أوقاف الفيوم تعقد ندوة علمية كبرى للطفل بمسجد التقوى    "أطباء الجيزة" تكرم استشاري تخدير باحتفالية "يوم الطبيب 2025"    بكري يكشف تفاصيل افتتاح الطريق الدائري الإقليمي قبل بدء العام الدراسي(فيديو)    الجيش الأمريكي: قضينا على عنصر بارز في تنظيم داعش بسوريا    العراق "يستقبل" 47 فرنسيا منتمين ل "داعش" لمحاكمتهم بتهم إرهاب    وكيل المخابرات السابق: اتهام مبارك بالتخاذل عن دعم القضية الفلسطينية "ظلم فادح"    إندريك يقترب من العودة لقائمة ريال مدريد أمام إسبانيول    خلص على أبنائه الثلاثة وانتحر.. تشييع جثامين الضحايا في جنازة مهيبة تهز نبروه    عمرو أديب عن سرقة أسورة المتحف المصري: المتهمة لم تبذل أي مجهود لتنفيذ الجريمة    سهر الصايغ تتصدر أحداث الإثارة في مسلسل «لعدم كفاية الأدلة»    شيرين عبد الوهاب تنفي إقامة حفل غنائي لها في الإمارات    أشرف زكي يزور عيد أبو الحمد ويطمئن على حالته الصحية    "القومي للمرأة" يشيد بملتقي أولادنا الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة برعاية الرئيس السيسي    إيناس الدغيدي بفستان الزفاف.. جلسة تصوير بالذكاء الاصطناعي بعد إعلان زواجها    هل رفع الصوت بالقراءة في الصلاة لتنبيه شخص آخر يبطلها؟.. أمين الفتوى يجيب    موعد صلاة العشاء.. ودعاء عند ختم الصلاة    وزارة الصحة تطلق خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع التعليم والأزهر    التشكيل - سالم الدوسري يقود هجوم الهلال.. وكيسيه في وسط أهلي جدة    فوز الداخلية وتعادل بلدية المحلة والقناة بدوري المحترفين    موعد مباراة الفيحاء والشباب في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    خصم 50% على دورات اللغات لطلاب الثانوية في الوادي الجديد    القاهرة الإخبارية: نتنياهو أمر الجيش بهدم مدينة غزة حتى جذورها    غرق شاب في بوغاز رشيد وجهود مكثفة لانتشال جثمانه بكفر الشيخ    وزير المالية الألماني: برلين تتابع أزمة الديون الفرنسية بقلق    لجنة المنشآت الآيلة للسقوط في الإسكندرية تتابع درجة ميل العقار المائل بالمندرة    5 فوائد غير متوقعة لتناول كوب من عصير الكرفس يوميًا    قصف على مسجد في الفاشر يودي بحياة أكثر من 70 مدنيًا وسط استمرار الحصار    دمج ذوي الهمم في بطولة الشركات لأول مرة    وزير الزراعة يبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين مصر والمملكة المتحدة    ضبط 10 تجار سجائر بالغربية يقومون بالبيع بأزيد من التسعيرة الرسمية    5 أعراض تكشف عن وجود مشكلات في النظر    افتتاح مسجد الرحمن في بني سويف بعد إحلاله وتجديده بالجهود الذاتية    تقرير برتغالي: فيتوريا قد يعود لمصر من بوابة الأهلي    لم يُنزّل من السماء كتاب أهدى منه.. إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها    وزير الدفاع الإسرائيلي ل زعيم الحوثيين: سيأتي دورك    خلل صادم في كاميرا آيفون 17 يثير الجدل.. والشركة تكشف سر الصور المشوّهة    محافظ أسوان: غرامة 50 ألف جنيه لمُنتهكي حرم الطريق بالحواجز الحديدية أو «الإستندات»    الصحة توضح 7 خطوات لاستخدام حقيبة ظهر مدرسية بشكل صحي للأطفال    نتنياهو: نوجه لحماس ضربات قوية ولن نتوقف    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    برامج مميزة ومدن جامعية محدثة.. جامعة قناة السويس تبدأ عامها الجديد    تداول 19 آلاف طن و952 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    "ليكن نور".. المؤتمر الأول لذوي الهمم بإيبارشية حلوان والمعصرة    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    وظائف الأزهر الشريف 2025 .. فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد ب9 آلاف فرصة    فيريرا يطلب مهاجمًا أجنبيًا جديدًا ويمنح الضوء الأخضر لرحيل الجزيري    أسعار الدولار في البنوك المصرية اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وطبق البيض بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سرقة الثورة.. وخطايانا التسع
نشر في اليوم السابع يوم 09 - 09 - 2012

فى هذا المقال لن أسأل: "لماذا فشلت الثورة؟". ففشلها أو عدم فشلها مسألةٌ أظن أن الحكم حكمًا نهائيًّا عليها الآن سيكون متعجلاً، وغير دقيق.
