سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المنوفية والبحيرة فى دائرة الخطر.. ارتفاع منسوب النيل يغرق الأراضى والمنازل.. وتحذيرات من تعديات طرح النهر.. وزارة الرى: الإدارة العشوائية لسد النهضة تفتعل فيضانًا صناعيًا يهدد دول المصب
لم تسلم محافظتا المنوفية والبحيرة من تداعيات ارتفاع منسوب مياه نهر النيل مؤخرًا، حيث بدأت مياه الفيضان تتسرب إلى المنازل والأراضي الزراعية، وسط تحذيرات متزايدة من تفاقم الأزمة، في ظل غياب تنسيق فعال بين إثيوبيا و دولتى المصب لإدارة الموارد المائية. وشهدت عدد من قرى محافظة المنوفية غرق منازل وغمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، في مشهد أعاد إلى الأذهان المخاوف من تأثيرات الفيضان الموسمي، واحتمالات تفاقم الوضع مع استمرار ارتفاع المنسوب، ما ينذر بمزيد من الأضرار في المناطق المجاورة لمجرى النهر. وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع تدفق كميات كبيرة من المياه عبر مجرى النهر، مما أثار قلقًا رسميًا وشعبيًا من تعرض مناطق جديدة، لا سيما الأراضي الزراعية والمساكن القريبة من النهر، لخطر الغرق. وتعد الأراضي المعروفة باسم "طرح النهر" من أبرز المناطق المهددة، وهي أراضٍ منخفضة تقع ضمن الحرم الطبيعي للمجرى المائي، وتُعد محمية مائية يمنع البناء أو الزراعة الدائمة فيها. ورغم خطورة هذه الأراضي، فقد بدأ التوسع العمراني في أراضي "طرح النهر" قبل أكثر من عقدين، عندما شهد منسوب النهر انخفاضًا ملحوظًا، مما دفع بعض السكان إلى استغلال هذه المساحات في الزراعة الموسمية أو البناء غير الرسمي، في ظل غياب رقابة كافية أو بدائل واضحة. ومع عودة الفيضانات تدريجيًا في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر الآثار الكارثية لهذه التجاوزات، حيث لم تُصمم هذه الأراضي لتحمّل أنشطة سكانية دائمة، بسبب طبيعتها الجغرافية المنخفضة والمعرضة سنويًا للغمر. دعوات لتنسيق عاجل واستراتيجية واضحة ويحذر خبراء من أن استمرار غياب التنسيق بين دول المصب (مصر والسودان) والدول الواقعة في أعالي النيل، سيؤدي إلى تكرار هذه الأزمات بشكل متزايد، ما يتطلب تحركًا عاجلًا على المستويين المحلي والإقليمي، لوضع استراتيجية متكاملة لإدارة المياه والحد من الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ وسوء استخدام الموارد المائية. و تتابع وزارة الموارد المائية والري عن كثب تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام، وما ارتبط بها من تصرفات أحادية متهورة من جانب إثيوبيا في إدارة سدها غير الشرعي، المخالف للقانون الدولي. هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب، كما تكشف بما لا يدع مجالاً للشك زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالغير، وتؤكد أن ما تقوم به لا يعدو كونه استغلالاً سياسياً لمورد حيوي على حساب الأرواح والأمن الإقليمي. الوضع المائي والبيانات الهيدرولوجية تنبع مياه نهر النيل من ثلاثة روافد رئيسية هي: النيل الأبيض، النيل الأزرق، ونهر عطبرة. ويشهد نهر النيل الأزرق فيضانه السنوي خلال الفترة من يوليو وحتى أكتوبر، حيث تبلغ الذروة عادة في شهر أغسطس. وتشير البيانات إلى أن فيضان هذا العام عند المصادر الثلاثة أعلى من المتوسط بنحو 25%، إلا أنه أقل من فيضان العام الماضي، الذي كان استثنائياً. من الناحية الفنية، كان من المفترض أن تبدأ إثيوبيا في تخزين المياه بسد النهضة تدريجياً منذ بداية يوليو وحتى نهاية أكتوبر، ثم تصريفها بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه من فوائد مزعومة في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء لشعبها. غير أن المراقبة الفنية في نهاية أغسطس كشفت أن مشغلي السد الإثيوبي خالفوا القواعد العلمية المتعارف عليها، حيث تم تخزين كميات أكبر من المتوقع مع تقليل كبير في التصريفات من نحو 280 مليون م³ إلى 110 ملايين م³ فقط يوم 8 سبتمبر 2025. ويكشف هذا التوجه المتعجل نحو ملء السد إلى منسوب 640 متر فوق سطح البحر، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة – فقط لأغراض إعلامية خلال ما سُمّي باحتفال "افتتاح السد" يوم 9 سبتمبر – عن غياب تام للاعتبارات الفنية والسلامة المائية ومصالح دول المصب. وبالفعل، عقب هذا الاحتفال، قام المشغل الإثيوبي يوم 10 سبتمبر بتصريف كميات ضخمة من المياه بلغت 485 مليون م³ في يوم واحد، تبعتها زيادات مفاجئة وغير