معركة استحقت المتابعة والاهتمام والتحليل، أقصد معركة انتخاب عمدة جديد لولاية نيويورك، ولمن اعتقد أنها مجرد انتخابات محلية لا تزيد عن اختيار حاكم لها من ضمن 50 ولاية، أعتقد أنه رأي يحتاج للمراجعة والنقاش لأسباب كثيرة منها: الفائز هو زهران ممداني، الذي قدّم نفسه كديمقراطي اشتراكي تقدّمي، وبفوزه أصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة.. والمسألة ليست كونه مسلما فقط، لأن الانتماء الديني قد لا يكون مهما فى مجتمعات المهاجرين هناك، ولكن هناك الكثير من القضايا التى تستحق النقاش.. والبداية من تركيبته الثقافية والعرقية متعددة، فهو من أصل هندى وعاشت أسرته في أفريقيا، وبالتحديد في أوغندا حيث الجالية الهندية الكبيرة قبل هجرتها للولايات المتحدة، عندما كان زهران في الثامنة من العمر، إذ أصبح والده أستاذًا جامعيًا في أمريكا أما والدته ميرا نير فهي مخرجة سينمائية، يعنى ممدانى مسلم هندى افريقى امريكي. وجاء توجهه اليساري ليزيد المعادلة سخونة، وأعتقد إنها المهمة، فنجاحه كان في معقل الرأسمالية الأمريكية، فمدينة نيويورك هي الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وتعتبر أحد أهم مراكز التجارة والمال في العالم، فهي العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة. وكانت المنافسة على منصب العمودية بين زهران ممداني، وأندرو كومو، الحاكم السابق للولاية، والذى خاض السباق كمرشح مستقل بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الذى فاز بها ممداني. ويري البعض أن الإسلام والاشتراكية يتعانقان في قلب أمريكا الآن، بعد أن هز الشاب زهران ممداني (34 عاما) الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية بسبب آرائه السياسية، وبفوزه أصبح أول عمدة مسلم لنيويورك!
ويضع زهران ممداني قضية انتمائه الإسلامي في إطار الحقوق المدنية، ويقول: إن المسلمين في نيويورك يريدون أن يعيشوا بكرامة وأن تتم معاملتهم وفقًا لمبادئ المساواة في البلاد، نعم المسلمون يشكلون أقلية في نيويورك لكن المدينة عمومًا تضم أناسًا من مختلف الأعراق والمعتقدات، وبدت نسبة كبيرة من هؤلاء مؤيدة بثبات لممداني الذى نشأ فيها، وهي أكبر مدينة في الولاياتالمتحدة وأغناها من حيث الموازنة العامة، فمن يشغل منصب العمدة سيدير ميزانية سنوية تبلغ أكثر من 110 مليار دولار. وانتماء ممداني للإسلام وقناعاته ومبادئه الاشتراكية ونشاطه السياسي المعارض لإسرائيل كانت أهدافا لخصومه السياسيين المحذرين من صعوده، لدرجة تأييد العمدة الحالي إيريك أدامز لمنافسه ومحذرًا من مصير سيئ للمدينة إذا قادها الشاب المسلم.
