عندما يتوجه شيخ الأزهر الشريف إلى زيارة خارج الوطن فالأمر لا ينبغي أن يُفهم وكأنه جولة لإحدى الشخصيات البارزة في مصر لأسباب تنحصر فيما تعلمناه من العرف السياسي أو الديبلوماسي العام، فشيخ الأزهر ينتقل ومعه تاريخ المؤسسة العريقة وحاضرها، بما يحمل (...)
منذ ظهرت نظرية «فائض القيمة» على يدى كارل ماركس وإنجلر، كإحدى الركائز الأساسية للمادية التاريخية، حتى نظرية «الاقتصاد الخالص» فى العصر الراهن: جرت فى النهر مياه كثيرة تحولت بالفكر الاقتصادى من النقيض إلى ما يشبه النقيض؛ فقد حَفِل «الخطاب الاقتصادي» (...)
حين كتب أفلاطون الإلهى كما أسماه الشهرستانى فى الملل والنحل على باب (الأكاديمية) عبارته الشهيرة التى لا يزال دارسو الفلسفة يتذاكرونها؛ وهى قوله: (من لم يكن مرتاضا أى دارسا للرياضيات فلا يدخلن مدرستنا) فإنه لم يرد بذلك كما يشهد تاريخ الفلسفة أن يجعل (...)
يُعلمنا درس التاريخ الفكرى أن العَلْمَانِية قديمها وحديثها لا تنبت ولا تترعرع إلا فى أرض قد اهتزت فيها (أسس) الحقائق الثابتة، وارتجَّت ركائزها العقلية الفطرية الراسخة، وحينئذ وبالتبعية يهتز كامل البنيان الفكرى والدينى والأخلاقى بأسره؛ وترتد الجماعة (...)
حين ترتفع أصوات الترويج للعلمانية وعقيرة الدعوات الصاخبة إليها: تعلو فى الآن نفسه وبالدرجة ذاتها: وتيرة الموجات المضادة بكافة اتجاهاتها، سواء تلك التى آثرت جانب النقاش الهادئ الرصين، أم التى انتهجت جانب العنف القانى المخضب بالدماء، وبين الأفعال (...)
خلال السبعينيات، وفى مناخ فكرى أوسع أُفقًا، وأهدأ إيقاعًا، لم أجد حرجًا فى أن أعكف سنين عددًا على إعداد أُطروحتى العلمية عن الفيلسوف الشيعى الإيرانى الفَذّ: صدر الدين الشيرازي، خاتمة «الحكماء» الإسلاميين، وآخرهم زمنًا (ت 1050ه) والذى انتهت إليه (...)
ماذا تَقُول فيمن يري أن علاج العين الرَّمْداء لا يكون إلا بالخلاص منها، واقتلاعها من مَحْجَرِها، وماذا تَقُول في رجل آخر: يقاوم الموقف المرفوض بموقف مرفوض مِثْلِه؛ يساويه في الرفض أو يُدَانِيه؛ فلا ينجم عن ذلك إلا اختلاط المفاهيم، وغَبَش الرؤية، (...)
هل أعاد التاريخ نفسه، حتى وجدنا أنفسنا بإزاء صورة معاصرة لتلك النزعة السوفسطاتية التى سبق أن ظهرت فى أثينا إبان القرن الخامس والسادس قبل الميلاد، ثم انبعثت الآن من مرقدها بعد طول فناء؟ نلك السوفسطانية التى عبر عنها أحد فلاسفتها قائلا: إن الإنسان (...)
حين يُفهَم «الدين» الفَهم الصائب المستقيم، وحين تتحقق «السياسة» الرشيدة العادلة على وجهها: فلن تجد بينهما إلا وئامًا والتقاءً، واتصالاً وائتلافًا، دون طغيان أو افتئات من أحدهما على الآخر
أما حين تختل إحدى الكفتين، سواء بالفهم الشارد المعوّج للدين، (...)
لئن كان صِدْقًا ما قيل عن المتنبِّي من أنه زرجل ملأ الدُّنيا وشغل الناسس فإن المقولة ذاتها ربما كانت أكثر صدقًا عن ابن تيمية، ذلك الذي عاش عصرًا مُدْلهمَّا بالخطوب الجسام
، وقضى حياته يخوض غمارها ما بين جهادٍ للتتار، ومٍحَن متعاقبة، وأسفارٍ متتابعة، (...)
أكاد أرى رَأْيَ العَيْن- نُذُرَ مايحمله المستقبل من العواقب التى ستئول إليها مجريات الأحداث لو استمرت وتيرة تلك الموجات العارمة الصاخبة التى تدق أبواب الأزهر الشريف فى أيامنا هذه فى عنف غير مسبوق، تَجَاوَز مرحلة النقد الهادف المتبصر لهجةً ولغةً (...)
هل نحن بحاجة الآن ونحن فى عُنْفوان معركتنا المصيرية ضد الإرهاب الدموى المدمِّر بأطيافه المختلفةِ الشِّيَات والألوان أن نَنْكأ جِراحاتٍ قديمة قد انْدَمَلَتْ أَوْ أَوْشكت،
لكى تُثير كما أثارت من قبل جَدَلًا مُسْتَعِرًا، سرعان ما يتحول إلى شقاق، ثُم (...)
