في العام الماضي كنا قد أفردنا ملفا خاصا لصالون الشباب بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما علي بدايته، حيث يعتبر الصالون واحدا من أهم الفاعليات التشكيلية التي تتم تحت مظلة قطاع الفنون التشكيلية باعتباره منصة لاكتشاف المواهب الجديدة الشابة ودعم الشباب ماديا من خلال الجوائز وجوائز الاقتناء، وكانت إحدي القضايا التي أثرناها في هذا العدد توقف موسوعة التوثيق التي صدر منها ثلاثة أعداد تناول كل عدد منها خمس دورات متتالية، وتوقفت عند الدورة الخامسة عشرة، وكان القطاع قد أعلن أنه في وقت قريب عن استكمال الموسوعة مرة أخري لتغطي السنوات العشر الأخيرة، ولكن حتي الآن ومع انطلاق الدورة السادسة والعشرين من الصالون في أكتوبر الماضي لم يعلن القطاع عن خطوت جديدة بهذا الصدد. كذلك كنا قد طرحنا في جريدة أخبار الأدب ملفا مهما حول متاحف وزارة الثقافة والذي كشف فيه الزميل طارق الطاهر النقاب عن المسكوت عنه ، حيث أعتمد في التحقيق علي مشاهدات عبر سنوات طوال لهذه المتاحف، وكذلك لأوراق وكتالوجات عن تاريخها ومقتنياتها والذي رصد من خلاله حسب ما ورد بالملف » الحالة المتردية للغالبية العظمي من هذه المتاحف ومقتنياتها ولحالة التسيب التي أدت وستؤدي- إذا لم تكن هناك حلول فورية- لفقد أو إتلاف لوحات لكبار الرواد ليس المصريين فقط بل لكبار الفنانين العالميين الذين اقتنت مصر أعمالهم، عبر حقب تاريخية مختلفة، فهناك 22 متحفا من إجمالي 25 تحتاج للملايين من الجنيهات لمواجهة المشكلات التي تعاني منها، وتهدد ثرواتنا« وقد استهل الطاهر عرضه بمتحف المصري للفن الحديث ذاكرا أن مقتنيات هذا المتحف طبقا للإحصاء الرسمي 14293 عملا في مجالات: الرسم، الحفر، التصوير، الخزف، النحت، لكن للأسف هناك ما يقرب من خمسة آلاف عمل تمت إعارتها سواء لسفارات أو مؤسسات حكومية، وبعض هذه الأعمال فقدت لعدم وجود رقابة ومتابعة للأعمال المعارة، ومنها لوحة السد العالي لعبد الهادي الجزار التي تمت إعارتها في الستينيات لمنظمة الاتحاد الاشتراكي ثم انتقلت للحزب الوطني، ولا يوجد لها أثر حاليا، وغير ذلك من المعلومات الموثقة التي تشير إلي حجم الكوارث التي تعاني منها المتاحف، وقد خرج الملف دون رد من قبل قطاع الفنون التشكيلية ليؤكد أو ينفي، أو يرد علي التساؤلات التي طرحها الملف. وعندما نطرح ملف غياب التوثيق التشكيلي، كان لابد من أن نتحدث مع د.حمدي أبو المعاطي بصفته رئيس قطاع الفنون التشكيلية ،هو في ذات الوقت يشغل منصب نقيب التشكيليين ، وكذلك أستاذ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، وهو أيضا عضو فاعل في الحركة التشكيلية منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة قسم الجرافيك 1981، وتولي العديد من المهام والوظائف منها مدير متحف الفن المصري الحديث بالقاهرة عام 2004، ونقيبًا للفنانين التشكيليين منذ 2011 وحتي الآن، ونائب رئيس اتحاد التشكيليين العرب للعلاقات الخارجية. في بداية الحوار سألناه : هل تري بصفتك الجامعية قبل منصبك الحالي أن التوثيق لتاريخنا في الفن التشكيلي غائب؟ أعتقد بنسبة كبيرة علي المستوي العام أنه لا يوجد توثيق للحركة التشكيلية المصرية علي مدار تاريخها بشكل جيد،فقلما كان يحدث توثيق ويرتبط ذلك في كثير من الأحيان بتنظيم فاعلية كبري في الفن التشكيلي، وقد يتوقف التوثيق عند جيل الرواد، ولذا أري أن هناك قصوراً بشكل عام لابد من تداركه . تعاني الكثير من المتاحف من غياب لأرشيف حقيقي لمقتنياتها .. كيف عالجت هذه القضية الكبيرة منذ توليك مهام رئيس قطاع الفنون التشكيلية؟ بالنسبة للمتاحف نحن نعمل حاليا علي التوثيق من خلال تشكيل لجنة علي مستوي القطاع، ليتم توثيق كافة الأعمال الموجودة بالمتاحف بشكل مختلف، حيث يتضمن التوثيق، إضافة إلي اسم العمل وتاريخ الانتاج والمقاس، الموجود حاليا، توثيقا فنيا يشمل وصفاً مفصلاً للعمل والخامة وسنة الانتاج والاتجاه الفني الذي يعكسه، وهناك عدة اتجاهات للتوثيق ، ومنها توثيق حسب الاتجاه الفني أو الموضوعات. ما رأيك فيما نشر بشأن وجود كثير من الأعمال التي ضاعت ما بين الإعارة والإهمال ؟ في البداية دعيني أوضح أن جزءاً من دور قطاع الفنون التشكيلية يتمثل في إعارة الأعمال الفنية لمختلف الهيئات ومنها السفارات المصرية بالخارج والهيئات التابعة للدولة بهدف نشر الفنون التشكيلية، وتأكيد توفير الثقافة البصرية للجمهور، ولا يخرج عمل إلا بإصدار قرار وزاري بذلك. وهناك لجنة مختصة بمتابعة الأعمال ومعاينة وجرد الأعمال المعروضة سنويا، وإذا وجد إهمال في العرض نقوم فورا بسحب الأعمال المعارة. وماذا عن الأعمال المفقودة .. كيف يتم التعامل بشأنها ؟ من واقع المتابعة للمواقع التي بها إعارات من الأعمال الفنية عهدة المتحف .. وجد عدد من الأعمال المفقودة والتالفة .. وجميع هذه الحالات تم تحويلها للجهات القانونية .. وحرصا من القطاع علي عدم التشهير بالجهة المعار إليها أو إثارة البلبلة حول عمل ما فلن يُعلن عن أية تفاصيل حتي الوصول لنتائج نهائية من واقع التحقيقات الجارية. ومن أمثلة ذلك وجود مفقودات بالعهدة المُعارة لمستشفي العجوزة .. وقد تم تحويل الأمر للنيابة وبناء علي طلبها شُكلت لجنة لتسعير الأعمال المفقودة بقيمتها الحالية.. وقد قامت اللجنة بذلك في وقت سابق وتحويل المحضر للنيابة بهذا الخصوص.. وحين الانتهاء من الاجراءات القانونية سيتم الاعلان عن كافة التفاصيل. لقطاع الفنون التشكيلية دور مهم في عملية توثيق الأعمال الفنية ولكن يلاحظ أن كثيرا من الأقراص المدمجة التي أصدرها القطاع لا تتماشي مع أنظمة الكمبيوتر الحديثة كما أن الموقع يعاني من مشاكل تقنية؟ نحن نعمل علي تحديث الإصدارات ، كما نعمل علي تحديث البيانات الموجودة عليها بحيث يتضمن التوثيق كافة المعلومات الغائبة أو الناقصة. أما بالنسبة للموقع فهو بالفعل يحتاج تطويراً وتحديثاً منذ سنوات ، ونحن نعمل علي خطة لتطوير الموقع من حيث سعته وكذلك من حيث شكله البصري وطريقة عرض المادة. كذلك نسعي أن يتم تزويد أعمال الفنانين بكافة المعلومات والبيانات ، كما نسعي أيضا لوجود صفحة مستقلة خاصة بصالون الشباب لتوثيق كل دوراته إليكترونيا. وأن يكون لكل متحف موقع خاص به يضم كل المعلومات والفاعليات. بوصفك نقيب التشكيليين ما هو الدور الذي تلعبه النقابة في توثيق الأعمال الفنية؟ طبقا لقانون إنشاء نقابة الفنانين التشكيليين فإن جانباً من دور النقابة يتمثل في النهوض بالفنون التشكيلية ونشرها ورفع مستوي تذوقها لتؤدي دورها في بناء المجتمع المصري المعاصر بما يتلاءم مع التطور العالمي والتراث القومي، وكذلك رعاية مصالح الفنانين التشكيليين من جميع النواحي الأدبية وحماية الانتاج الفني وحق الفنانين في الأداء العلني وتسويق أعمالهم في الداخل والخارج، ومن خلال النقابة نعمل أولا علي الحفاظ علي حقوق الفنانين التشكيليين الفكرية، وعلي أعمالهم من التزوير وكذلك علي حقوق المقتنين. لذا فنحن بشكل أساسي في النقابة نعمل علي تفعيل القانون الخاص بممارسة المهنة، للحفاظ علي حقوق الفنانين ومنها أهمية حصول كل من يمارس المهنة علي عضوية النقابة في حال انطباق الشروط عليه أو تصريح خاص من النقابة لإقامة معارض فنية أو ممارسة المهنة ، وكذلك لابد أن تحصل كل الجاليريهات الخاصة علي تصاريح بمزاولة المهنة من النقابة. وتقوم النقابة بتوثيق كافة الأعمال الفنية التي تخرج من مصر أو تدخل إليها، ويتم فحص كافة الأعمال ، وفي حالة ثبوت قيام أحدهم بالتزوير أو النقل من أعمال فنانين آخرين، فإنه يخضع لعقوبة القانون. كذلك أحيانا تتلقي النقابة طلبات من بعض الفنانين أو من ورثتهم لتوثيق أعمالهم، وهنا تقوم لجنة مختصة بتوثيق الأعمال ومنح شهادة موثقة ومختومة من النقابة بأن العمل أصلي وتحصل النقابة علي بعض الرسوم مقابل هذه الخدمة. ولكن من خلال موقعك وخبراتك الفنية كيف يمكن التنسيق بين مختلف الجهات العاملة في مجال الفن التشكيلي للنهوض بحركة توثيق الفنون التشكيلية ؟ بالنسبة للجهات الحكومية فالتنسيق فيما بينها أمر ممكن ، لكن لا يمكن إلزام الجاليريهات الخاصة بذلك، وبشكل عام دور التوثيق ليس دور قطاع الفنون التشكيلية وحده ، فلابد أن تكون هناك خطة شاملة وكذلك لابد من وجود حركة نقدية حقيقية ومشروع متكامل يتم من خلاله توثيق الحركة الفنية بداية من جيل الرواد وحتي وقتنا الحالي.. وأنا أري أن الحل يكمن في مشروع قومي يكون له ضوابط منهجية لتوثيق أكثر من مائة سنة من الحركة التشكيلية ، ونتمني تحقيق ذلك ، وهو يحتاج جهداً ووقتاً من الفنانين، وكذلك يحتاج دعماً كبيراً، وينبغي ألا يرتبط بشخوص ولكن يرتبط بآلية ، بحيث لا يتوقف برحيل الأشخاص المشرفين عليه.