تقول الحكمة بأن "الأمم العظيمة ليست من تملك السلاح الأقوى، ولكن من تملك الحكمة حين يضيع صوت الحكمة". ولعل تلك الحكمة تجد صداها اليوم في مصر، وهي تستعد لأن تضع توقيعها مجددًا على صفحة من صفحات التاريخ. فغداً ، في مدينة السلام، يعود التاريخ ليُعيد تعريف الجغرافيا، حيث تستقبل شرم الشيخ عشرين زعيمًا من أنحاء العالم، يتقدمهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قمة تُرفع فيها رايات الأمل فوق صخب المدافع، وتُعلن فيها مصر أن زمن الفوضى الطويل قد آن له أن يتوقف عند شواطئها. ليست هذه القمة كسابقاتها، فهي تختلف في المعنى والرسالة، لأن قيادتها مشتركة بين رجلين على طرفي التجربة السياسية — أحدهما الرئيس السيسي الذي يُمثّل عمق الدولة المصرية واستقرارها، والآخر دونالد ترامب، حيث يُجسّد نزعة القوة الأمريكية وسرعة القرار، لكن التاريخ، كما علمنا دائمًا، يعرف أن مصر هي التي تُوازن الكفّتين حين تميل الموازين. من شرم الشيخ، ومن هذه البقعة التي اختبرتها مصر في لحظات الحرب والسلام، تُصاغ اليوم معادلة جديدة، عنوانها "قوة العقل المصري حين يلتزم مسؤوليته التاريخية". فالعالم المزدحم بالضجيج يحتاج إلى صوت يملك خبرة الصمت الحكيم، والشرق الذي أرهقته نيران التطرف والاحتلال يحتاج إلى يد تُطفئ لا إلى يد تُشعل. وأمام عاصفة الحرب في غزة، ومؤمرات الغرب، يدخل الرئيس السيسي القمة وهو يحمل إرث سبعة عقود من التجربة المصرية في التعامل مع الحروب — من هدنة 1949 إلى اتفاقيات كامب ديفيد، ومن مفاوضات طابا إلى الوساطة في غزة،، لكن الجديد هذه المرة أن مصر لم تعد تطلب مقعدًا على المائدة، بل تملك المائدة ذاتها. وغدًا، حين تبدأ الجلسة الأولى، سيكتشف العالم أن شرم الشيخ ليست مكانًا على الخريطة، بل رمزٌ لفلسفة مصرية قديمة: أن الأمن لا يُشترى بالتحالفات المؤقتة، بل يُبنى بالسلام الدائم، وأن القائد الحقيقي هو من يُطفئ الحروب حين يملك أن يُشعلها. وهكذا ، حين تُسدل ستائر هذا اليوم من أيام التاريخ، فلن تُقاس قمة شرم الشيخ بعدد القادة الذين حضروها، ولا بعدد الكلمات التي قيلت فوق منابرها، بل بمدى قدرتها على إعادة تعريف معنى "الدور المصري" في معادلة العالم، الذي يقف اليوم عند لحظة نادرة، بين ماضٍ يرفض أن يمضي، ومستقبلٍ يبحث عمّن يفتحه. وفي تلك المسافة الدقيقة، تقف مصر — لا بوصفها دولة فحسب، بل فكرةً عمرها آلاف السنين، تمتلك الحق والأرض والبصيرة.