من نهضة حقيقية في حياة الشعوب، وإدراكا من وعيها بوجود جيل من المترجمين يستحق التقديم والإشادة والمراهنة عليه، لأنه يمتلك وعيا راسخا بقيمة ما يقدمه، جيل ينظر إلي الترجمة باعتبارها مشروعه الأول، بعضهم ترك وطنه وذهب لبلد آخر، لكي يلم بتفاصيل اللغة التي يترجم منها، والبعض دفع من ميزانيته المحدودة لكي يصرف علي هذا التنقل، متسلحين بحس وطني أن يكون الغد لنا". واستطرد: "لكنهم يشعرون كأفراد أنهم أدوا ما عليهم، ويشعرون أيضا - أن هناك جهدا علي مؤسسات الدولة يجب أن تقوم به، من جانبنا في (أخبار الأدب) وفرنا لهم كل فرص النشر، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من البيت، بل هم ركن أصيل لا يمكن أن نتخيل (أخبار الأدب) وهي خالية من إبداعاتهم وإسهاماتهم، فللحقيقة والتاريخ منذ اللحظات الأولي لتأسيس الجريدة كان من أحد الهموم الأساسية لمؤسسها الأديب الكبير الراحل جمال الغيطاني، أن تكون منبرا للمترجمين من كافة اللغات، وأن تحتل الترجمة مكانها المستحق في الثقافة المصرية، وليس سرا أن أقول أن الغيطاني وجريدته كانا من أهم الأسباب لتحويل مشروع الترجمة من مجرد كونها إحدي فعاليات المجلس الأعلي للثقافة، إلي أن يكون مؤسسة قائمة بذاتها، وهي المركز القومي للترجمة". ثم اختتم الطاهر مؤكدا: "ها نحن نجتمع اليوم لكي نضع الجميع أمام مسئولياته، فقد سعينا إلي أن نبلور عبر الشهور الماضية رؤي عدد من المترجمين الفاعلين في الحياة الثقافية، من أجل أن نصدر وثيقة أخبار الأدب للترجمة، وفي هذه اللحظة أبوح بكلمة؛ أنه لولا ثقتي في أن حلمي النمنم وزير الثقافة - مع حفظ الألقاب - جاد في إعادة تشكيل المشهد الثقافي، وهو ملم به منذ عقود طويلة، لما أقدمت علي هذه الخطوة التي تحتم علي وزير الثقافة أن يتخذ خطوات سريعة، نابعة من تصورات مجموعة من أمهر وأبدع من أنجبهم هذا الوطن". أثناء إدارتها للندوة، سردت دينا مندور موقفا وقع أثناء حضورها أحد المؤتمرات عن إشكاليات الترجمة في فرنسا عام 2011، فقال رئيس جمعية المترجمين الأدبيين هناك في كلمته أن المترجم كائن خاص جدا، لأنه إنسان يقف علي الحدود بين ثقافتين، فطلبت حينها الكلمة لتقول رأيها بأن المترجم لا يقف فقط علي الحدود وإنما يختزن ثقافتين، واجتهاد المترجم الأدبي علي نفسه طوال الوقت يتلخص في ذلك من وجهة نظرها، وتوضح: "معيار المترجم الناجح يتحدد بما يحققه من خطوات لكي يتقدم علي نفس الطريق، وكم يجيد اختزان وهضم الثقافتين، لذلك الترجمة مهنة شديدة الخصوصية، والمترجم كذلك إنسان شديد الخصوصية في تكوينه، ولذلك فالمترجم أحيانا يكون جيدا جدا في التعامل مع النصوص واختيارها والتعامل مع الثقافتين، ولكنه عندما يصطدم بالعملية البيروقراطية التي تتعلق بالشق الثاني من إنتاج الكتاب تبدأ مشاكله". شكر وتقدير قبل الاستماع لمشاكل المترجمين المختلفة وحديثهم، تدخل حلمي النمنم ليؤكد أنه رغم كونه ابن مؤسسة دار الهلال، ولكن مؤسسة أخبار اليوم لها فضل كبير عليه، لأنه تعلم منها كثيرا في السياسة والأدب: "منذ الصغر كنت قارئا جيدا لأخبار اليوم، وأتذكر منذ سنوات بعيدة حينما كنت في الصف الأول الإعدادي، بدأت أخبار اليوم في نشر "لا" للأستاذ مصطفي أمين، و"صاحب الجلالة الحب" و"سنة أولي حب"، هذه الروايات الثلاث