ملابس شيك، بأسعار زهيدة، مستعملة، أو بها عيوب طفيفة فى الصناعة، لكنها تفى بالغرض، وتدخل الفرحة على متوسطى الدخل كل عيد، إنها أسواق الملابس للفقراء، مثل الوكالة، والموسكى، سوق شبرا، والعديد من المحلات التى تمتد من الجيزة إلى حلوان، مرورا بالسيدة زينب، والعتبة. هناك يمكن أن تجد فيها كل أنواع الملابس، التى تناسب كل الأذواق والمقاسات، ولا تثقل الكاهل بحمل مادى إضافى، فطلبات العيد لا تنتهى، و"عزومات" الأهل والأقارب، تثقل كاهل المصريين فى كل عام، وقبل أيام من حلول عيد الأضحى المبارك، تجول "اليوم السابع" داخل عدد من أسواق الملابس الشعبية، وكانت المفاجأة، أن الإقبال على تلك الأسواق هذا العام، قل كثيرا عن الأعوام الماضية، بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وزيادة أسعار السلع الغذائية الأخرى، والكهرباء، والسولار، والموصلات. شوارع شبه خالية، وبضاعة راكدة، لا تجد من يشتريها، مشهد جديد على باعة وكالة البلح، التى كانت تكتظ بالزبائن قبل كل عيد، حيث تمثل المعروضات من ملابس "البالة"، وتلك التى تحمل عيوب الصناعة، بضاعة رائجة للفقراء، ومتوسطى الدخل، الذين يجدون هناك كل ما يحتاجون إليه، هم وأولادهم، بأسعار تبدأ من 10 جنيهات، وقد تزيد، خاصة بالنسبة للمركات العالمية، التى يمكن أن تجدها فى شوارع الوكالة بربع الثمن، أو أقل. وقد انعكست الأزمة الاقتصادية على عملية البيع والشراء بالوكالة، كما يؤكد محمد بدوى، بائع بالوكالة قائلا: "السوق تعبان خالص، والناس بتدور ازى تاكل مش ازاى تلبس جديد"، مضيفا أنه اضطر هذا العام لتخفيض ثمن معروضاته من الملابس لأقصى حد، حتى يستطيع سداد الديون المتراكمة عليه، لتجار بورسعيد، ويضيف بدوى أنه قام بمنح العاملين لديه إجازة يومين فى الأسبوع، بدل من يوم واحد، لأنه لا يستطيع طرد أحد، رغم الكساد، فجميعهم يشقون لكسب قوتهم، مثله تماما. أزمة أخرى يعيشها بائعو الملابس بالوكالة، وتتمثل فى مزاحمة أصحاب الاستندات المخالفة لهم، الذين ينتشرون من الإسعاف، حتى بداية شارع الوكالة، الأمر الذى يقتطع من مبيعاتهم، لصالح الاستندات، التى تمد ركاب المترو، والموظفين العاملين بمنطقة الإسعاف ووسط البلد، بملابس بأسعار مناسبة، دون الحاجة للتوغل داخل شوارع الوكالة. يقول أحمد العدوى أن مبيعاته فى هذا العيد، قلت عن مثيلتها فى العام الماضى بنسبة 60%، مما سبب له خسارة كبيرة، تزامنت مع ارتفاع أسعار الكهرباء، الأمر الذى منعه من شراء الموديلات الجديدة لهذا العام، فاكتفى بعرض موديلات العام الماضى، وأبرز فى الواجهة الملابس منخفضة الأسعار، التى تتراوح ما بين 10 إلى 15 جنيها. وقد دارت العديد من المشادات فى فترات سابقة، بين أصحاب المحال القديمة بالوكالة، وأصحاب الاستندات، والتى تنتهى دائما إلى لا شىء، بسبب غياب الشرطة من جانب، وتعاطف عدد من أصحاب المحال مع أصحاب الاستندات من الشباب. يقول "محمد" أحد بائعى الوكالة، إنه لا يقدر على تحمل ذنب قطع عيش شاب مثله، فالحياة "نار"، "ومش معقولة نيجى على الشباب"، وأثناء حديث محمد، طلبت منه إحدى الزبائن، تخفيض ثمن أحد قطع الملابس لما يزيد عن 40 جنيها، فوافق محمد بعد جدال طويل، لأن البيع عنده دون مكسب، أو بمكسب قليل، أفضل من كساد بضاعته. ويضيف حسن الشيخ، أحد بائعى الوكالة، أنه اضطر إلى إزالة الإضاءة من واجهة محله، بعد أن جاءته فاتورة الكهرباء للشهر الحالى ب 2500 جنيه، وهو مبلغ مرتفع جدا، عن الأشهر الماضية، وقد كان الشيخ ينتظر موسم العيد من كل عام، لتحقيق أرباح هائلة، تكفيه لعدة أشهر، لكن الحال تبدل تماما بعد قيام الثورة، وأصبح كل عيد، "تقل فيه المبيعات عن العيد الذى سبقه". وقد اختلف المشهد فى شارع الموسكى عن مثيله فى شوارع الوكالة تماما، فقد كان الشارع مزدحما تماما، وإن كان الكثير من الرواد من تجار الجملة، الذين أتوا لإتمام عملية البيع والشراء، بينما كان للنساء دائما حضور قوى بالموسكى، لشراء جهاز العرائس، والمستلزمات الأخرى، كما حضر عدد من المواطنين لشراء ملابس العيد بأسعار زهيدة، وكان هؤلاء يقلبون فى الملابس لمدة طويلة، يدخلون بعدها فى جدال واسع مع أصحاب المحال، محاولين الوصول إلى أقل سعر للشراء. ويبدأ حى الموسكى من ميدان العتبة عند كوبرى الأزهر، ويمتد بالتوازى مع شارع الأزهر، لينتهى بمسجد الأزهر الشريف ومسجد الحسين، وهناك يمكن أن تجد كل شىء تطمح فى شرائه، بدءا من النجف والسجاجيد، وانتهاء بملابس الأطفال وجميع أنواع العطارة. تقول فاطمة على، إحدى أقدم بائعات الملابس فى سوق الموسكى، أن زبائن هذه الأيام، أغلبهم سوريون، ممن نزحوا من بلادهم، بعيدا عن وحشية رئيسهم "بشار"، وأنهم يفاصلون على نفس طريقة المصريين، فيبدوا أنهم يعانون نفس الأزمة المالية التى يعانيها جميع المصريين. لكن فاطمة تحمد الله على كل شىء، وتؤكد أن كساد الموسكى كان يتكرر خلال ال20 عاما، التى عملت خلالها فى السوق، فعند تفجيرات الأزهر، ظلت أسواق الموسكى شبه خالية لأيام، لكن الحال سرعان ما عاد إلى طبيعته، ورغم أن انخفاض عملية الشراء قد طال تلك المرة، لكنها ما زالت تحمل الأمل فى عودة رواج بضاعتها، مضيفه أن أكثر ما يحزنها هو ارتفاع فاتورة الكهرباء، التى لم تعد تستطيع دفعها، بسبب كساد الحال.