فى كتابه المُتْرَع بالثراء والرمزية (الفتوحات المكِّية) يقرر الشيخ الأكبر «محيى الدين بن عربي» أن الذات المسلمة الحقّة: لا يمكن أن تكون كذلك حين يتوقف نموها الوجدانى الباطنى عن الترقِّى والصعود والارتفاع،
تُكابد فى سيرها العَثَرات، وتَعْتلى - فى (...)
حين أجد الأطراف المتناقضة فكريًا في كل قضية من القضايا المُثارة على الساحة الآن: تكاد تجمع – برغم تَنَاقُضِها – على الَّنيْل من الأزهر والهجوم على مؤسسته نَهْجًا وموقفًا وفكرًا:
أزداد يقينًا – حتى وإن تكسَّرت النِّصال على النِّصال - بأن الأزهر يقف (...)
لا تكاد اهتماماتنا الراهنة تخلو هذه الأيام من الحديث عن مصطلح (الخطاب الدينى)، دون تحديدٍ لمفهومه وضبط لمحتواه تحديدًا دقيقًا منضبطًا، حتى أوشك المتحدثون بشأنه أن يفترقوا طرائق قِدَدًا؛ بل كادت تكون للخطاب الدينى: مفاهيم متعددة بتعدد المتحدثين، (...)
فى كل قضية تحتمل تعدد وجهات النظر: يجد المتأملُ نفسَه بين طرفين يقف كلٌّ منهما على النقيض من مُقابِلِه، حيث يقوم كل منهما بنفى الآخر وهدمه هدمًا كاملًا بلا عدل ولا شفاعة، وكيف لا ..
وكل منهما لا يرى فى نقيضه بعين السخط إلا سوادًا فوق سوءا، وسوءً (...)
لا يظنَّنَ ظانُّ: أن الوعي الإسلامي العام قد اختلطت في رؤيته الثاقبة: الفروقُ الجوهريةُ الجَليّة بين مفهوم «السياسة الشرعية» القويمة،
تلك التي تقيم معايير «العدل»، وتُشيِّد موازين «الحق» في أرجاء الكون بأسره، وبين «لُعْبَة السياسة» حيث يُستخدَم (...)
من يقرأ كتابات المفكر التركى البارزمحمد فتح الله (كُولِنْ) الذى يتردد اسمه كثيرًا هذه الأيام باعتباره معارضًا صلبًا للتيار السياسى الذى يحكم تركيا الآن: يدرك بجلاء من خلال تلك الكتابات المترجمة إلى العربية أن (كُولِنْ) لم يكن مجرد خصم مُعاِرض لذلك (...)
سوف تظل مقولة الشهرستانى فى كتابه «الملل والنحل» بشأن الإمامة وتاريخ الإمامة فى الإسلام صادقة كل الصدق،
على الرغم من تتالى الأيام وتوالى الأزمان، وذلك حين قرر أن أعظم خلاف بين الأمة إنما هو الخلاف حول الإمامة، بل إنه – كما يتابع – ما سُلَّ سيف فى (...)
كثيرون منا لا يكادون يعلمون عن الاتجاه الأشعري في التفكير الاعتقادي, ذلك الاتجاه الفريد الذي أرسي لبناته الإمام أبو الحسن الأشعري في القرن الثالث الهجري, وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي من بعد, والذي يؤسسن في جوهره,
لرؤية كونية شاملة للعالم والإنسان (...)
كثيرون علي مر التاريخ الفكري من لقوا من جراء فضيلة الاعتدال وسجية الاتزان عنتا كبيرا, وأذي كثيرا, تشنه عليهم الأطراف المتضادة المتنافرة في كل نزاع; تلك الأطراف التي تتفرق بها الأسباب أي تفرق, لكنها لاتجتمع إلا علي أمر واحد, هو النيل ممن يحملون لواء (...)
في بيت من عيون الشعر العربي استنطق أبو العلاء شاعر المعرة- شكاية أحد القبور قائلا:
ودفين علي بقايا دفين.. ضاحك من تزاحم الأضداد! ولا أكاد أجد وصفا للأزمة التي تضج بها الأمة في أيامنا هذه أقرب إلي الدقة من هذا الوصف الضاحك الباكي!
علي أن تزاحم (...)
لعلنا في هذه الآونة أحوج ما نكون إلي أن نستعيد إلي الذاكرة عبارة الشيخ محمد عبده في كتابه( الإسلام والنصرانية) تلك العبارة التي استعاذ فيها بالله تعالي من السياسة, ومن لفظ' السياسة' ومعناها, ومن كل حرف يلفظ فيها, بل ومن ساس ويسوس ومشتقاتها!.وفي هذا (...)
في مقال بعنوان( طوبي للغرباء) كتب الدكتور طارق السهري وكيل مجلس الشوري قائلا: (إن الجاهلية ليست حقبة تاريخية حدثت وانتهت, بل هي تصورات ومعتقدات وظنون وعصبية وتبرج وتشريع العباد للعباد, واعتراض علي شريعة الله, والتماس المدد من (...)
في كتابه الإسلام والنصرانية استعاذ الشيخ محمد عبده بالله تعالي من السياسة ومن لفظ السياسة, ومن كل حرف يلفظ في كلمة السياسة, ومن ساس ويسوس ومشتقاتها!! حين أفضي الشيخ الجليل بهذا القول كان منخرطا من قمة رأسه إلي أخمص قدميه في تيار الحركة الوطنية (...)