ولكنى سأتساءل: كيف قامت الثورة ثم فشلت فى اعتلاء الحكم وفرض إرادتها على الجميع فى كل استحقاق، من أول استفتاء مارس مرورًا بانتخابات الرئاسة، وانتهاءً بالانتخابات البرلمانية؟ فهذا هو السؤال الحق والأهم الآن، فى رأيى، إن شئنا استخلاص دروس للمستقبل من الماضى القريب.
بوسعنا أن نقول أكثر و"أسوأ" مما قاله مالك فى الخمر عن دور كلٍّ من المجلس العسكرى والإخوان وفلول دولة الحزب الوطنى العميقة فى سرقة الثورة وتشويه الثوار وتكريه المواطن العادى فيها وفيهم، وكذلك بوسعنا قول الشىء نفسه عن دور الجهل والسلبية وانعدام الوعى السياسى فى إيصالنا إلى النتيجة نفسها، لكن الحقيقة أن هذا كله قُتل بحثًا، وقيل فيه أغلب ما يمكن أن يُقال.
إننى سأحاول فى هذا المقال أن أضع يدىَّ على الأخطاء، أو بالأحرى الخطايا، التى وقع فيها الثوار – بغير عمد، فى أغلب الأحيان – وأسهموا بها فى تحقيق النتيجة المؤسفة نفسها: أن الثورة قامت لكنها لم تستطع فعل ما تفعله أغلب الثورات: "أن تزاحم، أن تفرز، أن تملى إرادتها، ثم أن تتولى مقاليد الحكم قبل أن تدخل الأمور مجددًا فى تجويف التجميد العميق لأجَلٍ يصعب التكهُّن به".
الخطيئة الأولى، والأخطر فى نظرى، هى: أنه لا أحد تقريبًا من "الأنتلجنسيا" أو طبقة المفكرين قام بدوره الفكرى الواجب تجاه الثورة قبل قيامها، ولا أحد كان يُبشر بها أو يُنَظِّر لها ويعمل عرَّابًا لها فينير الطريق أمام الثوار الشباب الحائرين حين يقومون بثورتهم.
صحيح أن أصواتًا كثيرة انطلقت فى البَرِيَّة تحذر من سيناريو التوريث وأن حركاتٍ وأفرادًا ومجموعاتٍ حاولوا المناورة فى مناسبات بعينها أو بشكل مستمر كمعارضين نشطين فى الحيز الضيق الذى كان متاحًا قبل الثورة، إلا أن كل تلك الجهود ظلت استثنائية وغير منظمة من ناحية؛ وغير قادرة على رسم إطار نظرى للثورة المأمولة من ناحية أخرى.
وربما باستثناء مقولة الدكتور البرادعى: إن "الشعب إذا نزل إلى الشارع فإنه سيكون النزول الأول والأخير". فإنه لا يمكننا القول: إن هناك مَن توقع حدوث ثورة بالمعنى الصحيح للكلمة، والمتعارف عليه فى كتب العلوم السياسية، أو مَن بَشَّر بها، أو حتى حذر منها.
لقد كان بوسع الأحزاب الحقيقية والحركات المدنية المعارضة فى عصر مبارك أن تنجز فى سنوات حكمه الأخيرة العديد من المشروعات الفكرية المهمة التى كانت بالتأكيد ستفيدنا الآن وتَحُول دون سرقة الثورة على يد الطرف الأكثر جاهزية، ودون إصابة الثوار بالحيرة والتخبط بعد أن خرجوا إلى الشوارع ووجدوا أنهم يقومون بثورة بالفعل "مشروع دستور جديد محترم للبلاد، مشروع للتحول يسارًا، ومشروع لتنقية التقنينات المصرية المختلفة من الكثير من مواد الحشو والسخف والظلم".