اللاتي أتمني إعادة قراءتهم، لم يكونوا أعمالا أدبية فقط، وإنما مدرسة في السياسة". ثم انتقل بالحديث إلي أخبار الأدب علي وجه الخصوص، فقال: "عندما كنا في مجلة المصور كان الجيل القديم يقول علينا حرفيا (شوية العيال اللي مكرم جايبهم)، ولكن فجأة عندما بدأت أخبار اليوم تؤسس لأخبار الأدب فوجئت بأني كنت أحد الأسماء المرشحة لرئاسة تحريرها، لم يحدث ذلك ولكني اعتبرت وقتها أن هذا تقدير واعتراف من مؤسسة أخبار اليوم، وقد أثر ذلك علي عملي ووجودي وكياني في المؤسسة، ثم بعد ذلك عندما بدأت حملة الحسبة، كانت قاسية جدا ورُفع عليّ حينها 96 قضية في يوم واحد بمختلف أنحاء مصر من أسوان إلي الإسكندرية، كانت النجدة الحقيقية مؤسسة أخبار اليوم وموقف رئيس تحريرها ورئيس مجلس الإدارة آنذاك الأستاذ إبراهيم سعدة وموقف كل الشباب فيها". واستكمل النمنم: "في عام 1995 بافتتاح معرض الكتاب، تناقشت مع السيد رئيس الجمهورية حسني مبارك حول عدد من القضايا، في اليوم التالي فوجئنا بتجاهل جميع الصحف لهذا الموقف نهائيا، وكانت جريدة الأخبار الوحيدة التي نشرت كلامي من خلال ياسر رزق الذي وضع مانشيت حينها (حلمي النمنم يسأل الرئيس مبارك)، ثم بعد ثورة يناير عندما كنت رئيس مجلس إدارة دار الهلال ودخلنا في مواجهة عاصفة وكان الأستاذ ياسر هو رئيس تحرير الأخبار، كان واضحا العصف بنا جميعا، شهدنا أياما لن أقول صعبة أو قاسية، ولكننا كنا علي المحك، ليس في المستقبل المهني فقط وإنما في حياتنا بشكل عام، كنا مهددين في حياتنا الشخصية، وأشهد أن الأخبار ورزق تحديدا كانا المعين لي دائما، حتي بعدما حكم الإخوان حين أصدرت كتابي "حسن البنا الذي لا يعرفه أحد"، علمت أن أخبار الأدب في لحظة ما قررت أن تصدر عددا للرد علي هذا الكتاب، وعرفت حينها أن هناك اثنين وقفا ضد ذلك، هما الصديقان طارق الطاهر ومحمد شعير، وأنا شخصيا ممتن لهما حتي الآن، لأني رأيت في ذلك موقفا ليس مع حلمي النمنم وإنما موقف مع الوطن ومصر ومستقبلها". مشكلات الترجمة المتعددة أنهي النمنم حديثه معبرا عن رغبته في الاستماع إلي المترجمين واستعداده التام للتوصل إلي حلول لمشاكلهم، بدأ العرض أحمد صلاح الدين، الذي اعتبر نفسه مترجما بالميلاد، لأنه منذ صغره وهو شغوف باللغة ودراسة لغات جديدة: "أعمل في الترجمة منذ 23 عام، تعاملت مع معظم المؤسسات الدولية، وعملت فترة طويلة في مشروعات متنوعة، كنا دائما نعاني من النقص في القواميس اللغوية، خاصة عندما كنا نحاول مع بدء انتشار التكنولوجيا أن ننقلها للدول العربية، بالنسبة لي الترجمة هي الأساس وقد درستها أكاديميا، ولكنني مغرم بها قبل ذلك، وعانيت كثيرا من المشاكل علي مدار السنوات الماضية، منها علي سبيل المثال أنه يتم التعامل مع المترجم بشكل لا يليق به، كأن يتعامل معه من يطلب الترجمة باعتباره يبيع سلعة بدون أي معايير، وقد اقترحت من قبل أن يكون هناك تعاقد معياري في جهة ما، ومن يريد التعاقد مع مترجم يحصل عليه أولا، الشيء الثاني هو الحصول علي المقابل ورحلة العذاب التي تسبقه، حتي في التعامل مع الجهات الرسمية، من المفترض أن المترجم شخص تقوم حياته علي الدخل الذي يحصل عليه من الترجمة، عندما يعمل علي مدار عام وينتظر أن يسلم الكتاب وبعدها يبدأ رحلة للحصول علي النقود، كيف