"عدم قدرة مصر على سداد أقساط وفوائد الديون المستحقة عليها، لم يحدث طوال تاريخ مصر الضارب فى أعماق التاريخ، حتى فى ظل تداعيات ثورة 25 يناير سددت مصر أقساط مستحقة فى موعدها".. كلمات أكدها مسؤول حكومى رفيع المستوى ل"اليوم السابع"، مضيفًا أنه من المقرر أن تسدد مصر قسطًا مستحقًا من ديونها لدول نادى باريس خلال الشهور القليلة المقبلة، وتحديدًا فى شهر يوليو المقبل، ويقدر هذا القسط بنحو 700 مليون دولار". وأكد المصدر أن مستوى الديون الخارجية الذى يقترب من 35 مليار دولار، فى نهاية الربع الأول من السنة المالية الحالية، يمثل فقط نسبة 16%، من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، وهى واحدة من أقل النسب المتعارف عليها فى العالم، وأيضا من أقل أحجام الديون الخارجية المستحقة على الدول، مؤكدًا أن الحجم الأكبر منها يتمثل فى ديون طويلة الأجل وغير مستحقة الدفع على المدى القصير. "شبح الإفلاس وعدم قدرة مصر على سداد الديون الخارجية المستحقة غير بعيد، فى ظل استمرار التناحر السياسى بين الفصائل المكونة للمشهد السياسى"، قالها ل"اليوم السابع"، طارق حلمى، العضو المنتدب السابق للمصرف المتحد، مؤكدًا أن جميع المشكلات الحالية التى يمر بها الاقتصاد المصرى نتيجة لأسباب سياسية وتدهور الأوضاع الأمنية، وعدم إحكام وزارة الداخلية قبضتها على زمام الأمور والانفلات الأمنى فى الشارع المصرى، والذى يؤثر على مناخ الاستثمار والتدفقات السياحية لمصر. وأكد "حلمى"، أن مصر قد تضطر إلى بيع جزء من مكون الذهب لدى البنك المركزى والبالغة قيمته السوقية نحو 4 مليارات دولار، بإجمالى 75 طنًا، مع استمرار النزيف المستمر للاحتياطى من النقد الأجنبى، وذلك بهدف توفير سيولة من العملات الأجنبية، مؤكدًا أنه لا داعى لتنامى القلق من تراجع الاحتياطى مع استمرار تعويض التراجع من مورد آخر، مثل تحويلات المصريين العاملين بالخارج التى ارتفعت بنسبة 110% خلال العام الماضى. وطالب العضو المنتدب السابق للمصرف المتحد، الحكومة المصرية بسرعة عقد مؤتمر دولى يضم الدول الدائنة لمصر يبحث جدول أعماله مدى إمكانية إعادة جدولة الديون المستحقة على "القاهرة"، وإسقاط جزء من المديونيات المستحقة، أو تأجيل سداد بعض الأقساط المستحقة كل 6 أشهر، مؤكدًا أن هذا الإجراء من شأنه أن يخفف الضغط على الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى وصل إلى الحدود الحرجة. من جانبه قال محمد بدرة، المدير الإقليمى السابق لبنك المشرق- مصر، والخبير المصرفى، إن مصر أبرمت اتفاقًا مع دول نادى باريس، خاص بجدولة المديونات المستحقة عليها منذ التسعينات، ولم تتخلف عن سداد قسط من هذه المديونات طوال العقود الماضية، مؤكدًا أن مصر ملتزمة أمام العالم بسداد أقساط وفوائد المديونية الخارجية، وفى ظل الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير. وأوضح "بدرة"، أنه حال فتح مناقشات ومفاوضات مع دول نادى باريس خاصة بإعادة جدولة المديونيات المستحقة على مصر، فإن ملف منازعات التحكيم الدولى بين مصر وبعض الأطراف الأخرى، من العناصر المؤثرة على هذه المفاوضات، وأيضا ملف اتمام اتفاق قرض صندوق النقد الدولى، وأن العنصر الأهم فى هذه المفاوضات سياسى وخاص بمدى قدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى خلال الفترة الحرجة الحالية. وأكد المدير الإقليمى السابق لبنك المشرق- مصر، إن هشام رامز، محافظ البنك المركزى المصرى الجديد، يواجه عدة تحديات اقتصادية كبرى، منها استقرار أسواق الصرف وتراجع الاحتياطى، مؤكدًا إن خبراته فى إدارة ملفات السياسة النقدية، تعد عنصرًا مهمًا فى خطة البنك المركزى للنهوض بالاحتياطى الأجنبى بمكوناته المختلفة، ومنها مدى إمكانية بيع جزء من احتياطى الذهب البالغ نحو 75 طنًا، والذى يدخل جزء منه كأساس كغطاء لإصدار النقد. وعن الحلول العاجلة لأزمة تراجع الاحتياطى، وقدرة مصر على سداد أقساط المديونية الداخلية وتفادى خطر الإفلاس، قال المدير الإقليمى السابق لبنك المشرق- مصر، ل"اليوم