في مشهد لافت يعيد الثقة في قدرة الشعوب على صناعة التغيير، نجح زهران ممداني، الشاب الأمريكي المسلم من أصول هندية وأوغندية، والبالغ من العمر نحو أربعة وثلاثين عامًا، في تحقيق فوز انتخابي كبير رغم كل ما واجهه من تحديات داخل حزبه وخارجه. ممداني خاض معركته السياسية وسط مقاومة واضحة داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، بسبب توجهاته التقدمية الجريئة ومواقفه التي اصطدمت بالتيار التقليدي داخل الحزب، فضلًا عن العداء العلني الذي واجهه من بعض رموز الدولة والحزب الحاكم. ومع ذلك، تمكن هذا الشاب من كسب ثقة الناخبين ببرنامجه ورؤيته، لا بماله ولا بوعود بالخدمات أو الامتيازات. ما ميّز التجربة هو أنها لم تكن معركة دينية أو طائفية كما حاول البعض أن يصوّرها. بل على العكس، فقد وقف إلى جانب ممداني رجال دين مسيحيون من أصول إفريقية، وضعوا أيديهم عليه وصلّوا من أجله ودعوا الله أن ينصره، في مشهد مؤثر يجسّد أن العدالة والموقف الإنساني يمكن أن يوحّدا المختلفين متى اجتمعوا على الحق. كما أن عددًا من الناخبين اليهود التقدميين شاركوا في دعمه، إدراكًا منهم أن المعركة لا تتعلق بالهوية أو الدين، بل ب اتجاه سياسي ورؤية لمستقبل أكثر عدلًا ومساواة. لقد اختار الناس ممداني لأفكاره وانتمائه لقيم حزبه، لا لحجمه المالي ولا لقدرته على تقديم الخدمات الفردية، واختاروه لأنهم أرادوا أن يحددوا بأنفسهم التوجه الذي يسير إليه مستقبلهم. ورغم كل العيوب التي لا يمكن إنكارها في النظام الأمريكي وممارساته السياسية، فإن هذه التجربة تبقى دليلًا حيًّا على أن الديمقراطية الحقيقية تُقاس بقدرة المعارض على الفوز بصوت الشعب لا برضا السلطة أو بدعم رأس المال. واليوم، ونحن في مصر على أعتاب انتخابات برلمانية جديدة، فإن تجربة ممداني تحمل دلالات عميقة ينبغي التوقف أمامها. فقد آن الأوان أن نستعيد الثقة في صندوق الانتخابات، وأن نؤمن بأن صوت الناخب يمكن أن يصنع الفارق متى اختار عن وعي ومسؤولية. على المواطن أن يختار التوجه الذي يريده لمستقبل بلده، لا من يقدّم له وعدًا أو منفعة وقتية، لأن من يبيع صوته اليوم، سيبيعه من اشتراه غدًا. أما من يتخاذل عن الإدلاء بصوته، فإنه يمنح غيره المساحة لارتكاب المزيد من التجاوزات باسمه ونيابة عنه. إن صوت المواطن الحر هو السلاح الحقيقي ضد الفساد واللامسؤولية، وهو الطريق لبناء دولة تُحترم فيها إرادة الناس وتُحاسَب فيها السلطة. ولعل ما حققه زهران ممداني يذكّرنا بأن التغيير لا يبدأ من القصور، بل من الوعي الشعبي والإصرار على أن يكون لكل صوت معنى.