سيعيش؟". وأضاف صلاح الدين: "كل المهن لها نقابات ما عدا المترجمين، ليست هناك آلية عمل محددة بحيث تضع تعريف وصفة للمترجم، نجد أحيانا شخصا لديه شبه لغة ويعد مترجما، فمن أعطاه تلك الصفة وعلي أي أساس، أنا شخصيا أعرف مترجما له 50 كتابا وتعامل مع كافة الجهات الرسمية ومر منهم جميعا، عندما جلست معه في مناقشة لغوية اكتشفت أنه لا يعرف قواعد اللغة الإنجليزية التي يترجم منها وفي النهاية أخبرني أنه لم يدرسها، رغم أنه في يوما ما كان عضوا في لجنة الترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة، الشيء الآخر أننا ليس لدينا معيار جودة للحكم علي مستوي الترجمة، فالعالم كله يتعامل مع الترجمة وفق عوامل أيزو محددة، مقسمة لعناصر مختلفة تحدد إن كان العمل جيدا أم سيئا، فإدارة المشروع في الترجمة لا تعني أن يترجم أي شخص ما يريد ثم يعرضه علي جهة لإصداره، دون معايير لاختيار العناوين والمترجمين". أوضح أحمد صلاح مشكلة أخري تتعلق بالمراجعة التي تضبط النص: "مهما كانت أهمية العمل وندرة اللغة لابد من مراجعة الأصل ولابد من وجود حدود للتعامل مع الترجمة من لغة وسيطة، لأن لكل لغة قواعدها، بالإضافة إلي مشكلة الالتزام في التوجه، كالتركيز علي الأدب اللاتيني مثلا وإهمال الآداب الأخري، فالمعرفة هي القوة الناعمة التي تبني عليها العلاقات بين الشعوب وفكرة التواصل بين الشعوب تلعب فيها الترجمة دورا كبيرا، لذلك من الضروري وجود استراتيجية عامة تخص الدولة في مسألة الترجمة تحدد الهدف منها، ونعمل جميعا لتنفيذها، ولابد أيضا من وجود آلية لضبط الترجمة والتعامل مع المترجمين في القطاع الخاص الذي يهين العملية والمترجم والعمل". أما فيما يخص الأدب الروسي، فأكد صلاح أن لديه مشروعه الخاص الذي أصدر منه كتاب "ورثة تالستوي" كمحاولة لكسر الحاجز بيننا وبين الأدب الروسي بصفة عامة، بتقديم مجموعة من الأدباء الجدد الذين يكتبون بمستوي رائع جدا يكاد يفوق جيل الأساتذة: "أتمني أن نحافظ علي التوازن في التوجه حتي نقدم للناس ما يحتاجونه، ومهم جدا التعامل مع روسيا بصفة عامة وثقافتها بصفة خاصة باحترام وتقدير، وفي النهاية أود أن أقدم الشكر لجريدة أخبار الأدب، التي كانت بالنسبة لي نافذة علي الحياة، حيث أتاح لي طارق الطاهر فرصة للتعبير عن ذاتي وأفكاري". مركز ترجمة اضطر ياسر رزق لمغادرة النقاش ولكنه قبل ذلك أطلق مبادرة لإنشاء مركز ترجمة، ليس من الإنجليزية والفرنسية، ولكن أيضا الروسية والأسبانية والألمانية والإيطالية، لأننا لا نصل لوجهة النظر الأخري، وكل ما يأتينا يكون عن طريق بوابات إخبارية وسيطة تخرج لنا ما يناسبها وتريده: "هناك فرق بين الترجمة الصحفية والترجمة الأدبية، والمترجم لابد أن تكون لديه روح اللغة والقدرة علي توصيل الوصف أو التشبيه باللغة القريبة المفهومة كما في الأمثال والشعر وما يشبههما، وهذا المركز بجانب دوره الأدبي والإخباري، سيخدم الجريدة اليومية وأخبار الأدب والصفحات الأدبية، وكذلك قطاع الثقافة ولجنة النشر". الترجمة ليست مهمة الوزارة استكمل حديث المترجمين؛ خالد رؤوف، حيث استهل كلماته بالتأكيد علي أنهم يتامي المجتمع والوسط الثقافي، وأن المترجم في مصر يعامل بشكل سييء وباعتباره (بقال): "أنا أترجم من وإلي اللغة اليونانية، وهي لغة