كعادتي ، كان بابي موصدا وشباكي الوحيد موصدا ، وكان قلبي مرصدا لخطوها الوئيد يتحسس الدرج الباب يغلق في حذر . حاجبا صوتا يرعشه الدعاء . عساه يبطل فتنة ليس يبطلها دعاء أو رجاء . أو يبعد النوايا . للرجال نواياهم الصريحة الملثمه وتنجلي العتمة عن فرح صباحي فيحتفل الفناء بالخطو الأكيد .. خطوها . ويفسح الهواء لرائحة الجسد ثم يرقص لارتعاشات النهود . فأوشك بالبكاء . كنت أحلق ذقني ، وأفكر بالوجه الجميل . وبنيتي أدع الخجل . وأقول : صباح الخير يا الوجه الجميل . يا رغيفا ويا حزمة خس ، ويا شربة ماء . في هذا الصباح أعد قولا . وفي غد وردة . وفي الذي يلي تفهم حزني . وفي الذي يلي ويلي واه مما يقتضيه الحزن ألقاني . في يدها يدي ، وفي نهديها حليبي غير أني . كنت أغسل وجهي . حيث استقبلت أذناي قصف الصرخات . واستقبلت راحتاي من الصنبور دفقا أحمر طحالب مغموسة بالدماء . كلمات عائمات في دماء . أطفال مصوصوة ، أشلاء أوطان ، وبقايا وجوه الأصدقاء . حتي قطعة الجبن ، كوب الشاي كانا والرغيف من جلط الدماء . غسلت وجهي بالدماء . وفي نهر الطريق رأيتها .. وجها كسائر ما عند البشر . جسدا ككل العابرات . لردفيه ما لأرداف النساء . لعينيه ما لأحزان الإماء . ولخطوها هلع أقدام الجميع يهرولون . يبتلعون في الباص والمترو ، واشارات المرور . محلات الطعام ودورات المياه . في جوف المصاعد ، والبنايات الشاهقات الزجاجية . يتبادلون في زهو أكاذيب الجرائد والتلفاز ، أسعار البنوك . أساطير السماء . لا يعبأون بما ترذه نافورة الميدان ميدان رأس شهير جُزّ عند الابطين . وأنابيب الضوء في شاشات إعلان السلع . وبما تنفث العربات .. أبخرة كثيفة حمراء . . . . . . . واذا الميدان قطعان مفزعة ، صخابة ، بكماء . يومئون بالرؤوس في أدب . يهتدون برائحة البنكنوت وأرداف النساء . يتفاهمون بالصمت ومخثور الدماء . حتي اذا حط المساء . وارتدوا ملابس البيت المريحة . وأمسكوا بالشاي في زهو موتي ينهضون . يحدقون في شاشة التلفاز عما ينبغي اذا جاءوا الفراش . حتي اذا حط المساء . واطمأنوا أن تخلصوا من دمائهم يوما بيوم . يهيئون العروق لطموحات مؤجلة . ويتنادون في خفوت .. تصبحون علي دماء . . . . . . . واذا العابرات أسراب مسربلة حليا وغوايه . ومساحيق بلون أعلام الوطن . دمي محشوة بالنقود والأورجازم ، وشهوات الشراء . تشترين الدماء بالدماء . تقايضن فورات النيون لدي الفتارين العصية بالدماء والفضليات المؤمنات الكاسيات المحصنات . تتبادلن شرائط الداعية العصري الوسيم . يبشرهن بأن الثروة من أسماء الله الحسني . وسرا تتبادلن الاكسسوارات المطاطية والايميلات المحظورة . . . . . . . كل شئ في المدينة بارد .. قان .. عَطِر . كلما مسّت يد شيئا تلزّج . كلما امتلأت عروق . عاد الطلاء الي الواجهات الرخامية ، الأغاني ، الأظافر ، الشفاه . نبرة الكلام المهذبه . رابطات العنق . حظاظة المعصم ، لون الأحذية . أفاريز الكباري ، كابينات الفيزا كارد . رنات التليفونات الليلية . والصوت الهمسي المجهول . مواكب الرجال المهمين ، ونصف المهمين ، وبالطبع الحثالة . كل شئ يفوح بالزفارة القرمزية . . . . . . . الحقائب بجوار قادة العربات الفارهة . محشوة بالبلازما والصفائح والأجسام المضادة للآخرين . حافظات النقود تكتظ شرائح من جلود الآخرين مرقمة . اكسسوارات البنات تمعن في اعلان شهوتها الحديثة بانتخاب الأرجواني العَطر . زجاجات المياه الغازية تفور بالكرات الحمراء والبيضاء ومسحوق الضمير . خلطة الحب بالمثير الخاص في فاترينة الصيدلية . وبائعو الفاكهة يساومون كيفما طابق لون الثمار هيئة اللحم والدم . أو أشبهت أعضاء الذكورة الأنثوية . مكرمشة فاضحة العصير ، كثيرة الأنوية . . . . . . . وفي ملصقات المصاعد والحافلات . يبشر المختصون بفياجرا للأرواح . وفياجرا للمليون الأول . وأقراص تعظيم الطموح ، واطالة الوقت . يمتدحون اكسير النخاع والولادة بدون ألم . وكذا معجزة التلقيح الأنبوبي ( أفكر ساعتها ببويضات ذابلة لامرأة تدفع بالعربة في ممشي مول ، ومني شاب عاطل ، عقب ترجلهم من حافلة مزدحمة ) . بينما يهنئ تلفاز رصيف المترو ركابه بالنصر الوشيك وخلاياه الجذعيه . في هيئة كبسولات تزرع تحت الجلد أو في عدسات العينين .. ما شاءت حرية بشر القرن الواحد والعشرين . . . . . . . صخب .. صخب صامت . لا غرغرة لدماء تغير علي ما يصدفها من تاريخ في الطرقات . حتي ليصير الأسفلت ، خارطة من شرايين حمراء وأوردة زرقاء . ليس هنالك أمس أو غد ، هي اللحظة . ما سوف تعيشه سوف تموته . لا شئ يشيخ سوي أقوال الله ، تسقط من ألسنة ذابلة كم خدمت في الأفواه كثيرا . وفي لوبي الفندق وصالات البورصة . يمسح بعض رجال المال عن أفواههم أثر الفريسة . فيهرع السائقون والخدم بالمنشفات . ويهرول اثرهم رجال الدين يبشرون بالمغفرة . ويناولهم الطبيب الخصوصي أقراص الدواء . لدي ارتعاش الأسهم الحمراء والخضراء في لوحات سعر الفائدة . كل شئ يستوي ، هرب الدماء من الدماء الصائدة . سعي الدماء الي الدماء الصائدة . كل شئ .. مصيده . هكذا انفلت النهار وأنا أتبع في الشوارع ظلي . علي هدْي أسراب الغمام . في يدي وجع قديم ، مثلما يرجو وحيد كان صدق قلبه وصدق ، ارتعاشة ضوء زلالي ظل يحبو قرب ظلي ، ويتكئ عند زاوية الجدار . بانتظار عابرة من الطريق الي وريدي . شفّرته قبل عام ، كانت الدنيا شتاء كعادة كل القصائد . جبت الشوارع بانتظار أن يهمي المطر . في يدي وردة .. أستعيذ بالماء والضوء الزلالي من مطر الدماء . غير أني وقد جاء المساء ، اذا بها ، باقة من كلام . أمسح عن حروفها ندي قانيا . وأقول .. تصبحون علي دماء . تصبحون علي قول " أراجون " الوحيد من أعرف جارته وأمها " ما من حب سعيد ، سواء كان حبك أم حب الوطن " .