تؤكد مدينة شرم الشيخ استحقاقها التاريخي للقب مدينة السلام، فهي وجهة سياحية عالمية تطل على البحر الأحمر بجمالها الخلاب، وغدت منبرًا للعقل العربي والدبلوماسية الرشيدة، ومركزًا متجددًا للحكمة السياسية التي تجمع ولا تفرق، وتعلي صوت الحوار فوق أصداء الصراع، ولقد تحولت شرم الشيخ إلى منصة عربية ودولية للتوازن الدبلوماسي، تلتقي فيها المصالح السياسية مع الضمير الإنساني، وتمارس فيها القيادة المصرية دورها المحوري في إدارة النزاعات الإقليمية بوعي استراتيجي ومسؤولية تاريخية، فهي المدينة التي تحتضن روح السلام في عمقها، وتشهد على أن مصر لا تكتفي بدعوات التهدئة، وتصنع مساراتها بجهد واقعي وعقل منفتح. ومؤخرًا، احتضنت مدينة شرم الشيخ جولات حوار دقيقة ومعقدة، جمعت الأطراف المتنازعة تحت مظلة الرعاية المصرية الحكيمة، في مسعى صادق لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وإعادة فتح أبواب الحياة أمام أهل غزة الذين أنهكتهم الحرب وأثقلت كاهلهم المآسي، وجاءت هذه الجهود في إطار رؤية إنسانية ودبلوماسية راقية تؤكد أن مصر حين تتدخل، تفعل ذلك بوصفها صوت الضمير العربي وركيزة الاستقرار الإقليمي، الحريصة على أن يكون السلام فعلًا واقعيًا. ومن قلب مدينة شرم الشيخ التي تنبض بالسلام، تم إبرام الاتفاق التمهيدي لخطة السلام التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار مسار تفاوضي شاق ومعقد اتسم بتداخل المصالح وتشابك الحسابات الإقليمية والدولية، غير أن الإدارة المصرية، بفضل القيادة الرئاسية الحكيمة والمتزنة، والدبلوماسية الهادئة الرصينة، وبدعم رجال الظل في جهاز المخابرات العامة المصرية الذين أحسنوا إدارة الخيوط الدقيقة خلف الكواليس، استطاعت أن تحول اللقاء من مجرد تفاهم سياسي محدود إلى منعطف تاريخي في مسار التهدئة، ومقدمة واقعية لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وإحياء الأمل في إمكانية التعايش واستعادة روح السلام المفقودة. ولقد جسدت مصر، من خلال هذا الدور، عبقرية الدبلوماسية الرئاسية التي تمزج بين الحزم والإنسانية، وتوازن بين الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقي، لتؤكد مجددًا أن السلام يبنى بالعقل والإرادة والنية الصادقة، ومن خلال هذا الحضور الفاعل، أعادت مصر صياغة مفهوم الوساطة العربية، فحولتها من مجرد جهد توفيقي إلى رؤية استباقية تصوغ المستقبل وتستشرف مآلاته، وهكذا تبرهن مصر أنها القلب النابض للأمة العربية، تضخ الأمل في عروقها كلما اشتدت الأزمات، وتنثر ضوء الحكمة في دروبها كلما تكاثفت العتمة. وتتجلى الأهمية الاستثنائية لهذه التسوية في تركيزها على هدفين محوريين متكاملين، يشكلان الركيزة الأساسية لأي حل عادل ومستدام، فالمحور الأول يتمثل في وقف فوري لإطلاق النار، بوصفه الخطوة الأولى لإنهاء دوامة العنف وحماية الأرواح البريئة، وإيقاف النزيف الذي أنهك غزة وأرهق الضمير الإنساني، ويعد هذا الوقف مقدمةً ضرورية لتهيئة الأجواء أمام تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، وفتح المعابر تنفيذًا لإجراءات عاجلة تسهم في تخفيف معاناة المدنيين، إلى جانب تبادل الأسرى والمعتقلين كخطوة إنسانية تعيد الأمل، وتبني الثقة بين الأطراف، وتمنح الفلسطينيين إحساسًا بأن تضحياتهم لم تذهب سدى، وأن الدماء التي سالت على أرض غزة كان لها صدى سياسي وإنساني يترجم إلى فعل حقيقي. أما المحور الثاني فيرتكز على الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع إلى خطوط متفق عليها، تمهيدًا لإنهاء الاحتلال الفعلي لهذه المناطق، ووقف العمليات العسكرية الكبرى التي خلّفت دمارًا واسعًا، ويأتي ذلك في إطار اتفاق يتضمن ضمانات أمنية متبادلة، تتيح في الوقت ذاته دخول المساعدات الإنسانية بصورة منتظمة ومستدامة، وتطلق عملية إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، بما في ذلك المرافق الصحية والتعليمية والخدمات الأساسية، من أجل تهيئة حالة من الاستقرار المدني المؤقت وتوفير الحد الأدنى من الأمان للسكان، وتمنحهم القدرة على مواصلة الحياة بكرامة. كما تنص التسوية على آليات إشراف دقيقة وضمانات دولية وإقليمية تشارك