وكأني معهم أسمع وأرى أجُول في أرض المعركة، أسمع دوي الطائرات والصواريخ تارةً، وضجيج المدرعات والدبابات تارةً أخرى، وألهثُ في مكاني وأنا أُبحر في قناة السويس، وأرى الساتر الرملي يهوي كما تهوي أهرامات من الرمال تم بنيناها عبثًا علي شاطئ البحر، فقد هُدِمت مع أول موجة وكنا نظنها لا تُهدَمُ ويحصل لى حال شريف، حيث تزداد دقاتُ قلبي بصيحات الأبطال "الله اكبر.. الله أكبر"، وأرفع علم وطني على أرض سيناء الطاهرة. ما أجمل الرواية حين يكون الراوي من أبطالها، تتدفق المشاعر وكأني أحيا تفاصيل قصة النصر والعزة نصر أكتوبر المجيد، إنه أبي رحمات ربي عليه فارس أحلامي، وفارس الفرسان وأحد أبطال حرب أكتوبر، اصطفاه الله لهذا الشرف العظيم ضابطًا مِغوارًا ليكون لوطنه عزًا، ولنا ولأحفاده فخرًا كلما التفوا حوله منصتين لقصة النصر المبين. كم كانت المشاهد تبهرني! ولكن دائما تستوقفني قصة "عسكري المراسلة" المرافق لأبي في الحرب، وأحب أن أخبركم بأمرين: الأمر الأول: أن من يقوم بهذه الوظيفة ليس من مَهَامه عبور القناة ولكنه ألحَ بالدموع إلحاحًا شديدًا علي رغبته في العبور، وبالرغم من محاولات أبي لإقناعه بالعدول عن رغبته، ومدى خوفه عليه، ولكن لا محالة أمام رغبة مخلصة ملحة، وبالفعل جاءت الموافقة على العبور. والأمر الثاني: أنه كان "مسيحي" لا أذكرها إشارةً للتعجب والاستغراب لأني لم أستشعره ولو بالإشارة في حكايات والدي - رحمات ربي عليه -، ولكن أتوقف أمام نموذج مصغر لقصص كثيرة علي شاكلتها، كم كان الحب والاتحاد عمودين للنصر، فالهدف واحد وهو الوطن الغالي. إن نصر أكتوبر قصة عبقرية تحمل في طَياتِها رسائل كم نحن بحاجة لها في زمان زادت فيه الخلافات، وهدأت روح الاتحاد، وعلت أصوات ليست منا وما أنزل الله بها من سلطان. فيا جيلا هو الأقوى ارعوا أسماعكم، فالحرب ما زالت قائمة؛ بل أعنف تأتيكم خِلسة، ولكنكم بإذن الله قادرون، اسعوا في ميادين العلم والعمل، وتسلحوا بسلاح الأخلاق والإخلاص، وخذوا أجدادكم نبراسًا ونفحة أمل أنه ليس هناك مستحيل، وأن القادم أفضل وأجمل بإذن الله ثم بكم.