الناطقين بها علي مستوي العالم لا يتعدون 25 مليونا وأشرف أنني واحد منهم، في الحقيقة دائما ما أقف عند جملة تقول (الترجمة أحد أهم التخصصات وأعظمها قيمة بين كل شئون العالم، وبدون الترجمة ما كان العالم الحديث علي ما هو عليه، ثقافته وفلسفته وعلمه وأدبه ودينه، ما كان لشيء من هذه الأشياء أن يصل إلي ما وصل إليه اليوم بدون الترجمة من لغات للأخري)، فالترجمة بشكل عام جزء من الثقافة، والثقافة - في رأيي - ليست مهمة وزارة الثقافة فقط، وإنما هي استراتيجية دولة، فهل نملكها حقا؟، بالإضافة إلي أنه ليس هناك ربط بين الثقافة والتعليم بكل مراحله، وإذا لم يحدث هذا سنعاني من مشاكل أكبر بكثير". يقتبس رؤوف جمله أخري تقول (أظن أنه فيما يخص الترجمة علي الدولة أن ترسم السياسات العامة التي تسير بها الترجمة، الخطوط العريضة، استراتيجيات، رؤي، سموها كما شئتم، ولكن لابد من وجود ثمة جهة أو حزمة قواعد تسير عليها تلك العملية ودور النشر الخاصة التي يجب علي الوزارة دعمها علي الأقل بأي شكل)، ويستطرد: "إذا؛ الوزارة ليس من المفترض أن تكون معنية تماما بعملية الترجمة وإنما ترسم السياسات وتضع الخطوط العامة التي يسير عليها الجميع، بأن يكون هناك ما يسمي بميثاق قواعد، وعقد واضح للتعامل مع المترجمين". واصل رؤوف استعراض المشكلات: "أغلب دور النشر تشتكي من التوزيع وأن الكتاب لا يصل، ولكن الاسوأ عندما تكون إصدارات المركز القومي للترجمة والمجلس الأعلي للثقافة - إلي جانب تأخرهم الشديد في النشر - لا تصل خارج القاهرة، فمن حق الكاتب والمترجم أن يصل كتابه للقارئ، ولابد من وجود تعريف لمن هو المترجم، وتوضيح الفروق بين الترجمة الصحفية والأدبية والفورية، ومن الضروري تدريب المترجمين، فقد تقابلت مع أساتذة في أقسام لغات يدرسون لغة ولا يستطيعون النطق بها أو كتابتها، ولكني أعني هنا حديثي التخرج الذين يريدون العمل بالترجمة، هل يتم تدريبهم؟ هل يتم وضعهم في احتكاك مع مترجمين متمرسين للارتقاء بمستواهم؟". وأكد أيضا مترجم اليونانية أن كثيرا من الأعمال التي تمت ترجمتها تحتاج إعادة ترجمة، ليس فقط لأنها سيئة، ولكن لأن اللغة تتغير باستمرار، لذلك يجب إعادة ترجمة الأعمال الكلاسيكية: "في دولة مثل اليونان يأخذون أحيانا ترجمة لنفس النص عن دور نشر مختلفة، والدولة في النهاية ليست معنية بالترجمة لأنها مسئولية دور النشر الخاصة وإنما فقط تدعمها، وأري أن دور المركز القومي للترجمة أكبر مما يقوم به بكثير، فلا يفترض به أن يكون دار نشر فقط، وإنما جهة يتوجه إليها المترجم بشكل عام للتدريب والدراسة والنشر وغيره". وأنهي رؤوف حديثه بظاهرة احتك بها أثناء وجوده خارج مصر: "نتحدث كثيرا عما نترجمه عن الآخرين، ولكن ليس هناك أي حديث عما يتَرجَم عنا، فمنذ عقود طويلة ونحن أمة صامتة تماما، ليس لنا رأي فيما يترجم عنا إلي اللغات الأخري، الأمر بائس جدا، كما لو أن هناك رغبة واستسهال في تكريس صورة ثابتة عن الأدب الشرقي والعربي بشكل عام، وإظهار نمط معين للأعمال التي يتم ترجمتها". توزيع الكتب بعدما درست اللغة في الصين وعادت، تخصصت يارا المصري في الترجمة الأدبية، وعانت من جميع ما طرح من مشاكل: "لقد قيل كل شيء، وخلال حواراتنا طوال الفترة السابقة كنا ندور في نفس المحيط تقريبا، بأننا مهمشين