الأمم العظمى لا تتقدم الا بالحوار. الحوار وحده هو الذي يحدث التغيير، كثمرة ومخرج واقعي لتلاقي الأفكار والنقاش حولها. على مدى سنوات، تشرفت بالمشاركة في الإفطار السنوي للإسرة المصرية، وهو التقليد الذي يتبعه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في استضافة رموز، تمثل شرائح مختلفة من أطياف الشعب المصري. وفي اعتقادي أن حفل الافطار عام 2022، كان مختلفا في المبادرات التي طرحها سيادته، ومنها إعلانه أنه إنطلاقًا من الإعلان عام 2022 عامًا للمجتمع المدني، فقد دعا كافة الأجهزة المعنية ومؤسسات المجتمع المدني لإطلاق منصة حوار من خلال التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ووزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي لحقوق الإنسان لتقديم الدعم للعمل الأهلي والمجتمعي واقتراح التعديلات التشريعية اللازمة لتسهيل العمل المجتمعي بما يخدم أهداف الدولة في تحقيق التنمية المستدامة، كذلك إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب. جاءت كل إطروحات الرئيس تحت شعار " الوطن يتسع لنا جميعًا وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية". قبل أيام ..جاء قرار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعفو عن باقي العقوبة لعدد من المحكوم عليهم، بعد استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية واستجابة لمناشدات المجلس القومي لحقوق الإنسان، محطة مهمة في مسار الإصلاح السياسي والحقوقي في مصر، ورسالة متعددة الأبعاد داخليًا وخارجيًا. القرار له دلالة ورسائل، فهو يعكس أن الإصلاح من الداخل ممكن وقابل للتنفيذ، ويؤكد أن الدولة المصرية جادة في فتح مسارات جديدة تعزز التماسك الداخلي وتساعد على حفظ السلم المجتمعي. كما يمثل إنفراجة سياسية حقيقية، تضاف إلى مبادرات الرئيس السابقة، ومنها الدعوة إلى الحوار الوطني وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وغيرها من الخطوات التي تعكس رغبة صادقة في إحداث تحول تدريجي نحو إصلاح شامل. على الجانب السياسي، يعزز القرار صورة الدولة المصرية كدولة قوية مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها بوعي ومسؤولية، كما يفتح الباب أمام توسيع نطاق قرارات العفو في المستقبل استجابة لمطالب ومخرجات الحوار الوطني، وصولًا إلى معالجة أكثر شمولًا لملف الحبس الاحتياطي بما يرسخ مبادئ العدالة الناجزة. وعلى الجانب الحقوقي والقانوني، فإن القرار يبرهن على التزام الرئيس الصارم بالدستور والقانون في كل ما يتعلق بالعفو، ويؤكد استقلال القضاء واحترام مؤسسات الدولة لآراء الخبراء والمجتمع المدني، خاصة بعد إعادة مشروع قانون الإجراءات الجنائية للمناقشة. وهو ما يعكس التقدير لأهمية المشاركة المؤسسية ودور المجلس القومي لحقوق الإنسان، باعتباره الآلية الوطنية المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان طبقًا للدستور. ولا تتوقف دلالة القرار عند حدود الإفراج عن عدد من الأسماء البارزة مثل علاء عبد الفتاح وآخرين، بل تمتد لتشمل أبعادًا اجتماعية وإنسانية مهمة. فالعفو لا يحقق فقط بُعدًا إنسانيًا للأسر المستفيدة منه، بل يرسخ مبدأ أن العقوبة ليست غاية في ذاتها وإنما وسيلة إصلاحية، وأن كرامة الإنسان وحقه في إعادة الاندماج في المجتمع يجب أن يكونا محور السياسات العقابية. القرار - أيضا - يشكل كذلك إضافة نوعية لمسار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ويبعث برسالة أمل بأن التوازن بين العدالة الجنائية والرحمة الإنسانية هو نهج ثابت في السياسات العامة المصرية، مما يعزز مناخ الثقة بين الدولة والمجتمع، ويمثل استجابة حقوقية متقدمة لمطالب المجتمع المدني. يمكنني القول إن مصر تمضي بخطوات مدروسة نحو إصلاح سياسي أشمل، يعزز استقرارها الداخلي ويرسخ ثقة مواطنيها في المستقبل. فالعفو الرئاسي لم يعد مجرد إجراء استثنائي، بل أصبح جزءًا من رؤية متكاملة تسعى إلى بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وتماسكًا، يضع حقوق الإنسان في صدارة أولوياته. .. وفي اعتقادي أن الشعار الذي تتجدد حيويته دوما أن .." مصر تسع الجميع".. [email protected]