صحيح أن نظام مبارك كان يضيِّق الخناق بشدة على الأحزاب وعلى الحركات المعارضة ويحبسها فى مقارها، وعلى صفحات جرائدها، لكنه لم يكن ليقدر على منع مفكريها من إعداد مثل هذه المشروعات المهمة التى لم تكن تحتاج لأكثر من إرادة الفعل والقدرة على التنسيق.
ولذلك، على سبيل المثال، فإننا رحنا نبحث بعد الثورة عن مشروع جاهز للانتقال بالمجتمع وبالاقتصاد إلى اليسار، بعد أن اندلعت ثورة طالبت – ضمن ما طالبت به – بالعدالة الاجتماعية، وهى من شعارات اليسار ومبادئه الكبرى، فلم نجد شيئًا جاهزًا - للأسف - لدى المعارضين والمفكرين اليساريين، ولم نجد سوى مشروع التحول الإسلامى الجاهز والمتربص منذ عدة عقود. وبالمثل، فإن أحدًا لم يعمل على التنظير للثورة بشكل عميق قبل قيامها، وإن أحدًا لم يعمل على رسم ملامحها النظرية المتوقعة وخطوطها الفلسفية العريضة المأمولة، مثلما فعل مُنظِّر ومؤرخ الثورة الفرنسية جان جاك روسو – مثلاً – قبل وفاته قبل شهر من اندلاع أحداثها الكبرى، بل إن من المفارقات أن أديبًا هو أحد أبرز الرموز الثقافية التى ازدادت لمعانًا وثروة بفضل الثورة وبفضل تنظيره الثورى المتقد لها بعد قيامها، كان قبل أقل من عامين من 25 يناير قد جمع عددًا من مقالاته السياسية الساخنة فى كتاب بعنوان "لماذا لا يثور المصريون؟"، ويا لها من مفارقة! وبالتالى كانت الثورة بلا بوصلة نظرية، وبلا خلفية فكرية، تساعدانها على التصدى لقضايا معضلة مثل موقفها من نسبة العمال والفلاحين فى المجالس التشريعية، ومن قضية شكل نظام الحكم الأمثل لمصر، ومن كيفية ترشيد الدعم بدون المساس بحقوق الفقراء.
أما الخطيئة الثانية فتمثلت فى عدم اختيار مجلس قيادة موحد للثورة يستطيع التفاوض باسمها ويمكنه تسلم السلطة بمجرد تنحى المخلوع.
صحيح أن أحد مزايا الثورة فى بداياتها كان أنها بلا قائد أوحد يسهل تحويله تدريجيًّا إلى إله ديكتاتور جديد بعد خلع مبارك أو يسهل على مبارك قتله أو شراء ذمته إذا كان مبارك قد آثر اللجوء لسيناريو بشار الأسد، فتضعف جذوة الثورة ويصاب الثوار بالتخبط الحاد؛ لكن هذا الوضع ما كان يجب أن يستمر أبدًا لمدة طويلة خلال ال 18 يومًا، وكان يجب علينا تحديدًا بعد جمعة الغضب التوقف عن التشكيك المستمر والمريض فى كل الأفراد والرموز والتيارات بلا استثناء، لكى نمنح الفرصة لعناصر محترمة ونزيهة مختارة من تيارات أربعة على الأقل لتتوحد لتشكل مجلس قيادة مدنيًّا للثورة يتولى زمام الأمور تلقائيًّا بعد تنحى مبارك، أو ينازع المجلس العسكرى فى الحكم ويتعامل مع الأخير بوصفه – أى مجلس قيادة الثورة – مجلسًا رئاسيًّا ذا شرعية ثورية لابد للجميع - من العسكر كانوا أو من الإخوان - من احترامها.
والخطيئة الثالثة هى مغادرة الميادين بسرعة، وبمجرد أن أعلن عمر سليمان تخلى مبارك عن السلطة، وأعلن المجلس العسكرى "انتصار الثورة"، وطالب الشباب بالعودة إلى مساكنهم وأعمالهم والاطمئنان إلى أن ثورتهم باتت فى "أيدٍ أمينة".
