سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هرم رابع على هضبة الأهرامات.. مدير عام الترميم ونقل الآثار: المتحف الكبير شاهد على عبقرية المصرى وقدرته على صناعة مجد من جديد.. وأنجزنا ما وصفه العالم بالمستحيل.. المتحف يضم 57 ألف قطعة أثرية بين معروض ومخزون
- مجموعة توت عنخ آمون تُعرض كاملة لأول مرة بعد ترميم 5537 قطعة - متحف الطفل مساحة تعليمية مبتكرة لتعريف الأجيال الجديدة بعظمة الحضارة المصرية من بين آلاف القطع الأثرية التى تسكن جدران المتحف المصرى الكبير، هناك حكاية خفية أكثر دهشة من أى قطعة ذهبية أو حجر أثرى، حكاية «الأيادى المصرية» التى أعادت الحياة لكنوز الفراعنة بعد آلاف السنين. فى هذا الحوار الخاص، يتحدث الدكتور عيسى زيدان - مدير عام الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصرى الكبير - عن رحلة الترميم الأصعب والأطول فى تاريخ المتاحف، وكيف نجح فريق مصرى خالص فى إنجاز ما اعتبره العالم «مستحيلا»، من نقل المقاصير الذهبية لتوت عنخ آمون ومراكب خوفو العملاقة إلى ترميم أكثر من 57 ألف قطعة أثرية بأعلى المعايير العلمية. يشرح الدكتور زيدان، أسرار العمل داخل أكبر مركز ترميم فى الشرق الأوسط، ويكشف تفاصيل عرض مجموعة توت عنخ آمون كاملة لأول مرة فى التاريخ، والمغامرة العلمية وراء مشروع مراكب خوفو، ومتحف الطفل، وخطط التغيير الدورى للمعروضات، قبل أن يبوح بلحظات الفخر التى عاشها داخل هذا الصرح الذى يصفه ب«الهرم الرابع» وهدية مصر للعالم. وإلى نص الحوار: ما إجمالى عدد القطع التى سيتم عرضها بالمتحف؟ 57 ألف قطعة ما بين معروض ومخزون. كم قطعة احتاجت لترميم؟ وكم قطعة لم تحتاج لذلك؟ كيف نجحت الأيادى المصرية فى ترميم وتجهيز كل هذه القطع؟ وما التقنيات الحديثة التى تم اعتمادها فى عمليات الترميم داخل المتحف المصرى الكبير؟ جميع القطع الأثرية تم ترميمها بأيادٍ مصرية خالصة داخل أحد أكبر وأحدث مراكز الترميم فى مصر والشرق الأوسط، والذى يمتد على مساحة تبلغ 32 ألف متر مربع، ومزود بأحدث الأجهزة والتقنيات العلمية المتقدمة. يتميّز المركز بتخصصات فريدة وغير مسبوقة فى المنطقة، حيث يضم معامل علمية متخصصة لإجراء الفحوص والتحاليل الدقيقة التى تُشخّص الحالة الأثرية وتُظهر مظاهر التلف قبل التعامل اليدوى مع القطعة، بما يضمن أعلى درجات الدقة فى التعامل مع الأثر. ويحتوى المركز على مجموعة من المعامل المتخصصة وفقا لنوعية ومادة كل قطعة أثرية، من بينها معامل لترميم الأخشاب، والأحجار، والبقايا الآدمية، والمواد العضوية وغير العضوية، بالإضافة إلى معمل متطور للتعقيم، وغيرها من الوحدات التخصصية المتكاملة. وقبل نقل أى قطعة أثرية، تُجرى لها فحوص دقيقة وترميم مبدئى، ثم تُلف بعناية وتُنقل باستخدام أحدث تقنيات الحفظ والنقل لضمان حمايتها من أى ضرر، وقد جرى تنفيذ عمليات الترميم وفق منهج علمى دقيق، يراعى الخصائص الفريدة لكل مادة أثرية، مع إجراء سلسلة من الفحوص والتحاليل المتقدمة داخل معامل المركز لضمان تحقيق أفضل النتائج فى عمليات الحفظ والترميم. ما الجديد الذى سيراه الزائر فى ما يتعلق بقاعات توت عنخ آمون؟ مجموعة الملك توت عنخ آمون تُعرض لأول مرة كاملة فى مكان واحد، وتُعد من أبرز الاكتشافات الأثرية فى العالم. تتألف المجموعة من 5537 قطعة أثرية، وذلك بعد الفحص الدقيق الذى كشف عن زيادة عدد القطع عن التقديرات السابقة التى كانت تشير إلى نحو 5398 قطعة. وتتميز المجموعة بتنوع المواد المصنوعة منها، حيث تضم قطعا مصنوعة من الذهب، والخشب، والحجر، والمعادن، والنسيج، وغيرها من المواد العضوية وغير العضوية، وقد خضعت جميع القطع لعمليات ترميم دقيقة على أعلى مستوى من الكفاءة، داخل معامل متخصصة تراعى طبيعة كل مادة أثرية لضمان أفضل مستوى من الحفظ والعرض. هذا العرض الكامل وغير المسبوق يمنح الزائرين فرصة فريدة لاكتشاف كنوز المقبرة الملكية كما وُجدت منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، فى تجربة غامرة ومتكاملة تسلط الضوء على عبقرية الفن المصرى القديم وثراء الحضارة الفرعونية. وما فكرة متحف مراكب خوفو وهيكل المتحف والمراكب؟ وما هو سيناريو العرض؟ متحف مراكب خوفو يقدم تجربة فريدة مختلفة ومثيرة، حيث يضم قطعتين أثريتين نادرتين يُعدان من أقدم وأضخم الآثار العضوية التى وصلت إلينا عبر آلاف السنين، وهما مركب خوفو الأولى والثانية. ما هى التفاصيل متحف الطفل، فكرته وفعالياته المختلفة، والهدف منها؟ يُعد متحف الطفل بالمتحف المصرى الكبير مساحة تعليمية وتفاعلية فريدة، تهدف إلى تعريف الأطفال بأسس الحضارة المصرية القديمة، وكيف نشأت وتطورت عبر العصور، وذلك من خلال تجارب تعليمية مبتكرة تتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم. ويوفر المتحف بيئة آمنة وممتعة، يمكن للزائر خلالها أن يترك أطفاله ليخوضوا رحلة تعليمية شيّقة داخل متحف الطفل، بينما يستمتع هو بجولته فى أرجاء المتحف، ثم يعود ليشاركهم التجربة ويستكمل معهم رحلة الاكتشاف، مما يخلق تجربة أسرية متكاملة تمزج بين المتعة والمعرفة. ما هى أصعب عملية ترميم أو نقل قمت بها؟ وما التحديات التى واجهتموها خلالها؟ من بين أبرز وأصعب مشاريع الترميم والنقل التى نُفذت هى عملية ترميم ونقل المقاصير الأربعة الخاصة بالملك توت عنخ آمون، والتى مثلت تحديا علميا وتقنيا غير مسبوق، نظرا لحالتها المتدهورة نتيجة صناعتها من الخشب المغطى بطبقة من الجص، وهى مواد بالغة الحساسية وسريعة التلف، وقد اعتبرت معظم المعاهد الأثرية العالمية أن نقل هذه المقاصير أمرا شبه مستحيل، إلا أن الفكر المصرى تمكن من تجاوز هذه التحديات، من خلال الدراسة ووضع خطة علمية شاملة بدأت بأعمال توثيق أثرى متكاملة باستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل المسح بالليزر، التصوير الفوتوغرافى عالى الدقة، الفيديو، التصوير بالأشعة السينية «X-Ray Radiography» وغيرها، وذلك قبل الشروع فى أى أعمال ميدانية. ثم تم تنفيذ أعمال الترميم الدقيقة داخل المتحف المصرى بالتحرير، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، أعقبتها أعمال فك المقاصير وتغليفها ونقلها إلى المتحف المصرى الكبير باستخدام أحدث الطرق العلمية فى هذا الشأن ثم تم إعادة تركيبها باستخدام نفس التقنية التى اتبعها المصرى القديم، والتى تم التوصل إليها من خلال الدراسات التوثيقية، وأُعيد تركيب المقاصير بنجاح داخل قاعات العرض الدائم بالمتحف المصرى الكبير، وتُعد هذه العملية من أصعب وأهم عمليات الترميم والنقل التى نُفذت على الإطلاق. كيف تم اختيار القطع التى تُعرض فى المتحف؟ وكيف يتم التنسيق بين فرق الترميم وفرق العرض المتحفى لضمان الحفاظ على القطع الأثرية؟ يتمتع المتحف المصرى الكبير بمنظومة عمل متكاملة تقوم على التعاون والتنسيق الكامل بين جميع فرق العمل به، بما يضمن الحفاظ على القطع الأثرية وإعدادها للعرض بالشكل الذى يليق بأهميتها التاريخية والأثرية. تبدأ العملية باختيار القطع وفقا لسيناريو العرض المتحفى الذى يُراعى فيه التسلسل الزمنى والموضوعى، والأسلوب البصرى الأمثل لإبراز القيمة الحضارية لكل قطعة، تُسجّل القطع المختارة فى قاعدة البيانات المركزية للمتحف، ليتم بعد ذلك تحديد موقعها سواء فى المناطق الأثرية أو داخل المتاحف الأخرى. عقب ذلك، تُنقل القطع إلى معامل الترميم المختصة لإجراء أعمال الترميم الأولى والتغليف والتجهيز وفقا لأحدث المعايير العلمية. وبعد التأكد من جاهزيتها، تُسلّم وتُنقل إلى المتحف المصرى الكبير باستخدام أحدث وسائل النقل والحفظ لضمان وصولها بأعلى درجات الأمان والسلامة. هذه المنظومة المتكاملة تضمن أن تصل كل قطعة أثرية إلى موقع عرضها فى أفضل حال، لتُعرض أمام الزائرين بالشكل اللائق الذى يعكس عظَمة الحضارة المصرية القديمة. وهل هناك خطة دورية لتغيير المعروضات؟ فى الوقت الحالى، يُقدم المتحف المصرى الكبير عرضا ثابتا للقطع الأثرية داخل قاعات الملك الذهبى توت عنخ آمون والقاعات الرئيسية والبهو والدرج العظيم، حيث تم إعداد سيناريو العرض بعناية ليُبرز التسلسل التاريخى والموضوعى للحضارة المصرية القديمة فى أبهى صورة. وبعد الافتتاح الرسمى للمتحف، ستُتاح قاعات مخصصة للعرض المؤقت، يتم فيها اختيار القطع الأثرية بناء على موضوعات محددة، تُصمم بعناية لتعكس جوانب مختلفة من التراث والحضارة المصرية عبر العصور القديمة، وسيُراعَى فى اختيار القطع مدى ارتباطها بالموضوع المعروض، بما يتيح للزائر تجربة متجددة ومتكاملة فى كل زيارة. ما أكثر لحظة شعرت فيها بالفخر خلال مسيرتك فى المتحف؟ كل لحظة داخل المتحف المصرى الكبير تحمل مشاعر فخر واعتزاز، لكن هناك محطات استثنائية ستظل محفورة فى الذاكرة، كان أبرزها النجاح فى تنفيذ مهام وصفت بأنها «مستحيلة» من قبل العديد من المؤسسات الأثرية الدولية. فى الوقت الذى أجمع فيه العالم على استحالة نقل المقاصير الأربعة الخاصة بالملك توت عنخ آمون، وكذلك نقل مركب خوفو العملاق، استطاع فريق المرممين بالمتحف المصرى الكبير، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، أن يُنجز هذه المهام الدقيقة بأعلى درجات الكفاءة والدقة، فى إنجاز أثرى وعلمى يُعد الأول من نوعه. ومن اللحظات الفارقة كذلك، قيام الفريق الأثرى بإخراج التابوت الخشبى المذهب للملك توت عنخ آمون من مقبرته الأصلية بوادى الملوك، لأول مرة منذ أن وضعه المصرى القديم فى مثواه الأخير، ليُعرض داخل المتحف المصرى الكبير فى مشهد استثنائى طال انتظاره. إنها لحظات لا تُقدّر بثمن، تُجسّد فخر الإنسان المصرى بما حققته سواعده وعقول أبنائه، وتمنح كل من يشهدها إحساسا عميقا بالاعتزاز والانتماء، وسعادة لا توصف. ما شعورك مع الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير بعد كل هذه السنوات من العمل؟ سعادتى لا تُوصف بافتتاح المتحف المصرى الكبير، واعتزازى أكبر بأننى كنت جزءا من هذا الإنجاز العظيم الذى تقدمه مصر للعالم بكل فخر، إنه ليس مجرد متحف، بل هو الهرم الرابع، الذى بُنى ليقف شامخا بجانب الأهرامات الثلاثة، شاهدا على عبقرية الإنسان المصرى وقدرته على صناعة المجد من جديد. إنه صرح حضارى فريد، وهديتنا من مصر إلى الإنسانية، يجسد عراقة الماضى وعظمة الحاضر وطموح المستقبل، أن أكون جزءا من هذا المشروع هو شرف عظيم، وشعور بالفخر والعزة والكرامة لا يمكن أن تصفه الكلمات.