سوف يحتفظ التاريخ والجغرافيا بواحدة من أغرب مراحل الحقبة الأمريكية، مع الرئيس دونالد ترامب، الذى يقدم كل يوم صورا للتناقض والتقاطع، بعد أن أخلف كل وعوده التى قطعها خلال حملته الانتخابية، حيث عاير الرئيس السابق بايدن بأنه ترك الحروب تقوم وتشتعل، وأنه - ترامب - لو كان رئيسا ما نشبت حرب روسياأوكرانيا، أو الحرب فى غزة، لكن الكلام غير الواقع، والرئيس دونالد ترامب جاء حاملا الكثير من الضجيج والتصادمات، لم يوقف الحروب وإنما غذى الصراعات وأعطى ضوءا أخضر لعودة الحرب على غزة بصورة أكثر عنفا وإجراما، لم تقتصر على القصف ولكن على الحصار والتجويع، وكان الرئيس ترامب الوحيد الذى دعم جرائم نتنياهو ودعاوى التهجير والإبادة والتصفية العرقية لسكان غزة. بينما المقتلة تدور فى غزة والاحتلال يبيد الأطفال والنساء والمرضى، ويهدم المستشفيات بل ويطلق النار على طالبى الغذاء والمساعدات، كل هذا والرئيس ترامب يتحدث عن تحويل غزة إلى ريفيرا ومشروعات سياحية، فى مأساة تتجاوز كل ملهاة، وكأنه يتحدث عن شعب غير موجود ليقف على أخطر عناصر الصهيونية الاستيطانية التى ترى فلسطين أرضا بلا شعب، وهو نوع من الأفكار التى يفترض أنها اختفت من القرون الوسطى، وهى خطوات سيكتبها التاريخ باعتبارها الأكثر انحطاطا فى التاريخ الحديث لأوروبا والولاياتالمتحدة، بل إن أفكار الإبادة والتهجير التى يطرحها نتنياهو والمتطرفون فى حكومته، لا تجد تأييدا سوى من اليمين الأمريكى المتطرف، بينما يرفضها أغلب الشعب الأمريكى، الذين يعلنون رفض الحرب والإبادة وينتقدون سياسات ترامب، الذى يطيح بأبسط قواعد القانون الدولى أو المبادئ والقيم الأمريكية، بل إنها تعاكس القيم التى يفترض أنها تتردد على ألسنة النظم الأوروبية والأمريكية. بعد شهور من الحرب وجهود مصر والدول العربية فى رفض الإبادة والتهجير وتصفية القضية، خاضت مصر حروبا لإقناع العالم بعدالة القضية الفلسطينية، ومع تضاعف أعداد الدول التى أعلنت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هدد الرئيس ترامب حلفاء الولاياتالمتحدة من دول أوروبا وحذرهم من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورفض الدولة ومعه ثلة من التوابع، بينما كل دول العالم الكبرى اعترفت بالدولة والحق والعدل باعتباره حقا وليس منحة، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. الرئيس دونالد ترامب واصل تصريحاته الغريبة وهاجم الأممالمتحدة ووصفها بأنها «تتمتع بقدرات هائلة، لكنها لا ترقى حتى ولو بقليل إلى المستوى المطلوب»، مشيرا إلى أن المنظمة «مجرد كلمات فارغة لا تحل الحروب»، وهاجم ترامب الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين، واعتبر قرارات اعتراف بعض حلفاء واشنطن بدولة فلسطين خطأ بل إنها وجه اللوم لأوروبا، وفى مفارقة «ترامبية» قال الرئيس الأمريكى إنه يطالب بإنهاء الحرب فى غزة والحروب السبع فى العالم، ويريد الحصول على جائزة نوبل، وهى المرة الأولى التى يطلب فيها رئيس أطاح بكل القيم أن يحصل على جائزة نوبل، ورغم أن الجائزة مسيسة، لكنها فى حال ذهبت إلى ترامب، ستكون نموذجا على ضياع ما تبقى من أوراق توت أو أوراق كتابة، حيث العار يلاحق العالم الحديث. وتشهد الفعاليات والمهرجانات الدولية داخل وخارج الولاياتالمتحدة اعتراضات وانتقادات لسياسات الرئيس الأمريكى، ويرون أنه أطاح بكل القيم والمثل، وهناك مشهد للنجم العالمى روبرت دى نيرو، الذى وقف وقال جملة واحدة ضد ترامب، وحظيت بتصفيق وتأييد ضخم من الحضور، وفى تقرير نشره «اليوم السابع» كشفت مجلة «بوليتيكو» كيف أن أغلب المناصب الدبلوماسية بالخارجية الأمريكية خالية لرفض كثيرين توليها خلال فترة الرئيس ترامب، ويرون أن سياساته تضعف صورة أمريكا، وخلال زيارته لبريطانيا خرج مئات الآلاف من البريطانيين فى مظاهرات ضخمة ينددون بسياسات ترامب ويطالبون بوقف حرب الإبادة ضد غزة التى يشنها اليمين الصهيونى المتطرف، بل إن متظاهرين اعتبروا ما يفعله الاحتلال يشبه ما فعله هتلر والنازى، بما ينسف كل الشعارات التى يعرفها العالم حول الحرية والحقوق والعدالة. وفى يونيو الماضى احتشد مئات الآلاف من الأمريكيين فى الشوارع والحدائق والساحات فى جميع أنحاء الولاياتالمتحدة، احتجاجا على سياسات الرئيس دونالد ترامب، الخاصة بالهجرة، واعتبروا أن ترامب يشيع سياسات عدم التسامح ويضرب أهم المبادئ التى قامت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية. الشاهد أن دونالد ترامب أصبح عنوانا ل«عالم اللامعقول»، من حيث عدم توقع ما يطرحه، والذى يخالف فى أغلب الأحيان العقل والمنطق وحتى المبادئ العالمية والأمريكية، ترامب يهاجم الأممالمتحدة فى عقر دارها، يرفض الدولة الفلسطينية ويريد جائزة نوبل، بينما يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لإبادة المزيد من أطفال فلسطين فى غزة وحصارهم وتجويعهم، وكأنه يريد جائزة عن القتل والإبادة.. ترامب يواصل التناقضات والغرائبية فى مؤتمر يدعو فيه زعماء عرب ومسلمين، ليواصل الحديث المتناقض ويطرح مشروعات عدمية، ليواصل العالم السير نحو عصر العبث الاصطناعى والطبيعى.