نبرة التفاؤل بالمستقبل والأمل والثقة فى حديث الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى عن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية أثناء حوارها المجتمعى مع رؤساء تحرير الصحف المصرية وعدد من الكتاب مساء السبت الماضى كان حافزا ودافعا للحضور للسؤال عن المستقبل بكثير من الترقب والحذر. قابلته معالى الوزيرة الشجاعة والمتحمسة بكثير من الشرح والتفسير وبالأرقام والبيانات والإحصاءات التى تتضمنها فصول " السردية" الخمسة. بالطبع لم تخلُ مداخلات الحضور من الإشادة باستحضار كلمة "السردية"- وهى مصطلح أدبى يعنى القصة أو الحكاية أو الحدوتة- ليكون معبرا ومجسدا لقضية الاقتصاد الوطنى واستراتيجية التنمية الزاخرة بالأرقام والبيانات والإحصاءات. وهو ما آثار التفاعل مع السردية بين فئات اجتماعية متنوعة فى الشارع المصرى والاهتمام بها والسعى إلى التعرف على ما تحويه من حكاية التنمية الاقتصادية فى مصر. ولم تخفِ الدكتورة المشاط سعادتها من الجدل الذى أثاره مصطلح " السردية " لأنها هى من اقترحته ليعكس دورها كمظلة لمختلف الاستراتيجيات والرؤى والاستراتيجيات القطاعية..! السؤال الذى غلب على مداخلات الحضور هو العلاقة بين "السردية" ورؤية مصر 2030 وهل هى علاقة متقاطعة أم علاقة تكاملية..؟ وهو ربما ما يطرحه أيضا رجل الشارع العادى. فاذا كانت هناك رؤية مصر فلماذا " السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"..؟ الدكتورة رانيا المشاط تجيب بكل ثقة :" السردية جاءت لتُحقق التكامل بين رؤية 2030 التى طرأت على مستهدفاتها العديد من المتغيرات بسبب التطورات الإقليمية والعالمية، وبين برنامج عمل الحكومة، إلى جانب فإنها تستند إلى مرجعية مؤسسية وتشريعين هامين هما قانون المالية العامة الموحد. كما أنها تعتبر «برنامج إصلاح اقتصادي» وأداة ترويج لركائز الاقتصاد المصرى تعكس من خلالها السياسات والإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو وجذب الاستثمار، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وعرض البدائل التمويلية المتاحة له وكذلك تسليط الضوء على الفرص القطاعية الواعدة. فالسردية تقدم إطارًا شاملًا يحقق التكامل والتناسق بين برنامج عمل الحكومة، ورؤية مصر 2030، فى ضوء المتغيرات المتسارعة التى فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية، بهدف استمرار مسار الإصلاح الاقتصادى، والتوجه بشكل أكبر إلى القطاعات الأعلى إنتاجية، والأكثر قدرة على النفاذ للأسواق التصديرية. وتستهدف أيضا- حسب الدكتورة رانيا- التركيز على السياسات والإجراءات والإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها الدولة من أجل التحول إلى نموذج اقتصادى يعمل على ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلى، وينفذ الإصلاحات الهيكلية من أجل التركيز على القطاعات الأعلى إنتاجية، من خلال سياسات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين الصناعة، والتخطيط الإقليمى وتوطين التنمية الاقتصادية. وهل معنى ذلك أن حالة الأمل والتفاؤل بالمستقبل والتى تشع بها الأرقام والإحصاءات والبيانات والمعلومات فى " السردية" لا تراعى تحولات وتقلبات الأوضاع الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية فى العالم وفى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة..؟ الوزيرة تؤكد أن السردية تم وضعها وفقا لثلاثة سيناريوهات، أساسى، وسيناريو إصلاح متسارع، وسيناريو متحفظ، فى حالة تصاعد حالة عدم اليقين العالمية مع استمرار متابعة المؤشرات والتطورات الإيجابية والتى تعكس العديد من التطورات. سألت الوزيرة عن التحديات التى تواجه مسيرة التنمية الاقتصادية ومسار الإصلاح الاقتصادى خاصة الاختلالات الهيكلية فى العديد من القطاعات الهيئات الاقتصادية ثم التخوف من استمرار الاعتماد على سياسة الإقراض وما يتوقع أن يصل حجم الدين الخارجى إلى اكثر من 200 مليار دولار فى العام 2030..