"بنشات" الجامعة هى المكاتب التى يسند عليها الطلبة لكتابة المحاضرات، ولكن إذا اعتقدت أن هذه هى وظيفتها الوحيدة فأنت مخطئ, فالبنشات الآن أصبحت أقرب إلى العيادة النفسية للجامعة للتعبير والتنفيس عما يجول بخاطر الشباب من أفكار ومشاعر، ومن ناحية أخرى يتخذها بعض الشباب كوسيلة للتعارف مع الآخرين بكتابة عنوان بريدهم الإلكترونى أو رقم المحمول.. "عيون وقلوب واسامى... فنان يا واد من يومك" من الواضح أن أغلب طلاب جامعات جمهورية مصر العربية، أرادوا دخول كلية الفنون الجميلة أو التطبيقية، ولكن مع الأسف الشديد خذلتهم الثانوية العامة فاستسلموا لما اختاره التنسيق، ولكن مع عدم التخلى عن موهبتهم فى الرسم والعمل على تشجيعها وتنميتها على "بنشات الجامعة".. نعم فهى مليئة بكثير من الرسوم التشكيلية والتجريدية وأحيانا الشخابيط القادرة على سرقة العيون نحوها، وما يفاجئك أن معظم هذه الرسومات تكون متقنة وعلى درجة عالية من الحرفية. "أنا آسف يا سوسن بليز يا جماعة قولوا لسوسن إنى آسف وخليها تسامحنى"... "يا سوسن أحمد بيقولك أنا آسف".."سامحيه بقه وخلى قلبك أبيض ده الواد بيحبك وبيموت فيكى.." لا تتعجب من تلك الجمل، فهذا هو نص حوار مكتوب على أحد "البنشات" بالجامعة، وكأن هذا الشاب لم يجد من يساعده على جعل سوسن تسامحه إلا بالكتابة على "البنشات" وجعل كل من يرى كلامه يكتب لسوسن حبيته أن تسامحه، وبالفعل يتفاعل الطلبة مع العاشق المجهول ويطلبون من "سوسن" أن تسامحه وتمر الأيام ويأتى الخبر السعيد الذى طال انتظاره، وهو أن "سوسن سامحت أحمد" وهو الخبر الذى جعل أحد الطلبة يرسم "قلبا كبيرا أحمر" ويهديه إليهما، وبالفعل أصبح أحمد وسوسن بطلا قصة حب البنشات، وكأن بنشات الجامعة تحولت فجأة إلى ملتقى العشاق. "أنت إنسان خاين.. انتو الاثنين زى بعض" من قال إن الجرح فى الحب يكون فى القلب فقط فهو مخطئ، لأن جرح "شباب اليومين دول" مختلف نوعاً ما، فتجد على هذه "البنشات" العديد من القصص المؤثرة عن الحب وسنينه، فترى فتاة كتبت قصتها عن "حبيبها اللى خانها مع صاحبتها" بل تطلب منك أن تعطيها نصيحة لكى تكمل حياتها، والغريبة أن الطالبات يتفاعلن معها، ويعطين لها نصائح لكى تستطيع أن تنساه ومن هنا تبدأ عبارات اللوم على صنف الرجالة باعتباره العامل المشترك فى كل مصيبة تحدث للفتيات. وتكتب جمل كثيرة فى هذا الشأن تنحصر فى "لا للرجالة... دول خاينين" وبالطبع لن يقف الرجال مكتوفين الأيدى "وشايفين نفسهم بيتبهدلوا" فيشتركون أيضا فى حوار البنشات وتبدأ بإلقاء اللوم على جنس الفتيات النمرود ومن هنا يتحول بنش الجامعة إلى ساحة قتال بين الشباب من الجنسين سلاحها الكلمات والرسومات. "لو حد يعرف كلمات أغنية هيرو ياريت يكتبها" فإذا أردت الحصول على كلمات أى أغنية عربية أو أنحليزية مهما كانت نادرة ما عليك إلا التوجه لبنش الجامعة وكتابة اسم الأغنية التى تريد الحصول على كلماتها" وسوف تجد فى غضون ساعات قليلة كلمات الأغنية مكتوبة لك وليس هذا فقط، بل أحياناً يصاحب الأغنية تاريخها وسيرتها التاريخية وبعد عبارات الشكر والمديح على مدى حسن ذوقك فى اختيارك لهذه الأغنية. " 12/5/2006 عمرى ما هنساه اليوم ده... لأنك دخلت حياتى فيه" بمجرد جلوسك على أحد البنشات ستجد تواريخ عديدة مكتوبة عليها وغالباً ما يصاحبها بعض التعليقات التى توضح هذا التاريخ فكثيراً ما تعبر عن ذكريات أليمة يعيشها بعض طلاب الجامعات التى لا يجدون مكاناً غير بنشات الجامعة لكى يكتبوا هذه الذكريات فتجد منها ما يخلد ذكرى حب وارتباط والبعض الآخر يلعن هذا التاريخ لأنه فارق حبيبته فيه. " قلبك غالى أوووى عليه وعليك... خلى بالك منه" لا يخدعك تفكيرك وتعتقد أن طلاب الجامعة "عيال فاضيه" بل لهم بعض الفلتات التى تظهر فلسفتهم ونظرتهم فى الحياة والبنشات هى المكان الوحيد الذين يحظى بهذه الفلسفة وبحكمهم فى الحياة، فتجد الحكم فى كل مكان فى المدرج والغريبة أن هؤلاء الطلبة على قدر عال من الثقافة بعكس ما يعتقدهم البعض بكتابتهم بجمل لعبارات شكسبير وشعر نزار القبانى ورباعية من رباعيات صلاح جاهين، بل أحياناً عبارات وجمل من وحى خيالهم. " عربى.. إنجليزى.. إيطالينو.. فرنساوى... أفرانكو" فاللغات التى تكتب بها على بنش الجامعة كثيرة ويتوقف اختيار اللغة على القدرة التى يستطيع أن يصل مشاعره بها، وأحياناً يتدخل بها عامل "المنظرة" فهناك العديد من الشباب وجد أن اللغة العربية القادرة على توصيل إحساسه أو بمعنى آخر "علشان يفهمها كل اللى بيشوفها" ومنهم من يكتب بلغة غير معروفة بالنسبة لكثير منا، وهى اللغة الفرنسية والإيطالية" علشان يتمنظر" وأخيرا ظهرت فى هذه السنوات لغة فرانكو آراب أى الكتابة باللغة العربية ولكن بالحروف الأجنبية، فهى أكثر شعبية من غيرها وتعتبر اللغة المفضلة لدى الشباب عندما يقررون الكتابة على البنشات.