مبررة وصلت إلى 780 مليون م³ يوم 27 سبتمبر، ثم انخفضت إلى 380 مليون م³ يوم 30 سبتمبر. كما أظهرت التقديرات انخفاض منسوب المياه بالسد الإثيوبي بما يقارب متراً واحداً، بما يعادل نحو 2 مليار م³ من المياه تم تصريفها دون مبرر فني واضح، بخلاف كميات الفيضان الطبيعية، ما أكد الطبيعة العشوائية وغير المنضبطة لإدارة السد. وقد تسببت هذه الكميات الكبيرة وغير المتوقعة من المياه في وقت متأخر من العام، بالتزامن مع تأخر سقوط الأمطار داخل السودان وارتفاع إيراد النيل الأبيض، في حدوث زيادة مفاجئة في منسوب المياه، ما أدى إلى غمر مساحات من الأراضي الزراعية وقرى سودانية عديدة وفي ظل هذه الظروف الطارئة، لم يكن أمام مشغلي سد الروصيرص السوداني سوى تخزين جزء بسيط من هذه المياه، وتمرير الجزء الأكبر عبر بواباته حفاظاً على أمان السد نظراً لمحدودية سعته التخزينية. وترى الوزارة أن ما حدث من ملء غير قانوني للسد الإثيوبي، تلاه تصريف هائل للمياه عقب "احتفال الافتتاح"، لا يمكن اعتباره إجراءً اضطرارياً، بل يعكس غياب المسؤولية والإدارة الرشيدة لمشروع بهذا الحجم والخطورة. لقد أدى هذا السلوك الأحادي إلى إحداث تغير في نمط فيضان النيل الأزرق، حيث وقعت ذروته بشكل غير طبيعي في سبتمبر بدلاً من أغسطس، وهو ما يمكن وصفه ب"فيضان صناعي مفتعل" أكثر حدة وقوة. وقد ألحق هذا الفيضان خسائر فادحة بالسودان الشقيق، وفقاً لتقارير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وهدد حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب، رغم التحذيرات المتكررة من مصر بشأن مخاطر إنشاء سد بهذا الحجم دون اتفاق قانوني ملزم، ودون ضوابط تشغيل واضحة. تؤكد وزارة الموارد المائية والري أن إدارة الموقف المائي في مصر تتم بشكل ديناميكي قائم على الرصد اللحظي في أعالي النيل، باستخدام أحدث النماذج الرياضية للتنبؤات الهيدرولوجية. ويتم من خلال هذه الإدارة الدقيقة تحديد التوقيتات المناسبة للتصرفات المائية، سواء لزيادة التصريف خلال موسم أقصى الاحتياجات الزراعية (مايو–أغسطس)، أو ضبط كميات المياه في فترة الفيضان (يوليو–أكتوبر)، أو تخفيضها خلال السدة الشتوية (يناير–فبراير). ويُستخدم المجرى الرئيسي أو مفيض توشكى – عند الضرورة – لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وحماية الأمن المائي المصري من أي تصرفات عشوائية إثيوبية. وفي إطار التحسب لمثل هذه السيناريوهات، كانت الوزارة قد أصدرت في 7 سبتمبر 2025 توجيهات لكافة المحافظين بضرورة تنبيه المواطنين لتوخي الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ممتلكاتهم وزراعتهم في أراضي طرح النهر، رغم كونها مخالفات قانونية. ويأتي ذلك في إطار حرص الدولة على حماية المواطنين وتقليل الآثار المحتملة للفيضان، مع التأكيد أن تلك الأراضي تعد جزءاً من المجرى الطبيعي والسهل الفيضي لنهر النيل، وبالتالي فهي معرضة للغمر في مثل هذه الحالات. تشير الوزارة إلى أن الأراضي التي غمرتها المياه مؤخراً هي بطبيعتها جزء من أراضي طرح النهر التي اعتاد نهر النيل استيعابها عند زيادة التصريفات عبر العقود إلا أن التعديات عليها بزراعات أو مبانٍ بالمخالفة للقانون أدت إلى وقوع خسائر عند ارتفاع المناسيب. وما يُروّج له عبر بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى "غرق المحافظات" هو ادعاء باطل ومضلل، إذ أن الأمر يقتصر فقط على غمر بعض أراضي طرح النهر، وهي بطبيعتها ضمن حرم النيل ومعرضة للغمر. تحذر الوزارة من استمرار التعديات على مجرى النهر، لما لها من عواقب فنية خطيرة، أبرزها تقليص القدرة التصريفية للنهر، الذي يمثل مصدر الحياة الرئيسي للمصريين. وتقوم الوزارة سنوياً بتحذير المواطنين، وتنفيذ مناورات وجهود مكلفة لحماية زراعات وأملاك المخالفين، انطلاقاً من مسؤوليتها تجاه أبناء الوطن. إلا أن هذه التعديات المستمرة من فئة قليلة تضر بحقوق عشرات الملايين من المواطنين وتؤثر سلباً على النشاط الزراعي والاقتصاد الوطني. تؤكد وزارة الموارد المائية والري أن الدولة المصرية بكافة أجهزتها تتابع الموقف على مدار الساعة، وأن السد العالي بما يملكه من إمكانيات تخزينية وتصريفية يمثل الضمانة الأساسية لحماية مصر من تقلبات النيل والفيضانات المفاجئة. كما تطمئن الوزارة المواطنين بأن إدارة موارد مصر المائية تتم بكفاءة عالية وبصورة مدروسة تراعي جميع الاحتمالات، بما يضمن تلبية الاحتياجات المائية وحماية الأرواح والممتلكات.