فى ذكرى الاحتفال بانتصارات السادس من أكتوبر عام 73، يظل اسم مدينة السويس مرتبطا بالبسالة وبالصمود والتحدى والمقاومة والانتصار على العدو الذى حاول يائسا تحقيق نصر إعلامى زائف أمام العالم لحفظ ماء وجه جيشه "الذى لا يقهر" الذى تكبده خسائر جسيمة طوال 18 يوما وحتى يوم 24 أكتوبر وانهارت أسطورته تحت أقدام وكعوب بنادق جنود مصر الأبطال فوق رمال سيناء. الأفلام الوثائقية لضباط وجنود من الجيش الإسرائيلى بعد سنوات من معركة السويس تكشف حجم الملحمة الأسطورية التى سطرتها المقاومة الشعبية مع الجيش فى المدينة الباسلة. وصف ما تبقى من الجنود والضباط الإسرائيليين ما شاهدوه بالجحيم الذى كان فى انتظارهم فى كل شارع وفى كل موقع فى السويس على عكس ما صوره كبار القادة لهم. كل آمالهم أن يعودوا أحياء من هذه المعركة الرهيبة وفشلت المحاولة وتساقطت دبابات العدو ومدرعاته وتناثرت أشلاء جنوده ورضخت إسرائيل لقبول وقف اطلاق النار لإنقاذ ما تبقى من جنودها فوق أرض السويس. تكشف الوثائق الإسرائيلية وشهادات الأحياء من القادة العسكريين أن الأوامر صدرت لفعل شيء لإنقاذ سمعة الجيش الإسرائيلى التى تحولت إلى أضحوكة وسخرية العالم منذ يوم 6 أكتوبر. التحرك كان بلا تخطيط أو خطة واضحة وهو ما أدى إلى رفض بعض القادة العسكريين الميدانيين خوفا من الفضيحة التى تحققت.. وجاءت القوات الإسرائيلية إلى المصير المحتوم.. وقعت فى الفخ، وفى أتون من جحيم نيران المقاومة الشعبية وأبطال الجيش المصرى فى المدينة.. تحولت السويس إلى "ستالينجراد" المصرية وتحولت الدبابات والمدرعات إلى كتل من النيران وحوصر الإسرائيليون بين كماشات وكمائن المقاومة الشعبية. فى كتابه الشيق "خفايا حصار السويس" يحكى الكاتب الراحل حسين العشى مؤرخ المقاومة الشعبية تفاصيل تلك الأيام صباح يوم 24 أكتوبر كان هناك خليط نادر من البشر، بينهم جنود من الجيش وصلوا المدينة قبل حصارها، وعدد كبير من أبناء «منظمة سيناء»، أشهر تجمعات المقاومة الشعبية فى تاريخ مصر، بالإضافة إلى الموظفين بالجهاز الإدارى والحكومى والشرطة ومعهم من تمسك بالبقاء من أهل المدينة. نجح هؤلاء الأبطال فى دحر هجوم المدرعات وحشود المسلحين من القوات الإسرائيلية، فيما لا يملك أبطال السويس إلا عدداً محدوداً من الأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية، وصواريخ «الآر بى جي» المضادة للمدرعات، التى كان يتم استخدامها بحرص شديد لضرب المدرعة الأولى فى طابور المدرعات الإسرائيلية المتقدمة عبر محاور المدينة الثلاثة، لإيقاف تقدمها وشل حركتها ومنع التقدم وإفشاله. البطولة فى السويس جماعية، كل من توجد فى المدينة وقت الحصار بطل حقيقى، البطل هنا هو الناس جميعهم، وفى طليعتهم البسطاء والفقراء والعمال الصغار. الحكايات تستحق استعادتها من جديد لتتذكر أجيال ما بعد أكتوبر ما حققه آباءهم من بطولات فوق أرض سيناءوالسويس. الحكايات البطولية لم تقتصر فقط على أبطال المقاومة الشعبية والجيش. كان هناك أبطال فى مواقع أخرى لا تقل فى دورها فى المعركة عن حملة السلاح. ويسرد الكاتب الصحفى الصديق محمد توفيق فى كتابه الرائع "الكعك والبارود" حكاية بطل من أبطال المعركة داخل مستشفى السويس التى كانت وقتها كانت خط الدفاع الأول عن المدينة وملاذها الآمن، وأمل الناس فى الحياة وهو الدكتور محمد أيوب مدير مديرية الصحة بالسويس والذى أصبح القائد الملهم للأطباء والممرضات المرضى والمدينة كلها. فى أثناء المعارك والحصار كانت الإمكانيات محدودة، والأزمات كثيرة، ولابد أن يتصرف الدكتور أيوب، فقرر إزالة جناح الإدارة بالمستشفى وحوله لاستقبال المرضى، وحول قاعة السينما لقسم العزل، واستوعب 1100 مصاب رغم أن سعة المستشفى 250 فقط، ومنع إخلاء المصابين خوفًا على حياتهم. كان من الصعب ينام ساعة على بعضها، فاكتفى بإغفاءة قصيرة على أحد مقاعد المستشفى. ظل على هذا الحال حوالى 101 يوم بدون نوم حقيقى ومع بشائر النصر وفك الاشتباك وانسحاب الغزاة احتفلت السويس وأهلها بالنصر ولم يحتفل معهم الدكتور محمد أيوب لأنه قد فارق الحياة..!! القصص والحكايات البطولية كثيرة وأبطالها من الشهداء والأحياء كثر، وتستحق توثيقها وتسجيلها سينمائيا ودراميا للتذكير والتأكيد على بسالة أبناء مصر جيشا وشعبا وقدرتهم على تحقيق النصر وهزيمة الجيش الذى لا يقهر وتحرير الأرض والدفاع عنها بالروح والدم. سحق أبناء السويس الجيش الإسرائيلى. الخسائر الجسيمة والمذهلة تؤكد حجم الهزيمة، إسرائيل فى معركة السويس 68 ضابطا و373 جنديا و23 مظليا وتدمير 15 دبابة وعقب وقف اطلاق النار خرج من تبقى يجرون أذيال الهزيمة والعار وغنى أبناء السويس وغنت معهم مصر - ومازالت تتردد حتى الآن- على أنغام السمسمية الأغنية التى أصبحت بيانا تاريخيا للنصر والتى كتبها الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى أثناء حرب الاستنزاف ولحنها المبدع إبراهيم رجب وغناها ابن أسوان بصوته المميز الفنان محمد حمام: "يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي ... أستشهد تحتك وتعيشى إنتى"