لاشك أن حق الانتخاب والترشح من الحقوق التى كفلتها جميع الدساتير المعاصرة، وقد تقرر هذا الحق بنص المادة رقم (55) من الدستور المصرى الحالى، كما نصت المادة (81) على أنه "لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهره". وحيث ورد بالبند (5) من المادة الخامسة من القانون رقم (38) لسنة 1972 ضمن الشروط الواجب توافرها فى المرشح لعضوية مجلس النواب "أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى من أدائها أو استُثنى منها طبقاً للقانون"، فقررت المحكمة الدستورية العليا فى الطلب رقم (1) لسنة 35 رقابة سابقة الصادر بجلسة 17/2/2013 أن النص الماثل يُجيز أن يترشح لمجلس النواب من سبق استثناؤه من أداء الخدمة العسكرية طبقاً لمقتضيات أمن الدولة (فقرة 4 من المادة 6 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980)، فى حين أنه مادام أن هذا الأخير قد استُثنى من أداء الخدمة العسكرية للسبب المتقدم فلا يكون مقبولاً أن يُسمح له بالترشح للمجلس النيابى الذى يتولى مهمتى التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، لذا فإن الأمر يقتضى قصر الشرط الوارد فى البند (5) على من أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أُعفى من أدائها طبقاً للقانون. وإعمالاً لمقتضى هذا القرار نفاذاً لما يقضى به نص المادة 177 من الدستور، أضاف مجلس الشورى عبارة "مالم يكن صدر ضده حكم قضائى بات ينطوى على إضرار بمقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة". ولا شك أن هذا التوضيح يتفق مع حيثيات ومنطوق حكم المحكمة الدستورية العليا فى دعوى عزل الفريق أحمد شفيق من الانتخابات الرئاسية. كما يتفق مع نص المادة (76) من الدستور "لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى". ونص المادة (77) "المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة تُكفل له فيها ضمانات الدفاع". كما يتفق أيضا مع القرار التفسيرى للمحكمة الدستورية العليا الصادر فى الطلب رقم (1) لسنة 24 ق تفسير بشأن المتهرب من التجنيد، حيث إن المتهرب يصدر بحقه حكم ويُثبت بشهادة الخدمة العسكرية. ويتفق كذلك مع أحكام المحكمة الإدارية العليا "راجع الطعن رقم 2134 لسنة 58 ق إدارية عليا"، خاصة وأن عدد المصريين الحاصلين على الاستثناء طبقاً للمادة (6) بند (4) يتجاوز عشرات الآلاف، والقليل منهم بسبب الاعتقال، والمُطلع على الوضع السياسى قبل الثورة يعلم جيداً أن البعض تم استثناؤه من الخدمة بسبب شخص فى عائلته ينتمى إلى الإخوان أو السلفيين أو غيرهم، بل ربما لأنه يرتبط بعلاقة مصاهرة بأحد هؤلاء!! فهل يجوز معاقبة هؤلاء وحرمانهم من حقوقهم الدستورية المقررة بسبب تقرير أمنى ظالم كثيراً ما أهدرته محاكم القضاء الإدارى عند ممارستها، لدورها الإبداعى فى مجال حقوق الانسان بالرقابة على أعمال الإدارة؟ وماذا لو قام البرلمان بتعديل قانونى يمنح هؤلاء إعفاءً بنقل عجز الفقرة الخاص بأمن الدولة إلى البند (ه) من المادة (7) تحت عنوان "أولاً يُعفى من الخدمة العسكرية والوطنية نهائيا". أرجو ألا نُستدرج لبعض التفسيرات التى يروجها البعض من أن تفسير المحكمة الدستورية العليا جاء على هذه الصورة كرد فعل للتظاهر أمامها، وما أطلق عليه البعض بالحصار، وتخفيض عدد قضاتها، وتقرير رقابتها السابقة على القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية والانتخابات فى الدستور، والبعض يستحضر حكم حل مجلس الشعب السابق، وتطبيق المحكمة لنص المادة 233 من الدستور، والتى قررت عودة الأعضاء فوق الأحد عشر عضواً إلى أماكن عملهم التى كانوا يشغلونها قبل تعيينهم بالمحكمة، فتم إعادة البعض منهم إلى المفوضين بذات المحكمة! أما ما أثاره البعض من ضرورة إعادة القانون مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية العليا بعد إعمال مقتضى قرارها تطبيقاً لنص المادة 177 من الدستور، فأعتقد أن التعديلات التى سيجريها البرلمان على قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 سوف يحسم هذه المسألة مع مسائل أخرى ليتوافق مع الدستور الجديد.