واحدة من أهم بطولات الجيش المصري التي أصبحت عيدا نحتفل به مع قواتنا البحرية الباسلة كل عام يوم 21 أكتوبر منذ 58 عاما، هي البطولة التي قامت بها القوات البحرية عندما تمكنت من إغراق المدمرة ايلات الصهيونية والتي كانت فخر الأسطول البحري للعدو منذ عام 56. بطولة سطرها جنودنا البواسل من رحم النكسة التي وقعت في 5 يونيو 1967 ومن رحم الأحزان التي تكدست في كل بيت وشارع وقرية ومدينة في مصر لترسم بسمة فوق وجوه المصريين ولتعيد الثقة المفقودة في جيشنا بعد الهزيمة لتضاف إلى سجل البطولات في معارك الصمود والتحدي في رأس العيش والجزيرة الخضراء، والتي كانت شرارة الأمل لاستعادة الروح المعنوية لجيشنا فى أعقاب النكسة مباشرة وقبل أن ينتهي شهر يونيو. بطولة تؤكد أن خسارة معركة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني لم تكن نهاية أو خسارة حرب، فلم تستسلم مصر للعدو أو تخضع له وتنكسر ارادتها بل خرجت رافضة الهزيمة ورافعة راية التحدي والإصرار على استكمال المعركة واسترداد الكرامة والأرض. أهمية تدمير إيلات أنها كسرت هيبة اسرائيل ونالت من غطرسة قادتها، إلى حد أن وزير الدفاع الصهيوني المغرور آنذاك موشيه صرح عقب هزيمة يونيو بعدة أيام وتحديدا يوم 11 يونيو لوسائل الاعلام العالمية بسخرية بأنه "ينتظر بجوار الهاتف مكالمة من عبد الناصر يبلغه فيها باستسلامه". هذا الجنرال المغرور ومع الضربة القاسمة لأكبر قطع بحرية في الأسطول الصهيوني ركع واستغاث واضطر إلى توجيه نداء عاجل عبر الأممالمتحدة والصليب الأحمر الدولي إلى الرئيس جمال عبد الناصر والسلطات المصرية، يطلب فيه وقف إطلاق النار والسماح لفرق الإنقاذ الإسرائيلية بالبحث عن القتلى والجرحى. وفي رسالة توسل بعثت بها إسرائيل الي مصر عن طريق الجنرال (أود يول) قائد قوات الأممالمتحدة بالقدس قالت فيها: نناشدكم باسم الإنسانية الكف عن إطلاق النيران والمعاونة في إنقاذ الغرقي والقتلى والمصابين. فوفقا لبيانات تل أبيب الرسمية، فقد فقدت إسرائيل في تلك المعركة البطولية والأسطورية لقواتنا البحرية نصف قوتها من المدمرات البحرية، واعترفت بمقتل 47 إسرائيليًا وإصابة 91 آخرين. وكعادتها في احترام المواثيق الدولية والالتزام بالمعاهدات الانسانية الدولية استجابت مصر، حيث استمرت عمليات البحث والإنقاذ لأكثر من48 ساعة. أهمية هذه المعركة أيضا أنها حطمت أسطورة البحرية الإسرائيلية، وكانت المدمرة إيلات التي كان لقواتنا البحرية ثآر معها، شاركت فى حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وفى حرب 5 يونيو 1967، وسرعان ما تقدمت إسرائيل تحت نشوة الانتصار فى وغرور قوة "الجيش الذى لا يقهر" بدفع إيلات وبعض قطعها لاختراق واستباحة المياه الإقليمية المصرية فى منطقة بورسعيد فى محاولة لإظهار سيادتها البحرية، فجاءت الصفعة المدوية والضربة الساحقة التي أحدثت دويا مهولا في العالم وغيرت وجه مياه المتوسط، وتحدث تغييرا شاملا في مفاهيم التكتيك البحري على مستوى العالم. كانت تلك العملية هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البحرية الحديثة، التي ينجح فيها زورق صواريخ صغير في إغراق مدمرة كبيرة، ما أدى إلى تغيير شامل في استراتيجية القتال البحري حول العالم.