فى الحقيقة هذا كان فخًّا كبيرًا جدًّا وقعنا فيه كلنا تقريبًا – بمن فينا كاتب هذه السطور – وما كان ينبغى لنا أبدًا مغادرة الميادين بسرعة هكذا قبل أن تتحقق أهداف مهمة أخرى كان يجب إنجازها بعد رحيل مبارك، مثل تنقية المؤسسة العسكرية والنيابة العامة من الفاسدين؛ لأن رحيل مبارك لم يكن بالتأكيد الهدف الأوحد للثورة.
كان يجب علينا أن نتحلى ب "نَفَسٍ سياسى أطول" ووعىٍ أكبر، وأن نستمع باهتمام أشد إلى تلك الأصوات القليلة التى أخذت تحذرنا من فخٍّ مَا يُنصب لنا بدهاء على يد طرفين متحالفين جديدين.
والخطيئة الرابعة هى عدم تنقية الصف الثورى من العديد من الانتهازيين والأفَّاقين ومحبى الظهور والفرقعة والساعين لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب البلد والثورة والشهداء.
فمثلاً كان يجب على الثوار أن يفطنوا مبكرًا جدًّا، وتحديدًا منذ جمعة الانتصار التالية للتنحى، إلى أن رموز الإخوان المسلمين يسعون للظهور فى ميدان التحرير، وكأنهم أصحاب الثورة الحقيقيون، أو ربما الوحيدون، رغم مشاركة جماعتهم المتأخرة والمحدودة فعليًّا فيها، وإلى أن هؤلاء الرموز الإخوانيين قدَّموا – بعد ذلك بشهرين – عصام شرف فى التحرير أيضًا وكأنه موظف عندهم ولولا رضاهم عنه لما عاد من ظلمات النسيان وتولى رئاسة الوزراء، وما كان يجب عليهم أن يمنحوا فى الميدان أى شرعية لذلك الداعية التابع للإخوان الذى راح يظهر فى قناة الجزيرة المشبوهة مقدمًا نفسه بوصفه عضو ائتلاف قيادة الثورة الحقيقى وموزع صكوك الوطنية والعفة.
وكان يجب على الثوار كذلك أن يلفظوا، بل وأن يسحقوا معنويًّا، العديد من الشباب السياسيين الأفَّاقين الذين كانوا شديدى الحماس للثورة أثناء ال 18 يومًا، وكانوا يملأون الشاشات وصفحات الجرائد بالأحاديث والتصريحات والتحليلات الثورية، ثم اختفوا فجأة، ثم أصبحوا يعرضون خدماتهم بشكل أقل علانية على الطرف الأقوى أو المرشح لأن يكون الأقوى، حتى ولو لم يكن ثوريًّا، ثم هاهم يتحالفون علنًا مع هذا الطرف.
وكان على الثوار التدقيق بصرامة فى مدى صحة المزاعم حول حقيقة انتماءات الداعين الأوائل عبر الإنترنت للتظاهر، وفساد الذمم المالية لبعضهم، ورموز إحدى الحركات المعارضة التى كانت موجودة قبل الثورة، ثم ذاع صيتها أكثر بعدها ثم أصبحت محل العديد من الشبهات، وبعض الإعلاميين والكُتاب الذين استفادوا من الثورة أشد الاستفادة، ثم غيروا تحالفاتهم على نحو مريب، إما لينضموا للركب المدافع عن الإخوان؛ وإما لينضموا للركب المتمسِّح فى العسكر.
الخطيئة الخامسة هى القبول "الثورى" بالعديد من الخطوات القاتلة للثورة التى ما كان ينبغى أبدًا القبول بالالتجاء إليها، وأبرزها: استفتاء مارس، وتأسيس أحزاب على أساس دينى واضح.
كان يجب رفض فكرة الاستفتاء على تعديل الدستور من الأساس، ولا أقول كانت تجب مقاطعة الاستفتاء أو التصويت فيه ب "لا"، وإنما كان يجب رفض الفكرة من أساسها، وكانت تجب العودة للاعتصام فى الميادين بالملايين والتهديد بمزيد من التصعيد لمنع تمرير هذه الفكرة التى كان مفادها باختصار - وخصوصًا بعد التصويت فيها ب "نعم" بأغلبية تكاد تكون ساحقة - هو موت الثورة إكلينيكيًّا، فالثورات تقوم لتتم بعدها كتابة دساتير جديدة نظيفة، لا ليتم ترقيع مؤقت فى الدستور المعيب الذى قامت الثورة ضده أو بسببه إلى أن تهدأ الروح الثورية ويتم تشويه الثورة والثوار، ثم تتم كتابة دستور مشوه كالذى ينتظرنا بالتأكيد.