وماذا عن اقتصاد المستقبل وخاصة توطين الصناعة والاستثمارات فى الاقتصاد الأخضر والطاقة وتكنولوجيا المعلومات وضرورة الاستفادة من النموذج الهندى الذى حقق صادرات تقدر حاليا بحوالى 200 مليار دولار سنويا..؟ وزيرة التخطيط أوضحت أن الجهود الوطنية لإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية تشمل مراجعة لعدد 59 هيئة اقتصادية من أصل 63 هيئة بهدف تعظيم العائد الاقتصادى، ورفع كفاءة الأداء، وتقليل التداخل فى الاختصاصات، وترشيد الإنفاق العام، من خلال مسارات مقترحة سواء التحويل إلى هيئات عامة، أو الدمج، أو التصفية، بما يعكس إرادة سياسية واضحة لتعزيز الكفاءة المؤسسية وتهيئة تلك الكيانات لتصبح أكثر جذبًا للاستثمار. كما أن الدولة حريصة لتخفيض الدين العام والدين الخارجى، فالمستهدف هو خفض الدين العام من 85 إلى 70% خلال العامين القادمين. كما أن الصناعة تأتى فى مقدمة أولويات الدولة المصرية والصناعة التحويلية حاليا تحقق نموا كبيرا. السردية تسلط الضوء على أبرز التحديات الاقتصادية فى مصر، مثل ضعف الإنتاجية، وفجوة الادخار والاستثمار، وضرورة تحسين كفاءة إدارة الموارد. وتدعو إلى توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، وتعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية من خلال قوانين حديثة للتخطيط والمالية العامة. كما تؤكد على أهمية تعبئة الموارد لتمويل التنمية، ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر. الحوار امتد إلى حوالى 3 ساعات حرصت خلالها الوزيرة على الإجابة على كافة الأسئلة مؤكدة على أن: -السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تؤكد على إعادة تعريف دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وتمكين القطاع الخاص كمحرك رئيسى للنمو وخلق فرص العمل. - وثيقة سياسة ملكية الدولة تعد المرجعية الأساسية التى تحدد إطار تدخل الدولة فى مختلف القطاعات، حيث تميز بين القطاعات التى تستمر الدولة فى إدارتها لأسباب استراتيجية، وتلك التى يفسح فيها المجال أمام القطاع الخاص، سواء من خلال الشراكة أو التخارج الكلى أو الجزئى. - مصر تتبنى رؤية استراتيجية شاملة لإعادة تعريف دورها فى النشاط الاقتصادى بما يعزز من مكانة القطاع الخاص فى الاقتصاد -التركيز على دور القطاع الخاص وريادة الأعمال فى تحقيق النمو وخلق فرص العمل، إلى جانب إصلاح بيئة الأعمال وتحفيز الاستثمار الأجنبى والمحلى. كما تشدد على ربط التعليم بسوق العمل، وتطوير المهارات الفنية والمهنية، مع دعم الابتكار وريادة الأعمال - أهمية التخطيط من القاعدة إلى القمة، وتوزيع الاستثمارات بعدالة بين المحافظات، مع الإشارة إلى برامج كبرى مثل "حياة كريمة"، ودمج البعد البيئى فى التخطيط التنموى لضمان استدامة النمو على المستوى الوطنى والمحلي - هناك إجراءات متكاملة لتشجيع الصناعة والإنتاج وزيادة الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.. واستقرار الاقتصاد الكلى حتمى للتنمية الاقتصادية. الوزيرة لفتت إلى أن معدلات النمو فى تحسن وحققت مؤشرات الاقتصاد الكلى نسبة نمو 4.5% رغم الأثر السلبى لانخفاض أنشطة قناة السويس وقطاع الاستخراجات. أكثر ما طالبت به الدكتورة رانيا المشاط فى اجتماع رؤساء التحرير والكتاب هو أهمية الثقة فى مستقبل الاقتصاد الوطنى والتنمية فى مصر فى الداخل والخارج، وهو ما ستقوم به الوزارة فى المرحلة المقبلة فى استمرار الحوار المجتمعى مع الأحزاب والنقابات ورجال الأعمال وغيرهم لتصل إلى رجل الشارع ليدرك أن السردية فى النهاية هدفها الأسمى هو توفير الحياة الكريمة للغالبية الساحقة من الشعب المصرى.