انفرطت دموعى بلا وعى منى.. لم أمد يدى لأمسحها تركتها وكأننى أعاقب نفسى على إثم لم ارتكبه.. قرأت أخبار كثيرة عن اغتصاب البنات الصغيرات والسيدات، سواء كن متزوجات أو لم يسبق لهن الزواج.. تعاطفت.. تذمرت.. تخوفت.. تحسرت على ما نعيشه الآن من ارتباك وتخبط بينما عاش آباؤنا الهدوء والاستقرار.. لم أتساءل لماذا؟ ولن أبحث عن الأسباب، فهذا عمل المتخصصين فى عالم الجريمة.. وعلم الاجتماع والنفس.. لأول مرة أبكى بحرقة على "نورة" ابنة التسعة أعوام تلك الفتاة القروية التى تملك من البراءة ما يؤهلها للحصول على جائزة نوبل.. ووالدتها التى ظهرت فى "قناة الحياة" بالأمس فى برنامجها الرئيسى "الحياة اليوم" مع المذيعة المتألقة لبنى عسل.. الحقيقة أننى لم أرَ دموع مقدمة برنامج تهزنى بكل هذه القوة من صدقها.. كما رأيت فى "عيون لبنى".. رغم أنها لم تسقط أمام الكاميرا وتماسكت.. لكنها سقطت داخلها.. أحسست بها.. لمست سخونتها بين أصابعى.. بكت والدة "نورة" وهى تحكى قصة ابنتها مع الاغتصاب.. ملامح "نورة".. بريئة للدرجة التى جعلتنى أصرخ مستغيثة.. "حسبى الله ونعم الوكيل"، أضم صوتى إلى صوت هذه الأم الممزقة.. وهذا الأب المطعون بألف سكين غادر.. وهذه البراءة الغارقة فى دماء الطهارة.. لابد أن يعدم هؤلاء المجرمون فى ميدان عام.. أو على الأقل كما كنا نرى فى بعض الأفلام الأجنبية حضور أهل المجنى عليهم وبعض المقربين إعدام من قتلوا أبناءهم أو بناتهم.. أعرف أن جمعيات حقوق الإنسان ستهيل علىَّ اللعنات وستصفنى بالرجعية.. لكن قبل الحكم علىّ بارتكاب جريمة المطالبة بالقصاص العادل فى زمن غير عادل.. أستحلفكم بكل الشرائع السماوية.. وكل الأعراف والقيم الإنسانية.. ضعوا أنفسكم بدلاً من "والدة نورة" طفلة من عشرات الفتيات المغتصبات فى عمر الزهور.. أو والد زياد وشهد طفلى العمرانية القتلى الأبرياء.. هل تستحق هذه الأجساد الطاهرة أن تقطع.. أن تنهال عليها الطعنات بلا هوادة؟ هل تستحق "نورة" أن تدنس طهارتها.. أن تفقد إحساسها بجسدها الجميل عندما تصبح مكتملة الأنوثة فى سن الزواج.. أن تظل تخفى عارها داخل روحها لا تستطيع أن تفصح لصديقة بما تحمله ذاكراتها من ألم موجع.. وبقايا إنسانة ماتت فى طفولتها.. نورة.. وزياد.. وشهد.. نماذج نقرأ عنهم فى كل يوم.. لكننا لا نراهم.. صور فقط على صفحات الجرائد أو على شاشات التليفزيون.. لم نمسح دموعهم.. لم نسمع صراخهم وتوسلاتهم.. قبل الكارثة.. قبل المصيبة.. ألا يستحق هؤلاء الجناة من يردعهم؟ وهل يكفى السجن لتأديبهم؟ لا أقول أن يتم إعدام كل قاتل!! لكن تطبيق العدل يحتاج إلى رجال قضاء نثق فى عدالتهم.. وتطبيق العدل فى مثل هذه الجرائم لا يتم إلا بعد التدقيق فى دوافع الجريمة.. فهل تستوى الجريمة العشوائية.. مع سبق الإصرار والترصد؟. أعتقد لا!!