السابع"، إن التحديات الاقتصادية الحالية انعكاس للوضع السياسى والأمنى المتدهور، موضحًا أن وكالات التصنيف الائتمانى العالمية تضع 12 نقطة كمعايير لتصنيف اقتصادات الدول، منها 3 نقاط خاصة بمدى الاستقرار الأمنى والسياسى، مؤكدًا أن الحل للأزمة الحالية يكمن فى تحقيق الاستقرار السياسى، وعقد مؤتمر اقتصادى دولى كبير يضم القامات الاقتصادية والمالية الدولية والمحلية، لمناقشة كافة المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد، وتقديم حلول ومقترحات وخطط عمل عاجلة للنهوض بالوضع الحالى. وقدم عمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر، مبادرة للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، تتضمن تغيير التوجه المركز أساسًا على قرض صندوق النقد الدولى أو على البحث عن منح وودائع أو قروض قصيرة الأجل، والتوجه نحو الدعوة إلى مؤتمر دولى لإنقاذ الاقتصاد المصرى والتشاور فى هذا الشأن بصفة عاجلة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى ومجلس التعاون الخليجى وغيرها. وتشير أحدث البيانات الحكومية، إلى أن مستوى الديون الخارجية المستحقة على مصر، سجل زيادة تقدر بنحو 335.4 مليون دولار، بمعدل 1%، نحو 34.7 مليار دولار، فى نهاية شهر سبتمبر الماضى، ما يعادل نحو 226 مليار جنيه، وليبلغ إجمالى الديون المستحقة على مصر داخليًا وخارجيًا 1557 مليار جنيه، أى 1.5 تريليون جنيه، وهو أعلى مستوى على الإطلاق من الديون مستحق على مصر، فى تاريخها. ورغم أزمة تراجع الاحتياطى بشكل حاد، إلا أن الحكومة المصرية تولى أهمية قصوى عن طريق ذراعها الاقتصادية، البنك المركزى، بمسألة سداد الديون الخارجية، وقامت خلال شهر يناير 2013 بسداد نحو 700 مليون دولار قسطًا من ديونها المستحقة لدول نادى باريس، وهو ما كان ساهم فى تراجع الاحتياطى بأكثر من 1.5 مليار دولار فى يناير، وهى أقساط تدفعها مصر كل 6 أشهر، طبقا للاتفاقية الموقعة بينها وبين تلك الدول، بعد أن دفعت قسطًا مستحقًا بنفس القيمة خلال شهر يوليو الماضى، وفقًا لما كشف عنه مسؤول مصرفى بارز، فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع". وأضاف المصدر، أن مصر لم تتخلف عن سداد أية أقساط لديونها، رغم الظروف الصعبة التى مر بها الاقتصاد خلال العامين الماضيين، وسددت 3 أقساط خلال تلك الفترة فى مواعيدها، موضحًا أنه رغم تأثر التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية لمصر، خلال الاضطرابات السياسية التى أعقبت ثورة يناير، إلا أن البنك المركزى، ملتزم بتوفير السيولة الدولارية المطلوبة لتوفير المنتجات والسلع البترولية والغذائية، وأن ما خلق توازنًا نسبيًا خلال الفترة الماضية استقرار مدخلات السيولة الدولارية لمصر من إيرادات قناة السويس، وارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، لتلبية المخرجات التى تستخدم فى توفير احتياجات البلاد من الاستيراد. ولفت المصدر فى تصريحاته ل"اليوم السابع"، إلى التحديات والتأثير السلبى للأحداث التى مرت بها مصر على موارد النقد الأجنبى والتى تمثلت فى الأساس فى تراجع الدخل من قطاع السياحة بنحو 30% سنويًا- نتيجة تردى الأوضاع الأمنية، مؤكدًا أنه فى إطار مواجهة الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وتراجع موارد الدخل من النقد الأجنبى، فقد انصبت سياسة البنك المركزى المصرى منذ بداية 2011 على الحفاظ على استقرار الأسعار والاستقرار الاقتصادى، وتلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية المختلفة من النقد الأجنبى، فضلا عن الوفاء بالتزامات المديونية الخارجية فى تواريخ استحقاقها دون أى تأخير. وأكد المصدر أن الاستخدامات الرئيسية لموارد النقد الأجنبى خلال العامين الماضيين، تمثلت فى قيام البنك المركزى بتمويل استخدامات تضم 14 مليار دولار لاستيراد السلع التموينية والمنتجات البترولية، و8 مليارات دولار لسداد أقساط وفوائد المديونية الخارجية، و13 مليار دولار لتغطية خروج المستثمرين الأجانب من سوق الدين المحلية.