إن الشعوب تستطيع أن تقرر مصيرها متى عقدت العزم على شراء حريتها واسترداد كرامتها وكانت مستعدة دائمًا لدفع الثمن، فالذين ثاروا فى 25 يناير 2011، ضد الظلم والطغيان والذل ونادوا بالحرية والكرامة فقتل منهم من قتل وجرح من جرح هؤلاء لم يكونوا إلا ثوارًا للوطن، والذين غصت بهم السجون خلال حكم مبارك من سجناء الرأى لم يكونوا إلا ثوارا للوطن والذين قالوا لا وقتلوا ولم يعلم بهم أحد لم يكونوا إلا ثوارا للوطن، الأحرار، الذين رفضوا الخضوع والخنوع للظلم والطغيان وانتهى بهم الأمر تحت التراب وخلف القضبان فهؤلاء الأحرار لم يكونوا إلا ثوارا للوطن. أولئك جميعًا قدموا أرواحهم فداء للوطن دون أية مطامع كان مطلبهم الوحيد وغايتهم الحرية والكرامة والقضاء على الاستبداد وتغيير وجه مصر الكئيب إلى وجه آخر مفعم بالأمل، أولئك هم الثوار الحقيقيون، الذين هبوا يرفضون الظلم والطغيان انتفضوا وقالوا لا للظلم قالوا لا للذل والمهانة قالوا لا للطغيان، أولئك هم ثوار الوطن المخلصين، الذين أحبوا الوطن فأحبهم فكانت ثورتهم ظافرة منتصرة لأنهم ثاروا من أجل إنهاء الظلم فلم تكن ثورتهم من أجل مآرب شخصية أو فئوية، ولكن كانت فى سبيل الله والوطن أنهم ثوار الوطن الشرفاء، الذين لم يتبعوا ماقدموه من تضحيات بأى من أو أذى، أولئك الذين لم ولن يقبلوا بتهميش أو إقصاء أى مواطن مصرى وأصروا على أن مصر للجميع ولا يمكن لها أن تقوم إلا بالجميع، هؤلاء هم ثوار الوطن المخلصون. لقد كنت بالأمس القريب أقف مدافعًا عن بعض الناس الذين لم يشاركوا فى الثورة، وحتى لو بالدعاء لها بل كانوا من الذين ركنوا للقوم الظالمين، وكانوا كارهين للثورة والثوار فكنت أعذرهم وأقول لنفسى أنهم لا يملكون من الوعى ما يكفى، وغدا القريب سيعلموا الحقيقة، ويعلمون أن الثورة قامت من أجلهم كى يعيشوا كرامًا وأحرارًا، ولكن لم يتغيروا وظلوا يكرهون الثورة ويترحمون على نظام المخلوع، كما ترحم الذين من قبلهم على طغاتهم فقالوا (يا ليت ظلم بنى مروان دام لنا.. يا ليت عدل بنى العباس ما كانا). والغريب لو كان هؤلاء من المنتفعين من النظام البائد أوالقريبين منه أو كانوا من المستفيدين من شبكة الفساد، التى كانت مزدهرة فى مختلف قطاعات الدولة لقلت عندهم حق يكرهون الثورة لأنها تمثل لهذه الفئات كارثة بكل المقاييس، ولكن العجب أن هؤلاء الناس من المظلومين والمقهورين والمسلوبين حقوقهم لقد كانت حياتهم مملوءة بالظلم، وقلوبهم معبأة بالحزن دماؤهم مستباحة، أرواحهم رخيصة، ولكن البعض لا يزالون يشتاقون للعبودية، وكما قال سيد قطب، رحمه الله، إن العبيد هم الذين إذا أعتقوا وأطلقوا حسدوا الأرقاء الباقين فى الحظيرة لا الأحرار المطلق السراح لأن الحرية تخيفهم والكرامة تثقل كواهلهم، والعبيد هم الذين لايجدون أنفسهم إلا فى سلاسل الرقيق وفى حضائر النخاسين فإذا انطلقوا تاهوا فى خضم الحياة وضلوا فى زحمة المجتمع وفزعوا من مواجهة النور وعادوا طائعين يدقون أبواب الحظيرة ويتضرعون للحراس أن يفتحوا لهم الأبواب، أنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر فيحسبون التحرر تمردا والاستعلاء شذوذًا والعزة جريمة، ولا أبالغ فى الوصف إن قلت بأنهم أناس أدمنوا الذل وتلذذوا بالهوان لا يفقهون من أمرهم شيئا فالتناقض البغيض دينهم بلا منازع، لقد أصاب هؤلاء القوم وعلى مدى ثلاثين عامًا ما أصابهم، ورغم ذلك لا يزالون فى غيهم يعمهون واليوم أجد نفسى ملزمًا أن أرفع نفس القلم لأكتب وأقول لهؤلاء اتقوا الله كفاكم ضعفا وسفاهة، فبكم قامت أنظمة الاستبداد والظلم وبكم استمدت بقاءها ل30 عاما من جدار الخوف الذى بنته حولكم وقلة وعيكم هى التى تمد أنظمة الظلم بماء الحياة والاستمرار.