"الجمهور عايز كده".. العبارة التي اتخذها دعاة الإسفاف لسنوات طويلة ذريعة لتبرير ما يقدمونه من فن هابط ومحتوى إعلامي ركيك عبر الشاشات، سقطت اليوم أمام تجربة حقيقية أعادت تعريف ما يريده المتلقي. برنامج «دولة التلاوة» نجح فى نسف هذه المقولة تمامًا، بعد أن تصدّر نسب المشاهدة واحتل التريند فى مختلف أنحاء الوطن العربي، متفوقًا على أغاني المهرجانات وفيديوهات التيك توك وما يسمى ب"البرامج الساخنة" التي لا تبحث إلا عن ضجة مؤقتة. ليعلن بوضوح أن "الجمهور عايز كده" بالفعل: محتوى راقٍ يحترم العقل ويستند إلى قوة مصر الناعمة وتراثها الممتد. تمكّن برنامج «دولة التلاوة» من تصدّر التريند دون أن يسعى وراءه، وأن يحقق نسب مشاهدة غير مسبوقة دون مطاردة الأرقام. استطاع أن يجمع الأسرة المصرية والعربية مجددًا حول الشاشة في موعد ثابت، وأن يرد للتلفزيون ألقه وهيبته بعدما طغت الشاشات الصغيرة والمحتوى القصير على المشهد الإعلامي خلال السنوات الأخيرة. وأثبت البرنامج أن المشكلة لم تكن يومًا في الجمهور، بل في ما يُقدَّم للجمهور. فالناس تتعطش بالفعل لإعلام حقيقي، شريطة أن يأتي في شكل احترافي «متعوب عليه»، يتماشى مع معايير العصر من إخراج، وتصوير، وصياغة، وأسلوب سرد جذاب يليق بفكرة مبهرة في أساسها. وليس دعاة الإسفاف وحدهم من يحتاجون اليوم إلى إعادة النظر في شعارهم المتهالك، بل أيضًا كل من يملك فكرة هادفة ولم يبذل الجهد الكافي لتقديمها بصورة تليق بها. كثيرون يبحثون عن مبرر لانخفاض نسب المشاهدة فيتهمون الجمهور بأنه "ما بقاش يحب غير الإسفاف". لكن الحقيقة أن الفكرة الجيدة ليست كافية وحدها؛ تحتاج إلى عمل وإبداع واحترام للمشاهد حتى تصل إليه. ليتأكد الجميع، أخيرًا، أن الجمهور «عايز كده» فعلًا: فنًا راقياً، إعلامًا حقيقياً، ومحتوى سوشيال ميديا يليق بذوقه وعقله.