وبالمثل، ما كان ينبغى على الثوار أن يقبلوا بفكرة تأسيس أحزاب أساسها دينى واضح مثل حزبى الحرية والعدالة والنور فى إطار صفقة بين الإسلاميين والمجلس العسكرى الذى رأى فى التيارات الإسلامية - الإصلاحية وغير الثورية بطبيعتها - الطرف الوحيد القادر على تهدئة الشارع ومنع الثورة من أن تمسه بإصلاحات جذرية فى عقر داره.. كان على الثوار مبكرًا تطوير آلية ضغط لمنع تمرير هذه الجرائم فى حق الحياة السياسية وفى حق الثورة.
والخطيئة السادسة هى المبالغة فى تركيز الهجوم على "الفلول" على نحو تسبب فى تغوُّل الإخوان وخلو الساحة أمامهم تمامًا.
فبرغم قذارة وخطورة الغالبية العظمى من فلول الحزب الوطنى؛ فإنى أظن أنه كان يجب علينا بعد فشل أولئك الفلول فشلاً ذريعًا فى انتخابات مجلس الشعب إدراك أن المعركة المقبلة الحقيقية هى مع التيارات الدينية الانتهازية من ناحية؛ ومع تحالفها الضمنى المُشين مع المجلس العسكرى من ناحية أخرى.
أما الخطيئة السابعة فتمثلت فى أن الثوار لم يملكوا ما يكفى من الوعى لتجنب استدراجهم، بمفردهم وبدون أن يكون معهم طرف إخوانى، ولو كان خفيًّا، إلى معارك جانبية دامية لا أرى حرجًا فى وصف أغلبها بالساذجة وغير المفيدة، من مسرح البالون مرورًا بمجلس الوزراء، وانتهاءً بماسبيرو ومحمد محمود، وهى معارك لم يفقد فيها الثوار دماء وشهداء وطاقة وتركيزًا فحسب؛ وإنما خسروا فيها أيضًا تعاطفًا شعبيًّا كبيرًا، وفقد فيها الميدان والشارع الكثير من وزنيهما وتأثيريهما.
والخطيئة الثامنة هى التشرذم وعدم التوحد بمرور الوقت فى حزب ثورى واحد أو فى حزبين أو كيانين اثنين على الأكثر، وهو ما أضعف الطرف الثورى فى الشارع وفى الصندوق بوضوح، وجعل الثورة تبدو كأنها يتيم يَمُن عليه بقية أطراف المأدبة بفُتات الطعام عند كل استحقاق.
أما الخطيئة التاسعة والأخيرة فهى المثالية الشديدة التى ظل يتصرف بها كثيرون من الثوار والزعماء الروحيين للثورة، إن جاز التعبير..
ففى الوقت الذى لم يستطع فيه الثوار التواصل بشكل براجماتى سهل وسلس مع الشارع خارج الميادين، وشرح وجهات النظر الثورية للمواطنين العاديين الذين نجحت آلة الإعلام الرسمى فى تشويه وتدنيس الثورة والثوار فى مخيلاتهم، وفى الوقت الذى ظل فيه الثوار يخاطبون الشارع خطابًا استعلائيًّا أو معقدًا تارة؛ وإليكترونيًّا بحتًا تارة أخرى، ظل بعض الزعماء الروحيين للثورة يرفضون النزول من برج التنظير العاجى لخوض غمار لعبة السياسة فعليًّا على الأرض، وربطوا نزولهم إليها بشرط مستحيل هو أن تصبح الظروف مثالية أولاً، بدلاً من أن يضحوا من أجل الثورة ومن أجل أحلام الشباب المعلقة عليهم ببعض العرق والبرستيج، وينزلوا إلى الساحة المعقدة فى ظل ظروف غير مثالية فى مجتمع يأمل أن تتحول ظروفه على أيديهم بالتدريج ولو حتى إلى نصف أو ربع مثالية، قبل ينتهى العقد الصعب الجارى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.