أعتقد أننا على وفاق حول أن الانتخابات البرلمانية المصرية تشكل حدثًا تربويًا قبل أن يكون سياسيًا؛ كونها تعد تجربة تعليمية تعلمية، تستهدف تحسين الممارسات، وتنمية الخبرات، لدى كل من المتعلم والمواطن؛ لأنها تتيح فرصة ممارسة الحقوق والواجبات، وفهم آليات الدولة فى إدارة شؤونها، ومعرفة دور البرلمان كمؤسسة تعمل على تعزيز قيم الديمقراطية والمواطنة، وهنا نوقن أن المشاركة فى هذه الاستحقاقات تساعد على صقل شخصية المواطن، وتعمل على تنمية إدراكه لعمق القرارات السياسية وأثرها على المجتمع، ما يجعل الانتخابات بمثابة مدرسة تربوية لتعلم الحوار والنقاش البنّاء والالتزام بالمسؤولية، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الانتخابات البرلمانية تعمل على تربية الفرد سياسيًا، وتشكيل وعيه بما يحقق المشاركة الفاعلة فى بناء الوطن. تُعد الانتخابات البرلمانية مؤشرًا على مدى وعى المواطن، وإدراكه لمسار الدولة السياسي؛ فهى تعكس قدرة الفرد على متابعة الأحداث المحلية والدولية، وفهم القرارات السياسية، واستيعاب البرامج الانتخابية للمرشحين، كما أنها تظهر مدى نضج المجتمع وقدرته على ممارسة النقد البناء والتحليل الموضوعي، بعيدًا عن فلسفة الانحياز أو التأثر بالشائعات، ومن هنا، تُظهر الانتخابات دورها فى تكوين الوعى السياسي، وتعزيز القناعة لدى المواطن بأهمية مشاركته فى صنع القرار، وهو ما يعكس النمو الديمقراطى والاستقرار الاجتماعى والسياسى فى المجتمع. المشاركة السياسية جزء أصيل من بناء البشر؛ إذ تمنحه خبرة عملية فى ممارسة حقوقه وواجباته؛ فالانتخابات تمنح المواطن فرصة للتفاعل مع المؤسسات، والتعبير عن رأيه وفق القنوات الشرعية، حينئذ يصبح الفرد قادرًا على إدراك أهمية دعم الدولة ومؤسساتها، وتحمل المسؤولية تجاه مجتمعه، وأرى أنه لا نغالى إذا ما قلنا إن الانتخابات تُعزز بناء الإنسان من خلال صقل شخصيته، وغرس قيم الولاء والانتماء، وترسيخ فهمه لأهمية التعاون والمواطنة الفاعلة. نتفق سويًا على أن الهدف التنموى الرئيس لجمهوريتنا الجديدة هو بناء الإنسان القادر على العطاء بصورة مستدامة، وهذا يجعل الاستحقاقات الانتخابية جزءًا من عملية بناء الإنسان؛ فالمواطن الذى يشارك فى الانتخابات يتعلم الالتزام بالقيم الديمقراطية، ويمتلك قدرة على التحليل والتفكير، ويكتسب مهارات المشاركة الفاعلة، ونخلص بأن تنمية الوعى المبكر والمتدرج يضمن أن يصبح الفرد عنصرًا فاعلًا فى المجتمع، قادرًا على اتخاذ القرارات الصحيحة التى تخدم مصلحة بلده، وهو ما يتفق مع رؤية الجمهورية الجديدة فى إعطاء الأولوية لتنشئة الإنسان المثقف والمسؤول. يصعب الجدال حول أن البرلمان يمثل نموذجًا حيًا للالتزام بالمسؤولية والمواطنة، من خلال متابعة أعماله، يدرك المواطن كيفية اتخاذ القرار، وقيمة النقاش والحوار، وضرورة احترام الرأى الآخر، والالتزام بالقوانين، كما أن البرلمان يعزز الشعور بالانتماء والولاء للوطن، ويحفز الأفراد على المشاركة فى المبادرات الوطنية، ويجعلهم أكثر وعيًا بحقوقهم وواجباتهم، وهو بذلك يساهم فى ترسيخ قيم الاستقرار المجتمعى والسياسى وتعزيز المشاركة الفاعلة فى الحياة العامة. أرى دون مواربة أن الوعى الانتخابى يبدأ من التعليم المبكر، ومن خلال المناهج المدرسية يمكن غرس مفاهيم المواطنة والمسؤولية، وتنمية مهارات التفكير العليا لدى الطلاب، كما يمكن تنظيم الأنشطة الصفية واللاصفية مثل المحاكاة الانتخابية، المناظرات، الرحلات التعليمية، والمسابقات، بما يعزز فهم الطلاب للحقوق والواجبات، ويشجعهم على المشاركة الفاعلة. وهذا كله يتيح للمتعلم أن يكون مثقفًا سياسيًا قادرًا على تفنيد الشائعات، وتحليل البرامج الانتخابية، والتفاعل بوعى مع العملية السياسية. الحقوق والواجبات متكاملة؛ إذ إن وعى المواطن بحقوقه يشجعه على المشاركة الفاعلة فى الانتخابات، وفهم تأثير صوته فى صناعة القرار، بينما وعيه بواجبه يضمن استخدام هذه الحقوق بمسؤولية، وتكامل هذه العناصر يؤدى إلى ممارسة الديمقراطية بشكل فعّال، ويعزز استقرار المجتمع، وغياب أحدهما يؤدى إلى خلل فى العملية السياسية؛ لذا فإن التربية السياسية والمناهج التعليمية تركز على التوازن بين الحقوق والواجبات لتكوين مواطن واعٍ قادر على حماية النظام الديمقراطي. أثق فى أن المواطن المثقف سياسيًا يكون أكثر قدرة على المشاركة الإيجابية، النقد البناء، والتفاعل مع سياسات الدولة، وهذا بكل تأكيد يساعد فى خلق بيئة من الشراكة بين المواطن والدولة، ويعمل على تعزيز انخراط الشباب فى العملية السياسية، ويجعل المشاركة جزءًا من سلوكياتهم اليومية، وليس مجرد واجب موسمي، وفى هذا السياق، يسهم الوعى السياسى فى تعزيز الولاء والانتماء، وتحقيق أهداف الدولة فى التنمية المستدامة والاستقرار السياسي.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.