والتركيبة السياسية والفكرية لممداني كانت سبب المعركة الساخنة، فهو ينتمي إلى الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وقد نشط لسنوات في حركة التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، والتى تدين السياسة الإسرائيلية، وهذا سبب أخر لسخونة المعركة ولطعم الفوز.. ورغم الانتماء إلى الحزب الديمقراطي -حزب الرئيسين السابقين جو بايدن وباراك أوباما-، لكن الجناح اليساري للحزب يؤمن الآن ويدعو إلى إحداث تغييرات عميقة في سلوك وسياسة الحزب وأمريكا عمومًا، ويبدو هذا جليًا في موضوع العلاقة مع إسرائيل إذ يؤمن ممداني واليسار بأن على أمريكا أن تغير سياسة دعم إسرائيل. وطبعا قاد اللوبي اليهودي الحملة ضده لمواقفه من إسرائيل، خصوصًا أن نسبة مهمة من سكان نيويورك هم من اليهود. فقد اتهمته منظمات يهودية أمريكية بمعادة السامية، وقال حاكم ولاية نيويورك السابق أندرو كومو إنه يؤجج نيران الكراهية ضد اليهود، وهي اتهامات رفضها ممداني بشدة، ويقول إنه سيعمل على محاربة معاداة السامية في حال انتخابه. والتوجه الاقتصادي لممدانى يثير الجدل فى عاصمة المال والاقتصاد العالمى وقلب الرأسمالية والاقتصاد الحر.. هو في أقصى اليسار الأمريكي، يقول بوضوح وقناعة إنه اشتراكي رغم أنه نشأ في أكبر بلد رأسمالي في العالم، وجذبت وعوده الاشتراكية كثيرًا من أصوات الناخبين في نيويورك الذين عانوا ويعانون من غلاء المعيشة.. والأكثر إنه خاطب ملايين المؤجرين بوعوده بمنع مالكي العقارات من زيادة الإيجارات وجعل ركوب السيارات العامة مجانا وتوفير الرعاية المجانية للأطفال أثناء انشغال أهلهم بالعمل. وبهذه الوعود وبنشاطه وحركته الدؤوبة على الأرض بين الناس حقق ممداني الفوز.. وطبعا المسألة ليست بسيطة فالحزب الديمقراطي يعيش حالة انقسام بين جناحيه التقليدي واليساري، وجاء صعود ممداني ليجسد عمق ذلك الانقسام وحدته، وفاز ممداني رغم تدخل الرئيس الامريكى دونالد ترامب الذى ولد ونشأ في نيويورك المعركة، معتبرا ممداني شيوعيًا وحذر الأمريكيين منه، وتهديده بممانعته في تمويل ميزانية نيويورك الفيدرالية ( 7.4 مليار دولار).
ويصف ممداني نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، لكن يرفض اتهامه بالشيوعية مازحًا بأنه يشبه إلى حد ما سياسيًا إسكندنافيًا، ولكنه أسمر البشرة.. وبخبث شديد يرى بعض الجمهوريين الفوز فرصة لإظهار ضعف الحزب الديمقراطي، ويظهر جانبه اليساري المتشدد مما سينفر كثيرًا من الأميركيين من الديمقراطيين في الجولات الانتخابية القادمة في عموم أميركا وليس في نيويورك فقط..
إذ يرون أن تنفيذ وعود ممداني سيحتاج إلى المال، ولا يخفي ممداني نيته زيادة الضرائب على الأثرياء، ويرى خصومه أن هذا سيؤدي إلى هرب رؤوس الأموال وأصحاب الأعمال من المدينة، مما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة، ويشيرون إلى أن السياسات الاشتراكية قد طُبّقت في بلدان عديدة في العالم لكنها فشلت وأدت إلى مزيد من الفقر والفساد والفشل.. ومع ذلك منحه الناخبون أصواتهم.
وتحدى ممداني خصومه مراهنًا على واقع جديد وجيل جديد يراهن على التغيير ويريد تحقيقه وتجسيده، ويركز على غلاء المعيشة وكيف أنها تقلق مضاجع سكان نيويورك وتضغط عليهم مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم. وفشل المخطط الإسرائيلي! لماذا لا يعرف العرب طريقهم لنوبل؟! فوز زهران ممداني في الانتخابات سيثير الجدل والتساؤلات وربما يحمل المفاجآت، وسيكون اختبارًا كبيرًا لقناعاته وانتماءاته. ويأتي فوزه بعد فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن، ليكونا أول مسلمين فى عمودية أكبر ولايتتين اقتصاديتين فى العالم، فصادق خان فاز فى لندن مكبدا حزب المحافظين أسوأ هزيمة منذ 40 عاما. [email protected] ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا