تُمثل المشاركة الانتخابية إحدى الركائز الرئيسة في بناء الوعي السياسي وترسيخ الحضور الفاعل للمواطن داخل المجتمع، فالإدلاء بالصوت هو تعبير عن نضج اجتماعي واستيعاب لدور الفرد في صياغة مستقبل الدولة، وكل صوت يدخل صناديق الاقتراع بإرادة حرة يعبر عن مقاومة صامتة ضد التهميش السياسي، وعن إيمان بأن المواطن ليس متلقيًا للقرارات، بل شريكًا فاعلًا في إنتاجها وتوجيهها. ويعزز ترسيخ ثقافة المشاركة الانتخابية قيم المواطنة الفاعلة والانتماء الواعي، فالمواطنة ممارسة متجددة تتأسس على إدراك الحقوق والواجبات، وعلى وعي دائم بالسياقات الوطنية والتحديات التي تواجه الدولة، ومن ثم يصبح الوعي الانتخابي مشروعًا مجتمعيًا متكاملًا يحتاج إلى بيئة معرفية حاضنة، وإلى مؤسسات تربوية وثقافية قادرة على إنتاج مواطن ناقد، واع، ومسؤول، ولذلك فإن الديمقراطية تفعل عند لحظة الاقتراع، ولكنها تتجذر قبلها في الوعي الجمعي، وفي قدرة المجتمع على إنتاج ثقافة الحوار، واحترام التعدد، وممارسة المساءلة، فحين ينضج هذا الوعي، يتشكل ناخب يمتلك حصانة فكرية وأخلاقية تمكنه من التمييز والاختيار الحر المستند إلى المصلحة الوطنية الكبرى. ويُعد بناء الوعي الانتخابي عملية تربوية ممتدة ومتراكمة، تشترك فيها جميع الوسائط التربوية، وتتضافر هذه الأطراف في تشكيل منظومة اجتماعية ومعرفية متكاملة تسهم في إعادة بناء العقل المدني للمواطن، حيث يمارس حقه في الانتخاب بوصفه واجبًا وطنيًا ومسؤولية تاريخية، فالمشاركة الواعية في العملية الانتخابية تعزز استقرار الدولة، وتدعم قدرتها على التطور والتجدد، ضمن إطار من التوافق الوطني والثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسسات الدولة. ويتجلى الوعي الجمعي بوصفه الجدار الأول الذي يحمي كيان الدولة ويمنح المجتمع القدرة على الصمود والمواجهة، ومن ثم تُعد المشاركة الانتخابية الواعية إحدى أدوات التحصين الوطني، حيث تشكل سدًا منيعًا في مواجهة محاولات الاختراق الخارجي، والحروب الإعلامية الناعمة، وحملات التضليل والشائعات التي تستهدف تفكيك الثقة وإضعاف المعنويات وإعادة تشكيل الوعي العام لخدمة أجندات تتعارض مع مصالح الدولة العليا، وعليه، فإن الإحجام عن التصويت أو ترك المجال للقوى التي تتحرك خارج إطار المصلحة الوطنية يمثل موقفًا انعزاليًا سلبيًا بعيدًا عن الحياد، ويُسهم بوعي أو دون وعي في إضعاف المجال العام وإعادة هندسة الوعي الجمعي وفق رؤى لا تتسق مع المشروع الوطني ولا مع أولويات الأمن والاستقرار والتنمية. ويرتبط وعي المواطن بحقه الانتخابي ارتباطًا وثيقًا بوعيه بكرامته وفاعليته داخل المجال العام، فعندما يدرك الفرد أن صوته قادر على التأثير في مسار السياسات العامة، وإعادة ترتيب أولوياتها، وتصحيح مساراتها لتصبح أكثر اتساقًا مع احتياجات المجتمع، يتحول لشريك فاعل في صناعتها، وذلك لأن صوته الانتخابي أمانة ومسؤولية تجاه المجتمع والجيل القادم ومصير الدولة، ومن ثم تستند الفلسفة السياسية للجمهورية الجديدة على مبدأ ترابط الحق بالواجب، فالتصويت فعل عقلاني وأخلاقي يعبر عن وعي المواطن بعمقه التاريخي وانتمائه الوطني، وهنا تتجلى الديمقراطية بوصفها منظومة لإنتاج الأمل وإعادة توجيه الطاقات نحو البناء، وتعزيز الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة، بما يدعم استقرار البنية الاجتماعية وقدرة الدولة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية والاستدامة. وتعد المشاركة الانتخابية الواعية خط الدفاع الأول في مواجهة مظاهر الفوضى السياسية ومحاولات تفكيك البنية الاجتماعية، فعندما يمارس المواطن حقه في الانتخاب استنادًا إلى معايير موضوعية، وقراءة دقيقة للبرامج والبدائل السياسية، وإدراك واعٍ للمصلحة الوطنية العليا، يتحول التصويت من مجرد اختيار فردي إلى فعل حماية جماعية يسهم في صون استقرار الدولة وتماسكها الداخلي. وتتضح أهمية الوعي الانتخابي بوصفه عنصرًا رئيسًا من عناصر الأمن القومي؛ حيث تنعكس المخرجات التي تفرزها صناديق الاقتراع بصورة مباشرة على بنية الدولة المؤسسية، وعلى قدرتها في إدارة الملفات الداخلية، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فاختيارات المواطنين تحدد موازين القوة داخل الدولة، وتوجه مساراتها التنموية، وتضبط إيقاع علاقاتها بالمحيطين المحلي والعالمي. وتقدم التجربة المصرية الحديثة شواهد واضحة على لحظات فارقة وقف فيها الشعب العظيم عبر المشاركة الانتخابية ليحمي وطنه ويحفظ استقراره، وقد أكد ذلك أن الوعي الجمعي يمثل أحد أهم أدوات حماية الدولة، وتحصين مؤسساتها، وضمان استمرارها في أداء رسالتها الوطنية والتاريخية، ولا يمكن فهم هذا الوعي بمعزل عن التحولات الكبرى التي شهدتها مصر خلال العقد الأخير، حيث أدركت الدولة أن بناء المواطن الواعي هو الأساس لأي مشروع نهضوي حقيقي ومستدام، فالجمهورية الجديدة تقوم على رؤية تعيد الاعتبار لدور المواطن بوصفه شريكًا في اتخاذ القرار، وتستند هذه الرؤية إلى مبدأ رئيس أن الدولة لا تكتمل إلا بفاعلية مواطنيها، وبقدرتهم على تحمل مسؤولية الاختيار والمساءلة. ويأتي حضور المرأة المصرية في قلب هذه المعادلة مؤشرًا واضحًا على مرحلة جديدة من تطور الوعي الوطني؛ فقد أصبحت المرأة فاعلًا أساسيًا في المشاركة وصياغة السياسات العامة، وقد أثبتت عبر المحطات التاريخية الكبرى قدرتها على الإسهام في صناعة التحولات الديمقراطية، والدفاع عن الهوية والقيم، والمشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية التي أسهمت في إعادة تشكيل المشهد السياسي المصري. وتُعد مشاركة المرأة في الانتخابات تعبيرًا عن نضج اجتماعي وإدراك لدورها كمواطنة كاملة الحقوق والواجبات، فكل صوت نسائي واعٍ يضيف إلى المجال العام طاقة بناء وتوجيه، ويعزز فرص تحقيق تنمية شاملة أكثر عدالة وتوازنًا، وقد أثبتت التجربة الحديثة أن حضورها في صناديق الاقتراع حضور وعي ورؤية وإحساس تاريخي بالمسؤولية يدعم الاستقرار المجتمعي، ويضمن التوازن في القرار السياسي، ويوسع قاعدة التمثيل الوطني، ويعكس مستوى نضج البنية الثقافية للمجتمع. ويمثل الوعي الانتخابي مسارًا أساسيًا في بناء مواطن قادر على الفهم والاختيار والمساءلة، وعلى إدراك أن الوطن يشيد عبر المواقف الواعية والمشاركة المستمرة في صناعة القرار، فالجمهورية الجديدة تمثل رؤية ثقافية وسياسية تتجذر في وعي الأفراد، وتترجم في أداء مؤسسات فاعلة، وفي ممارسة انتخابية ناضجة تجعل من الصوت الانتخابي أداة لبناء المستقبل، فالوعي الانتخابي بنية معرفية وقيمية تتشكل وتمارس في مؤسسات قوية ومجتمع قادر على حماية ذاته من الداخل. وفي قلب هذه البنية يقف المواطن بصفته الفاعلة في مشروع الجمهورية الجديدة؛ كشريك في البناء، وحارس للوعي، وصاحب دور محوري في توجيه مسارات الدولة نحو التنمية والاستقرار، فالوطن يبنى من خلال إرادة سياسية تتكامل مع شراكة شعبية واعية، تنسجها العقول المبتكرة، والضمائر اليقظة، والمواقف المسؤولة، وكل صوت مسؤول يوضع في صندوق الانتخابات هو حجر في جدار الاستقرار، ولبنة في بناء مستقبل يليق بتاريخ مصر العريق وطموحات شعبها نحو الغد. أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر