عاصر عمر ابن الخطاب عصر التحولات الكبيرة، فكان شاهدا على المجتمع القبلى المتناحر، فيما قبل الإسلام والعصر الإسلامى بما امتلك من رفعة وسمو، كما شهدت تحولات القوى العالمية واختلال ميزان القوى بين الفرس والروم، وشهد أيضا بداية الإسلام وانتشاره، وكان أحد أعمدة الرئيسية وقت النبوءة وفى خلافة أبى بكر ثم كان صانعا للتاريخ فى ولايته أمر المسلمين. وكانت أهم الديانات المنشرة فى الجزيرة العربية قبل الإسلام والتى عاصرها عمر هى الديانات الوثنية، وانتشرت تعاليم أنبياء الله هود وصالح وضعفت تعاليم الحنيفية دين أبيهم إبراهيم، فكانوا على الوثنية يعبدون الأصنام، أو مشركين كما فى مكة، فقد جمعوا ما بين عبادة الله وعبادة الأصنام، وتواجدت الديانة المسيحية كذلك، لكنها أقل بشكل كبير عن الوثنية، بينما انتشار اليهودية محدود فى بقاع محدودة فى الجزيرة العربية، أشهرها فى يثرب التى أصبحت بعد عهد النبوة "المدينةالمنورة". ومن الناحية العلمية فقد برع العرب فى الفلك وعلم تتبع النجوم والكواكب، واعتمدوا فى معيشتهم على التجارة والرعى بشكل أساسى، ثم بعض الحرف اليدوية الصغيرة، وبعض الزراعات الضيقة، واجتماعيا كان النسب هو العامل الفصل فى مكانة الفرد فى المجتمع الجاهلى، فمن ولد فى عشيرة كثيرة الأنفس ومنها أعيان المدينة فهو "عزيز" و"منيع" فى تعبير ذلك الزمن، ويعنى فى المصطلحات الحديثة مواطن لدولة قوية، أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو "حر" وليس عزيزا فلا يتجرأ على من ينتمى إلى العشائر الأقوى وإلا تعرض لأشد العقوبات من تلك العشيرة ولا تستطيع عشيرته حمايته، وإلا تعرضت هى الأخرى لما تكره، أما "الوافدون" فكانت مكانتهم أقل من الأحرار فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى فكانوا يربطون أنفسهم مع من نزلوا عنده فكان بمنزلة "الكفيل" اليوم فكان يقال فلان مولى فلان، وهم فى حماية أحد الأفراد فى عشيرة تلك المدينة، أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم ويتم استغلالهم للعمل فى الأمور التى يأنف منها أصحاب النسب، أما نظام الحكم فقد كان قبليا بامتياز. ووسط هذه الأجواء ولد هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح، ويجتمع نسب أمه مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى كلاب بن مرة، وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم. وأخوه الصحابى زيد بن الخطاب والذى كان قد سبق عمر إلى الإسلام، وولد عمر بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة، وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ ومجنة وذى المجاز، فتعلم بها التجارة، "وكان من أشراف قريش ومن سفرائها، وكان حال عمر قبل الإسلام مثل باقى قريش، يعبد الأوثان ويُكثر من شرب الخمر ويأد البنات، وله قصة شهيرة فى هذا مفادها أنه فى أحد الليالى أراد أن يتعبد فصنع إلها من التمر، وتعبد له، وبعد قليل قيل أنه شعر بالجوع فأكل الإله، ثم يندم فيصنع غيره فيأكله، وهكذا... وبعد سنين طويلة وبعد إسلامه، وعندما صار أميرًا للمؤمنين أتاه شاب من المسلمين وقال له: "يا أمير المؤمنين أكنت ممن يفعلونه هذا أتعبد الأصنام؟؟ ألم يكن عندكم عقل؟»... فقال: «يا بنى كان عندنا عقل ولكن لم يكن عندنا هداية!!» فى بداية الدعوة شعر عمر بكراهية شديدة للنبى محمد فقرر أن يقتله وما دعم ذلك هو أن حمزة بن عبد المطلب عم الرسول الذى كان مسلما أهان أبا جهل، وهو خال عمر، فأراد عمر الانتقام وعزم على قتل الرسول، وفى الطريق لقيه نُعَيم بن عبد الله وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، فسأله عن وجهته، ولمّا عرف أنه يتجه لقتل الرسول قال له: «أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟...ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه، فعليك بهما". فجن جنون عمر، وانطلق مسرعًا غاضبًا إلى بيته، فوجد الصحابى خباب بن الأرت يجلس مع سعيد بن زيد وزوجته يعلمهما القرآن، فضرب سعيدًا وضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، ولمّا أراد عمر قراءة ما جاء فيها، رفضت شقيقته السماح له بلمسها قبل أن يتوضأ، فتوضأ عمر ثم قرأ الصحيفة وكان فيها: "طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى"، فاهتز عمر وقال: "ما هذا بكلام بشر"، ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". موضوعات متعلقة: فقهاء التنوير: عمر بن الخطاب.. «العقل» أساس الملك .. سار على هدى الرسول القائل: استفتِ قلبك.. وكان دائم إعمال العقل سريع إبداء الرأى فأيده الله من فوق سبع سماوات