تعتبر المجموعة "هجرات" المشروع الشعرى المتطور للشاعرة المكسيكية كلوريا كرفِتز حاملاً هويتها الشعرية حسب آخر إصدار من المجموعة الشعرية التى ترجمها للعربية الشاعر والمترجم العراقى السويدى جاسم محمد، وصمم غلاف نسختها العربية خالد الناصرى وصدرت مؤخراً ضمن سلسلة ترجمات للأدب العالمى تصدرها بشكل مشترك دار نون للنشر والتوزيع الإماراتية فى رأس الخيمة، ودار المتوسط لتنمية القراءة والتبادل الثقافى والتى مقرها مدينة ميلانو الإيطالية، وفى أول إصداراتهما غير العربية، والتى جاءت ضمن "سلسلة الشعر العالمى المترجم" والتى من المتوقع أن تصل إلى اثنى عشر إصداراً شعرياً مختلفاً من أنحاء العالم. هجرات فى طبعتها العربية المترجمة الجديدة التى جاءت عبر 210 صفحات من القطع الكبير، هى المجموعة الشعرية الوحيدة للشاعرة المكسيكية گلوريا گرفِتز، المولدة عام 1943 فى مدينة "مكسيكو سيتي" كحفيدةٍ لمهاجرَين من أوروبا الشرقية. صدر أولُ جزء منها بعنوان "شخاريت" عام 1979، ثم عادت لتصدر تحت العنوان الحالى بطبعات متتالية لكن على أوجه أخرى، إذ أصبحتْ مشروعا حياتياً لا ينقطع لا تلغى سابقتها بل تقدمَ رؤىً أكثر تطوراً مع التطور الدائم لوعى الشاعرة الإنساني. يشير مترجم المجموعة من الإنجليزية الشاعر والمترجم العراقى السويدى جاسم محمد فى تقديمه للطبعة العربية من المجموعة بقوله: إن القصيدة توسعتْ تمددتْ ارتفعت وكأنها الكون فى صيرورته، وكأنها الهجرةُ ذاتها – هجرةٌ خارجَ الجسد وداخله. وكلُّ مرةٍ تصدر فيها القصيدة يتغير شيءٌ ما، حتى حين تصدرُ مترجمةً ويقتبس عن المجموعة لتوصيفها "هكذا هى الحياةُ، هكذا هى الهجرةُ – مشروعٌ دائم ينبشُ فى الذاكرة كمنبع تتدفقُ منه القصيدة". وعن المضامين الشعرية التى حملتها المجموعة يشير يوضح جاسم: بأنه على الرغم من كون الهجرة الخارجية وألمها هما المحورُ الظاهر للقصيدة بكل ما تعنيه من اجتياز للحدود فى البقعة الجغرافية المحدودة تبقى صيرورةُ الشاعر جوهرَ النصِّ الشعري. ففى مُستهلِّ قصيدةِ أيلول تستشهد بالشاعر رابى سوسيا الذى قال قبل موته: حين أقفُ على عتبة السماء سوف لن يسألوني: لماذا لم تصبحْ كموسى؟ وإنما: لماذا لم تصبحْ كسوسيا؟ لماذا لم تصبحْ من كان بوسعك أن تكون؟ ويطرح أيضاً المترجم تساؤلاته حول تلك المضامين التى تقدمها قصائد المجموعة: ماذا تفعلُ القصيدةُ بالشاعر، أهو ذاته كما كان قبلَ كتابتها؟ وسؤال آخر: من نحن بعد أن نسترجعَ الذاكرة؟ هل الكتابة فى إحدى معانيها هجرةٌ أخرى؟ والتذكُّر أيضا؟ الهجرة فى جوهرها تحوُّل مُشْرعٌ على كل الاتجاهات والذاكرة كذلك. شيءٌ ما يحدث معنا حين نشرع بالكتابة أو التذكُّر إذ أنّ استرجاع الذاكرة ليس فقط تدويناً لزمنٍ مضى أو لسيرة تاريخية إنما سبيلاً لمعرفة ما آلتْ إليه الذاتُ البشرية، سبيلا للارتقاء نحو ما يمكنها أن تؤولَ إليه. فى أحد الأحاديث معها عن مشروعها الشعرى تذكرُ گلوريا: “اكتشفت ذاتى عبر القصيدة، أدخلتنى فى زمنها وتفاصيلها عنوةً، وأنا القليلةُ الصبرِ تعلمتُ الصبر." جدير بالذكر أن الشاعرة گلوريا قد شرعت بكتابة "الهجرات" فى آب 1976 ولا تزال تقيمُ فيها. وفى أنتولوجيا الشعر المكسيكى الحديث ( 1950 – 2005 ) يشير الناقد الفنزويلى ميغيل غوميز إلى أنه يمكن تمييز الشعراء المكسيكيين عن بعضهم البعض ليس عبر أساليبهم الكتابية بل عبر نظرة الشاعر إلى مكانه وتأريخيّةِ دوره. إذ أن الشعراء المكسيكيين يهتمّون بالاستمرارية والتاريخ وبعلاقتهم بمن سبقوهم. الخروجُ عنهم سبيلٌ محتمل لكن ليس رغبةً آنيّة. ويذكرُ أن الشعر الحديث ينصت إلى الواقع كما هو لكن فى الوقت ذاته، كما هو الحالُ مع كلِّ الفنون، يدون العالم ويحاول تغييرَه. قصيدة گلوريا فى المجموعة مشرعةٌ على الأساليب والتقاليد الشعرية، خاصةً الأعمال الشعرية التى لازمتْ كتابتها الشاعرَ طوال حياته كديوان عزرا باوند "الأغاني". ويتضحٌ أيضا أن صيرورتها استغرقتْ زمنا طويا خاضَ الشعرُ فيه بشكل عام مساراتٍ مختلفة فى أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، بالتالى فإن قصيدة الشاعرة گلوريا مبنيّةٌ على الحكاية رغم أنها تومضُ بعض الأحيان بسطور فلسفية تمنح القصيدةَ أبعاداً أخرى. وفى نهاية تقديمه للمجموعة يشير الشاعر والمترجم على أن هذه الترجمة تمت عبر اللغة السويدية واللغة الإنجليزية بالتعاون مع الشاعرة نفسها. فاتحاً المجال أمام المترجمين العرب الآخرين لتقديم ترجماتٍ أخرى عن المجموعة أو ربما عن نسخة قادمة منها باللغة العربية نقلاً عن الإسبانية مباشرة.