نظم المجلس الأعلي للثقافة الأسبوع الماضي احتفالية تحت عنوان "ليلة في حب الأستاذ" ، لإحياء الذكري التاسعة لأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ ، بحضور الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة ، والأديب يوسف القعيد ، والدكتور محمد أبو الفضل بدران الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة ، ومجموعة من محبي محفوظ ، كما شهدت القاعة الأرضية للمجلس معرضاً للصور تمثل أهم أعمال نجيب محفوظ والتي تم تحويلها إلي أفلام سينمائية أو تليفزيونية ، كما أصدر المجلس دورية بعنوان "دورية نجيب محفوظ"، وقام بعرضه للبيع بخصم يصل إلي خمسين بالمائة ، احتفالا بذكري الأستاذ. بدأت الاحتفالية بكلمة وزير الثقافة وقال إن نجيب محفوظ رمز من الرموز الفكرية والأدبية في مصر, وقامة كبري يفخر بها المصريون ، وليس دليلاً علي حبهم الغامر له أكثر من الحضور الضخم الذي يشهده الاحتفال الذي يؤكد أنه مازال حياً بيننا بما تركه من نتاج أدبي عظيم. ثم تحدث الدكتور أبو الفضل بدران أمين عام المجلس قائلاً: "سوف أحكي حكاية تدل علي قيمة وعظمة نجيب محفوظ, ليس في الداخل ولكن في الخارج أيضاً ففي المرة الأخيرة التي زُرت فيها ألمانيا وكرَّمني وقتها الرئيس الألماني, دخلت إلي القصر الرئاسي واستقبلني وزير الخارجية الألماني الذي فاجأني بقوله:أنت لا تعرف أيها المصري أنني أعيش الآن في زقاق المدق ، فسألته :وكيف تعيش في زقاق المدق؟ فأجابني بأنه يقرأ الآن نجيب محفوظ ، أيضاً في زيارتي الأخيرة إلي دبي منذ أربعة شهور, فاجأنا الأمير محمد بن زايد بدخوله القاعة التي كنا نحتفل فيها بذكري نجيب محفوظ كان معي وقتها الأديب يوسف القعيد والفنان عزت العلايلي, الذي نقل أدب نجيب محفوظ إلي قري ونجوع مصر, وقد فعل الأمير ما فعل لمجرد معرفته بوجود تكريم لذكري الأستاذ, وهذا إن دل فإنه يدل علي مدي تقدير العالم للأستاذ". وفي كلمة مقتضبة قال الروائي يوسف القعيد، إن الاحتفالات التي كانت تقام كل عام, منذ رحيل نجيب محفوظ وحتي الآن, إحياءً لذكراه واحتفالاً بمولده وأحياناً إحياءً لذكري حصوله علي نوبل, لم تكن تشهد هذا الكم الهائل من الكتاب والمثقفين, الذين جاءوا من كل حدب وصوب لإلقاء كلمة في حب الأستاذ, كما وجه رسالة إلي الأستاذ أخبره فيها أن مصر ليست آفتها النسيان, وها نحن بعد تسع سنوات علي الرحيل مازلنا نذكره. أما الناقدة ماجدة موريس فقالت "لم يأخذ نجيب محفوظ حقه نهائياً في المقررات الدراسية التي يدرسها طلاب المدارس, ويجب علي الدكتور عبد الواحد النبوي وهو حاضر بيننا - أن يتحدث مع السيد وزير التربية والتعليم بشأن هذا، من أجل تعريف الطلاب بإبداع نجيب محفوظ ، لأن هذا ظلم كبير لهذا الراحل العظيم ، الذي لم يهتم فقط بالرواية بل كانت له محاولات في كتابة السيناريو, وأظنه الوحيد من بين الكتاب الكبار الذي فعل ذلك. إن نجيب محفوظ هو أكثر الأدباء الذين تم تحويل كتاباتهم إلي أعمال فنية سينمائية