وقال الخبراء العسكريون حول العالم بان هذا الهجوم يعتبر الأول من نوعه في استخدام الصواريخ سطح/ سطح بهذه الكيفية، وانبثقت بعدها عقيدة جديدة في الحرب البحرية وتم تسجيل هذه المعركة ضمن أشهر المعارك البحرية في التاريخ. واتخذتها القوات البحرية المصرية عيدا لها تحتفل به كل عام. الشعب المصري بكافة فئاته استقبل خبر تدمير إيلات بفرحة كانت غائبة وبسعادة بالغة توارت خلف الأحزان، حيث أعادت له الثقة في القوات المسلحة والأمل في الثأر لهزيمة 5 يونيو واستعادة الأرض وتطهيرها من دنس الصهاينة. كان أكثر المصريين فرحا بذلك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي قال عقب سماعه الخبر إن "هذا أسعد خبر سمعته منذ حدوث النكسة في 5 يونيو" أي بعد 5 شهور كاملة رسم الزمن فيها بمعاوله القاسية علامات الحزن والهم والآسى والكبر على وجه الرجل الذي لم يتجاوز عمره وقتها ال50 عامًا، أما الأبطال الذين كانوا وراء إغراق إيلات فقد أرسل لهم الفريق محمد فوزي وزير الدفاع طائرة أقلتهم إلى القاهرة لتكريمهم حيث استقبلهم فوزي بإبتسامة عريضة ملأت وجهه مما أثار استغرابهم كما يذكرون، لأنه كانت المرة الأولى التي يرونه فيها مبتسما، لأنهم تعودوا أن يرونه منذ أن كانوا طلبة في الكلية الحربية متجهما يثير الرعب في نفوس الطلاب لمجر ظهوره في فناء الكلية. وأصدر عبد الناصر قرارا جمهورىا بمنح جميع الضباط والجنود الذين اشتركوا فى تدمير المدمرة الإسرائيلية الأوسمة والأنواط تقديرا لما قاموا به من أعمال مجيدة، ليتم اتخاذ هذا اليوم ليكون عيدا للقوات البحرية المصرية. وفي سلوك خسيس وغادر وجبان ليس غريبا على إسرائيل وقادتها، وعقب استجابة مصر لعمليات الانقاذ وإجلاء الجثث والانتهاء منها، كانت الإذاعة الإسرائيلية تدعو للانتقام. وقامت بعدها القوات الإسرائيلية في يوم 24 أكتوبر أي بعد انتهاء عملياتها في انتشال قتلي وجرحى المدمرة مباشرة بالغدر والانتقام بضرب المدنيين بمدن وقري قناة السويس. كما قصفت معامل تكرير البترول بالزيتية ومصانع السماد في مدينة السويس. وأصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بتهجير سكان مدن القناة إلى داخل الجمهورية، حماية لهم من الغارات الإسرائيلية الانتقامية التي كانت تستهدف المدنيين ردا على الضربات العسكرية المصرية ضد القوات الإسرائيلية المحتلة في سيناء. كان قرار عبد الناصر بتهجير السكان إعلانًا واضحًا بأن مصر اختارت طريق الحرب لتحرير أراضيها المحتلة بالقوة المسلحة، وأنها لن تسمح لإسرائيل باتخاذ سكان مدن القناة رهائن لتعطيل مسيرة التحرير. وعلى الرغم من العملية اشتهرت إعلاميًا باسم ضرب "واغراق المدمرة إيلات"، فقد كانت هناك مدمرة آخرى تسمى "يافو" نجحت قواتنا البحرية أيضا في اغراقها لكن إسرائيل أنكرت لفترة طويلة خبر اغراق المدرة الثانية. وحرصت القيادة على عدم إصدار أي بيان عسكري دون أدلة مؤكدة. أما عن العملية البطولية ذاتها، وكما رواها في مذكراته الفريق محمد فوزي وزير الدفاع والعميد بحرى محمود فهمى رئيس الأركان القوات البحرية بالتفاصيل. فقد توغلت المدمرتان الإسرائيليتان "إيلات" و"يافو" داخل المياه الإقليمية المصرية أمام سواحل مدينة بورسعيد، في تحدٍ سافر من جانب إسرائيل. مما تطلب من البحرية المصرية حسب التعليمات الصادرة لها ضبطا بالغا للنفس، وعدم اطلاق النار على المدمرتين لاغراءهما بمزيد من التوغل، حتى كانت ليلة 21 أكتوبر 1967، و فيها صدرت توجيهات إلى قيادة القوات البحرية بعد تصديق القائد العام الفريق فوزي والقائد الأعلى الزعيم عبد الناصر بتدمير المدمرة إيلات. انطلق سرب من لنشات الصواريخ المصرية من طراز "كومر" لمواجهة الأهداف، فتمكن النقيب أحمد شاكر، قائد لنش الصواريخ رقم 504، من إصابة المدمرة "إيلات" بصاروخين سطح – سطح من طراز "ستيكس"، فغرقت في أعماق البحر. كما نجح النقيب لطفي جاد الله، قائد لنش الصواريخ رقم 501، في إصابة المدمرة "يافو" بصاروخين مماثلين، فغرقت هي الأخرى يوم 21 أكتوبر عيد فخر وصفحة بطولية خالدة في تاريخنا سطرها أبطالنا وشهداءنا بدمائهم.