جدا ونعامل معاملة سيئة، فالترجمة عملية مرهقة جدا منذ اختيار العمل وترجمته ومراجعته، ولكن المشكلة الأكبر التي تواجهنا هي استغلال دور النشر الخاصة، التي لا تدفع للمترجم، وتعامله معاملة سيئة ومهينة، لا أفهم حقا لماذا يتعين علينا أن ندفع نقودا لكي ننشر كتابا، وفي النهاية لا يوجد توزيع ولا يصل الكتاب للقراء، فبدون مسار محدد لن تكون هناك ترجمة في مصر أو في أي مكان، كما أن الأعمال تتأخر جدا، وقد سحبت من قبل عمل لي في المركز القومي للترجمة بسبب ذلك، لماذا يستغرق الكتاب سنتين أو ثلاثا لكي ينشر؟ ثم في النهاية يوضع في المخازن، فأعتقد أن أكبر مشكلتين يواجههما المترجم هما العائد المادي من ناحية وتأخر النشر وعدم توزيع الكتاب من ناحية أخري". أيدتها في ذلك مي عاشور، وتساءلت: "لماذا لا يكون هناك مؤتمر للترجمة؟، ليس يوما وإنما مؤتمر ممتد لعدة أيام ويضم فعاليات مختلفة ويتم دعوة مترجمين من مختلف البلدان للمجئ". نوادي للترجمة أما هاني السعيد، مترجم اللغة الأردية الحاصل علي ماجستير في الشعر الأردي، فعبر عن معاناتهم في المنصورة وتساءل أيضا: "لماذا لا يكون في الأقاليم نوادي ترجمة مثل نوادي الأدب؟، تكون فعالة بشكل قوي ونستطيع من خلالها تخريج مترجمين كثيرين في اللغات المختلفة وليست لغة واحدة، فعندما يتم الإعلان مثلا عن مسابقة في الترجمة بالمنصورة تقتصر علي اللغة الإنجليزية فقط، مترجمي اللغات النادرة يعانون طوال الوقت، فلا أحد يهتم بهم ولا يجدون المكان الذي يستطيعون فيه تحسين قدراتهم اللغوية والارتقاء بمستواهم، لأن الجامعة لا تكفي وحدها، والمركز القومي للترجمة لا يقوم بدوره بشكل فاعل، فلماذا لا تكون له فروع حتي وإن كانت داخل قصور الثقافة؟، ولما لا نخرج عن فكرة الأكاديمية، فقد قدمت كتب للمركز القومي من ترجمتي ولكن باسم أساتذة آخرين فتم نشرها، لكني عندما تقدمت بكتاب باسمي وأنا غير معروف تم رفضه، رغم أنه كان كتابا هاما عن تطور الحضارة في باكستان، لكنهم هنا لا يعرفون المؤلف ولا الكتاب". الترجمة من الباطن وأثار السعيد مشكلة جديدة لم يذكرها من تحدثوا قبله وهي الترجمة من الباطن: "أنا أترجم منذ 15 عاما من الباطن لأني في حاجة لمصدر دخل ولم يكن في حوزتي سوي اللغة التي أجيدها، وأنا لست الوحيد الذي يعاني من تلك المشكلة، وفي النهاية نجد دكتور يصدر خلال العام عددا من الكتب وهو لم يترجم منهم أي كتاب بينما المترجم الحقيقي من تلامذته الذي يستغله مقابل الإشراف علي رسالته ولأنه أستاذه، كما أنني علي استعداد الآن أن استخرج من كتب المركز حوالي 100 كتاب في تخصصي ترجمتهم مشوهة، عندما أراجع الأصل لا أجد له علاقة به". لم يكرر مترجم الأردية ما قيل، ولكنه في النهاية أكد أن فكرة إنشاء النقابة هامة وملحة جدا لحفظ حقوق المترجمين: "نحن نعمل في الفراغ؛ وخاصة المترجم الحر، يعاني مع دور النشر والمؤسسات، وتتأخر مستحقاته رغم هزليتها، مما يضطره إلي العمل في مجال آخر يشغله عن دوره الحقيقي". مبادرتان لحل الأزمة وصلت كلمات المترجمين إلي الخاتمة مع مديرة الندوة دينا مندور، التي طرحت مبادرتين رأت أن من شأنهما الرد علي كثير من المشكلات التي طرحت: "من الجيد أن نتحدث عن الاستراتيجيات العامة، ولكن إذا استطعنا أن نضع نقاطا محددة نتبناها