ليس في تحركات نتنياهو اليوم ما يثير الدهشة أو المفاجأة؛ فكل ما يفعله بات معروفاً ومألوفاً ومتكرراً ومتوقعاً. لكنه الآن يقف عند مرحلةٍ أخطر من أي وقت مضى، إذ يسعى إلى استكمال مخططٍ استعماري يتجاوز حدود غزة، ويمتد ليطال مستقبل المنطقة بأكملها فالسلام لم يكن يوماً طريقه، ولا كانت غزة آخر محطاته، وإنما مجرد خطوة في مسارٍ طويل نحو وهم السيطرة وفرض الأمر الواقع. فالرجل يتحرك وفق حساباتٍ مدروسة، بعقليةٍ استعمارية تُغذّيها أيديولوجيا التفوق والتمدد، متستراً خلف شعاراتٍ زائفة عن الأمن والدفاع بينما يسعى لترسيخ واقعٍ احتلالي جديد في المنطقة، مدفوعاً بوهم الخلود السياسي رغم تصدّع جبهته الداخلية وانهيار صورته أمام العالم وما يزيد المشهد قتامة هو الصمت الغربي المريب الذي يضفي على جرائم الاحتلال غطاءً دبلوماسياً بارداً، وكأن الدم الفلسطيني لا يدخل ضمن معايير الإنسانية التي يتغنّون بها. ازدواجية المعايير باتت عنواناً صارخاً لسياساتهم، حيث يُدينون الضحية ويدافعون عن الجلاد، متجاهلين حقائق التاريخ والضمير. ذلك الصمت أصبح حياداً زائفاً يُترجم إلى مشاركة فعلية في استمرار المأساة ورغم هذا المشهد المظلم، يبقى الموقف العربي والمصري على وجه الخصوص صمام أمان المنطقة وركيزة الاتزان في زمن الانفلات. فمصر لم تتخلَّ يوماً عن دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وظلت تتحرك بثبات بين نيران العدوان وضغوط السياسة، حاملة لواء العقل والحكمة في وجه جنون القوة. ومن خلال تحركاتها الدبلوماسية المتزنة ومبادراتها الإنسانية، أثبتت للعالم أن السلام الحقيقي يقوم على إرادة الشعوب والعدالة، وليس على جبروت القوة أو فرض الأمر الواقع إن نتنياهو، بما يحمله من فكرٍ توسعي وعقيدةٍ عدوانية، يمثل الجيل الأخطر في منظومة الحكم داخل الكيان، متجاوزاً أسلافه قسوةً وإصراراً على تحقيق أطماعه. غير أنه يتناسى أن الغطرسة لا تصنع أمناً، وأن الدم لا يبني دولة قد يخدع نفسه بنجاحاتٍ مؤقتة أو دعمٍ خارجي زائل، لكنه ينسى أن للتاريخ ذاكرة لا تُمحى، وأن النهاية الحتمية لكل طغيان هي السقوط ونتنياهو، بما اقترفته يداه من إجرامٍ ودمارٍ وتشريد، يسير بخطى ثابتة نحو نهايته الكارثية، التي ستكون، بإذن الله، شاهداً على عدالة السماء التي لا تغيب قد يطول ليل الظلم، لكن فجر العدالة قادم لا محالة