لو تأملنا الخصائص النفسية لشخصيات السورة لوجدنا أن العواطف التى ولّدتها الشخصية الرئيسية (سيدنا يوسف) فى نفوس من حوله تتميز بشدة الجموح. فثمة محبة خارقة من الأب، وغيرة عنيفة من الأخوة تصل لحد التفكير فى القتل، وأب يصل به الحزن حد العمى. وشهوة حارقة من المرأة تصل لحد تمزيق ثيابه، ونساء مهووسات يُقطعن أيديهن . بالنسبة للشخصية الرئيسية (سيدنا يوسف) فهناك خصائص ثابتة لشخصيته لم تتغير على مر السنين، وهناك ما اكتسبه مع التجارب. مثال الخصائص الثابتة هو النبل: فيوسف الفتى الذى يرفض خيانة الرجل الذى أواه مع امرأته (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) هو نفسه يوسف صاحب السلطان الذى يُصرّح بشخصيته لأخوته حينما ضاقت الأرزاق بهم إلى حد التسول (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ)، وقتها فقط يكشف عن حقيقة شخصيته ملتمسا لهم العذر قبل أن يفكروا فى التماسه (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) مطيبا خاطرهم داعيا لهم بالمغفرة (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ثم دعاهم للمجيء لمصر مع أهلهم فى رعايته. أما مثال الخصائص التى اكتسبها مع السنين والصبر والتربية الربانية فهى لهفته على الخروج فى بداية محنة السجن (وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ)، ثم رفضه الخروج بعد ذلك بسنوات طويلة إلا بعد ظهور براءته بعد أن تعلم ألا يلجأ إلى الناس ولا يسأل سوى ربه(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ). ومن الشخصيات التى تطورت مع السنين شخصية امرأة العزيز، فهذه المرأة الناضجة واسعة الحيلة عظيمة الغواية، سريعة البديهة فى اقتراح عقوبة مؤلمة لكنها تحفظ حياة من تحب( َقالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وترد الصاع صاعين للنساء الماكرات (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)، ولا تعبأ بعد انكشاف تهتكهن بأن تقول بصراحة مذهلة (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ). وتمضى الأيام وتختفى صورة المرأة المتهالكة على الشهوات فتكون شهادتها- عند استجواب الملك لها- متميزة بالصدق والنبل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). هذا قليل من كثير يمكن أن يُقال عن أحسن القصص قدر ما سمحت به مساحة المقال.