وتليفزيونية. " تحدث بعد ذلك الكاتب سعيد الكفراوي فقال :"إن الحديث عن نجيب محفوظ هو حديث عن زمن وعن وطن وعن بشر. نجيب محفوظ هو أحد الكهنة الكبار في تاريخ مصر, وقد تربي جيلنا علي يد هذا الأديب العظيم في فترة الستينات, وتحلقنا حوله علي مقهي ريش, وتعلمنا منه الحكمة وحسن النظر إلي الأمور. وعلاقته بالمكان تشير عليه من خلال الجمالية والحارة ، وعلاقته أيضاً بالزمان من خلال سؤال المصير الإنساني ، ودراسته للفلسفة في رواية الحرافيش, وهؤلاء جميعاً يسألون السؤال الوجودي: وما النهاية؟! لقد تربي وهو يطل علي الفتوات في الجمالية, ومن تلك الرؤية قام بتحويل أسطورة الفتوة إلي أسطورة للعدل والبحث عن الحرية والبحث عن الهامش, الذي كتب عنه نجيب محفوظ كثيراً.لقد كنا نأتي إليه بالقصص وهي مكتوبة بخط أيدينا فيأخذها معه, ويأتي المرة القادمة وقد قرأها وكون حولها رأياً يقرؤه علينا. لقد تعلمنا من نجيب محفوظ الحفاظ علي الكرامة ، وحب الوطن, والانحياز دوماً للناس فقط والكتابة عنهم. نجيب محفوظ في الذاكرة المصرية هو المؤسس الأول للرواية المصرية وتعلمنا منه طريقة القَصّ, وتكوين الرؤية, وتجديد الأساليب. لقد أنهيت كلامي ولم يتبقَّ لي سوي أن أشير إلي أن لكل فنان في العالم متحفه الخاص به إلا نجيب محفوظ, ولقد حضرت أنا والأستاذ يوسف القعيد أكثر من اجتماع للتباحث مع المسئولين بخصوص إنشاء المتحف, ولكن إلي الآن لا يوجد جديد". يتدخل القعيد هنا ليقول إنه قد تم الاتفاق علي إنشاء المتحف ولم تتبق سوي بعض الإجراءات, وسوف يتم افتتاح المعرض في الحادي عشر من ديسمبر من العام الجاري ، وسوف يكون مقره في قصر الأمير بشتاك. ومن جانبه قال الفنان عزت العلايلي إن نجيب محفوظ كاتب عبقري ، سابق لزمنه ، متجاوز ، هارب متحقق ، مفكر كبير جدا جدا, وإذا كان هناك شكسبير وبرنارد شو وغيرهما من العباقرة فأنا أري أن نجيب محفوظ وحده يتجاوزهم كلهم وهذا رأيي, من يريد أن يتفق فليتفق ومن يعترض فهذا رأيه. لقد بدأت علاقتي بنجيب محفوظ بعد النكسة التي أصابت المصريين جميعاً بالحسرة والذهول, وبخاصة الفنانين والكتاب ، وبينما كنت أتحدث ذات يومٍ مع صديقي الراحل يوسف شاهين وصديق فرنسي آخر كان يسهر معنا ، جاءتنا فكرة عمل فيلم حول ما حدث وأوصاني يوسف شاهين بضرورة الذهاب إلي نجيب محفوظ للتحدث معه حول هذا الأمر, وبالفعل ذهبت إليه في الصباح ووجدته يحتسي قهوته الصباحية مع توفيق الحكيم ، وجلست معه طويلاً وعرضت عليه فكرة عمل فيلم سينمائي ، وطلب مني الانتظار عشرة أيام ولم أستطع الانتظار ومنذ اليوم الثالث كنت أتواصل معه وأتردد عليه ، ومن هنا بدأت العلاقة ،وها أنا أقف اليوم مفتخراً بأنني أكثر الممثلين تمثيلاً لأعمال الأستاذ, فقد قدمت وحدي 12 عملاً فنيا من تأليف الأستاذ بين المسرح والسينما والتليفزيون ، وتم اختيار عشرة أفلام لي ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية, كان من بينهم ثلاثة أفلام من تأليف الأستاذ نجيب محفوظ .