فيها أطراف الوساطة لضمان الالتزام ببنود الاتفاق، ومنع أي خروقات محتملة لوقف إطلاق النار، مع وضع جدولٍ زمني واضح لمراحل التنفيذ، يضمن تدرج الانسحاب والتسوية في إطار مرجعية الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، ومن خلال هذا المسار المتوازن تبرهن مصر عبر دبلوماسيتها الهادئة وموقعها الوسيط، أن السلام هو أرقى أشكال القوة العقلانية التي تسعى إلى حماية الإنسان، وصيانة المعنى الإنساني في قلب الصراعات المعاصرة. وتمثل الخطة المطروحة للسلام اختبارًا حقيقيًا للضمير الدولي، ومحاولة جادة لإحياء القيم في عالم تغلب عليه لغة المصالح ومنطق القوة، فالسلام الحقيقي يتحقق بتوازن السلاح وتوازن الكرامة والعدالة، والحياة الآمنة، وقد أدركت مصر هذه الحقيقة، فعملت على أن يكون الإنسان محور المفاوضات، من خلال التأكيد على حماية المدنيين، ورفض أي شكل من أشكال التهجير القسري، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، وهكذا أعادت القاهرة إلى السياسة معناها الأخلاقي، وربطت بين الضمير والقرار، لتثبت أن السلام يقاس بالقدرة على حفظ حياة الناس وكرامتهم. وتضلع مصر من خلال هذا الدور التاريخي لممارسة قيادة دبلوماسية رشيدة تعبر عن فهم استراتيجي لطبيعة الصراع وتعقيداته، وإدراك راسخ بأن أي حل لا يستند إلى عدالة إنسانية وتوازن سياسي لن يكتب له الاستمرار؛ ولذا تنطلق مصر من رؤية شاملة تجعل من السلام خيارًا وطنيًا واستراتيجيًا، والسعي إلى صيغة تحقق الأمن والاستقرار لجميع الأطراف في إطار من الشرعية والإنصاف، وبفضل رصيدها الكبير من المصداقية الدولية وعلاقاتها الإقليمية المتوازنة، استطاعت القاهرة أن تؤدي دور الوسيط الصامت والعاقل بين مختلف الأطراف من حركة حماس إلى إسرائيل مرورًا بالوسطاء الإقليميين والدوليين، لتصبح جسرًا دبلوماسيًا فعالًا يسعى إلى فك الاشتباك السياسي، وتهيئة بيئة أكثر ملاءمة لبناء سلام مستدام، يقوم على الحوار، والتفاهم. وقد قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي في البعد الإنساني، نموذجًا فريدًا في إدارة الأزمات، جمع فيه بين الحزم والعقلانية، فجعل من مصر الضمير الأخلاقي للأمة العربية، وصوتها الإنساني في زمنٍ تتكاثر فيه المآسي، حيث كانت في الصفوف الأولى للإغاثة، وفتحت المعابر الإنسانية، واستقبلت الجرحى والمصابين، وسهلت دخول المساعدات الطبية والغذائية عبر تنسيق محكم مع المؤسسات الدولية، مما عزز مصداقية موقفها الإنساني والسياسي على السواء. وحافظت القاهرة في الوقت ذاته على خطوط اتصال متوازنة مع جميع الأطراف، لتؤكد أن الدبلوماسية الحقيقية هي فن الموازنة بين الضرورات الوطنية والمقتضيات الإنسانية، وهكذا، مارست مصر دورها كوسيط وضامن إنساني وسياسي، حيث تجلت الحكمة الرئاسية في أبهى صورها، وأثبتت أن مفهوم الدولة القائدة يقوم على حماية الحدود وحماية قيم السلام والكرامة الإنسانية، بالقوة الهادئة وعقل يبصر ويدرك ما وراء الحدث، وتصنع التوازن في عالم تتنازعه المصالح وتبحث فيه الشعوب عن صوت عاقل يعيد للسلام معناه الإنساني. غير أن طريق السلام ليس مفروشًا بالورود؛ فكل بارقة أمل تولد وسط تحديات معقدة، وتبقى الاتفاقات هشةً ما لم تبن على ثقة متبادلة وإرادة صادقة، فالمجتمع الدولي رغم أهميته ما زال مترددًا أمام مسؤولياته الأخلاقية، بينما تواصل إسرائيل كعادتها المناورة في التفاصيل وتفسير الالتزامات بما يخدم مصالحها، ومع ذلك تدرك مصر بخبرتها ونظرتها الاستباقية، أن السلام عملية تراكمية تصنع بالإصرار والصبر، وأن نجاح أي تسوية مرهون بصدق النوايا واستمرار الالتزام، وبهذا الوعي، تواصل مصر أداء دورها التاريخي كصانعة للسلام وحامية لمعناه الإنساني. حفظ الله مصر، أرض الرسالات ومهد الحضارات، وحفظ قيادتها الرشيدة التي تحمل لواء الحكمة والمسؤولية في زمن التحديات، وبارك في مؤسساتها الوطنية التي تحرس الأمن وتصون الكرامة، وفي شعبها الأبي الذي يثبت في كل لحظة أنه درع الوطن وسنده، لا ينكسر ولا يلين، فهذه مصر التي كتب الله لها الخلود في صفحات التاريخ، تبني بالوعي، وتصون بالعدل، وتمضي بعزيمة نحو مستقبل يصنعه الإيمان والعمل والوحدة الوطنية.