أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على الدقة المتناهية للألفاظ القرآنية في سرد القصص القرآني، وتحديداً في قصة نبي الله نوح عليه السلام، مشيراً إلى أن القرآن لا يستخدم الكلمات كمترادفات عشوائية، بل لكل لفظ دلالة زمنية وحسية محددة. وتطرق الجندي خلال حديثه ببرنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة دي ام سي، إلى التفسير العلمي واللغوي لآيات سورة العنكبوت وهود، موضحاً الفارق بين مصطلحات الزمن، ومشهد الطوفان العظيم الذي وصفه بأنه يفوق خيال البشرية بمقاييس العصر الحديث. الفرق بين "ألف سنة" و"خمسين عاماً" وتوقف "الجندي" عند قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، موضحاً الإعجاز اللغوي في عدم استخدام القرآن لصيغة "ألف سنة إلا خمسين سنة" أو "ألف عام إلا خمسين عاماً". وفسر ذلك بأن كلمة "سنة" في القرآن غالباً ما تقترن بالشدة والمشقة، بينما كلمة "عام" تقترن بالرخاء والراحة. وأشار إلى أن ال 50 عاماً المستثنية قد تكون هي الفترة التي تلت رسو السفينة ونجاة المؤمنين، حيث بدأت مرحلة الرخاء والاستقرار وبناء الحياة الجديدة بعد الطوفان. علامة "التنور" وانطلاق الطوفان وفي سياق شرحه لبدء الطوفان، أشار الجندي إلى قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}، موضحاً أن "التنور" هو الفرن المخصص للخبز والمصنوع من الطوب أو الطين، ولفت إلى المفارقة العجيبة التي جعلها الله علامة لبدء العذاب، حيث يخرج الماء (نقيض النار) من موضع النار (التنور)، مما يشير إلى انقلاب الموازين الطبيعية وبدء الأمر الإلهي بإغراق الأرض. سخرية الكفار والجزاء من جنس العمل واستعرض الجندي المشهد الدرامي لبناء السفينة، حيث كان قوم نوح يسخرون منه لكونه يبني سفينة في الصحراء بعيداً عن البحر، مستشهداً بالآية: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}. وأوضح أن رد نبي الله نوح كان يحمل يقيناً بنصر الله {إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، مؤكداً أن الجزاء جاء من جنس العمل، وأن الاستهزاء بالمؤمنين كان مقدمة لعذاب مخزٍ ومقيم. أمواج بارتفاع 3 كيلومترات وفي وصفه لمشهد الطوفان المرعب، توقف الجندي طويلاً عند التشبيه القرآني: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}. ودعا للتأمل في هذا التشبيه، مشيراً إلى أن الجبال قد يصل ارتفاعها إلى 2850 متراً (قرابة 3 كيلومترات). وقال الجندي: "تخيل أن الموجة الواحدة ارتفاعها يوازي ارتفاع جبل شاهق يبلغ 3 كيلومترات"، موضحاً ضآلة حجم البشر وقدراتهم أمام غضب الطبيعة المسخرة بأمر الله. وقارن الجندي هذا المشهد بما نراه اليوم من كوارث طبيعية مثل "تسونامي"، حيث تظهر السيارات والمنازل والشاحنات وكأنها "علب ثقاب" أو ألعاب صغيرة تتقاذفها المياه، مؤكداً أن طوفان نوح كان أعظم وأهول، حيث ابتلعت المياه كل شيء ولم ينجُ إلا من حمله نوح معه في السفينة.