ونتناقش حولها ونحاول تنفيذها لحل بعض المشكلات سيكون أفضل". واستكملت: "المبادرة الأولي تتعلق بالمترجمين الذين لا يعرفون لغة، ممن لا يتصلون بثقافة الآخر، لي اقتراح في ذلك عرضته العام الماضي في يوم المترجم ولم يسمعه أحد، أعيده وأتمني أن يتم دراسته، فأنا أتيح لي في السنوات القليلة الماضية أن أخوض تجربتين، الأولي أن أحصل علي منح من فرنسا اشترك من خلالها في ورش تحت إشراف مترجمين كبار وأعيش شهرا أو شهرين في المجتمع الفرنسي الذي أترجم عنه، وهذا كنوع من المكافأة لي، كما أتيح لي أيضا أن أدخل في القائمة القصيرة لجائزة رفاعة الطهطاوي للشباب التي تقدمها مصر، مما جعلني أطرح سؤالا هاما، أيهما أهم للمترجم الشاب، أننا كدولة نساهم في تكوينه أم نتركه يتكون وحده وإن أجاد نكافئه؟، وكانت إجابتي بوضوح وبشكل قاطع أن المساهمة في تكوينه هي الأفضل، لذلك اقترح أن تكون جائزة رفاعة للشباب التي تبلغ قيمتها 25 ألف جنيه مصري، والتي سمعت أن هناك اقتراحا تم تقديمه لمضاعفتها". جائزة للترجمة العلمية هنا تدخل الوزير حلمي النمنم مؤكدا أن ذلك لن يتم، لأن مضاعفة الجوائز جعلت بعض الناس يتحولون إلي الكتابة أو الترجمة خصيصا للجائزة، ولذلك قرر أن يتم بمبلغ المضاعفة استحداث جائزة في الترجمة العلمية. ثم عادت مندور لتكمل اقتراحها: "هذا المبلغ الذي يمنح في صورة شيك للمترجم الشاب في جائزة رفاعة، يمكن أن يتحول إلي تكلفة رحلة لهذا الشاب إلي الدولة المصدر التي يترجم عنها، ونحن لدينا مكاتب ثقافية في كل الدول واستراحات ثقافية تخص كل السفارات في جميع دول أوروبا وأمريكا تقريبا، فتكلفة الطائرة ومصروف الجيب سيكون أقل كثيرا من قيمة الجائزة المالية، وخلال تلك الرحلة يتم تنظيم عدد من اللقاءات لهذا المترجم مع دور النشر المختلفة ليطلع علي الموجات والتيارات الحديثة في الأدب والدراسات الإنسانية ليجلب لنا الكتب التي نعرف منها كيف يفكر هؤلاء، مهم جدا أن نعرف ماذا تقول تلك الشعوب الآن لكي نكون منتبهين لما يمكن أن يفعلوه في المستقبل، فيكفي كلاسيكيات إلي هذا الحد". جمعية للمترجمين أما المبادرة الثانية فتخص دور النشر الخاصة: "نحن جميعا نعاني من التعامل مع دور النشر الخاصة، التي لا تعطينا المكافأة التي تليق بعملنا وجهدنا ولا تحدد مدة مع المترجم في امتلاك النص الأدبي علي عكس المركز القومي للترجمة الذي يحدد 5 سنوات كحد أقصي لامتلاك النص المترجم وبعدها يعود له مثل المؤلف، الحل الوحيد لذلك هو إنشاء جمعية للمترجمين، وأقترح أن تخص المترجمين الأدبيين تحديدا، فبعد الإطلاع علي تجارب الشعوب الأخري أجد أن فكرة جمعية أسهل وأبسط وأكثر عملية وخدمة لمصالح المترجم من فكرة النقابة، فالنقابة قد يكون لها شكل وبها بيروقراطية أكبر بعض الشيء من احتياجاتنا كمترجمين أدبيين، أنا عضوة في جمعية المترجمين الأدبيين في فرنسا، وقد ترجمت اللائحة التنفيذية الداخلية للجمعية في فرنسا وبلجيكا ورابطة المترجمين الأدبيين في الاتحاد الأوروبي، وأهم دور لتلك الجمعيات هو المحافظة علي حقوق المترجم في التعامل مع دور النشر الخاصة". وقد طلب الوزير الإطلاع علي النص المترجم لتلك اللوائح ونشره، حتي يحدث نوع من النقاش المجتمعي والثقافي حولها. قبل أن يبدأ النمنم في الرد علي ما أثير، أشار الزميل