فى روايته (تحت سماء واطئة) والصادرة عن دار مسكيلياني للنشر، يقدم الكاتب التشادي طاهر النور حياة القرية عبر تقديمه ل"قناطير"، البلدة العامرة بالحكايات، والتي تشكل الأساطير جدارًا أساسيًا من بنيتها، تبدأ الحكايات عند "صغيرون" البطل الأساسي للرواية وتنتهي لديه، فبجانب دوره كشخصية محورية ومحرك للأحداث، فهو شريك للراوي العليم الذي سردت عبره الرواية بأكملها، وانعكاس له ومحفز للسرد الذي تعامل مع القرية كبانوراما مجملة للمجتمع القروي، وتناول صغيرون بحكاياته كدليل على إسقاطات هذا المجتمع ورمزياته، إذ تمثل بطل الرواية كنظارة مكبرة لكل ما يعانيه المجتمع من تناقض واضطرابات فردية وجماعية. يتخذ النص من المفارقات عاملًا أساسيًا بنيت عليه عناصر الرواية، بدايةً من المحيط الذي تمثله القرية النائية كمسرح للأحداث، فيما تبرز الطبيعة كسيمفونية حالمة من الخلفية، يتشعب السرد ليشمل العديد من الوقائع التي حدثت لصغيرون وعائلته بوجه خاص، ولعموم القرية في أزمنة مقاربة أوسابقة، وتظل مظاهر الطبيعة من جفاف وحرارة حاضرة كمكمل لسخونة الأحداث وتصاعدها، فيما تأتي مظاهر أخرى كظل النخيل وأشجار الغابة كشاهد على لحظات رقراقة جمعت بين صغيرون وحبيبته عازين، يستمر الكاتب في تطعيم النص بالمفارقات التي تتجاوز حدود المكان لتعبر إلى الشخوص، فتشهد على تطورهم وتحولهم من النقيض إلى النقيض، فصغيرون الذي ظهر في بدايات المروية كطاغية صغير، يقسو على جميع الكائنات، فيرتكب إبادات جماعية بحق النمل، ويطعم الغائط لأقرانه بعد مشاجرات عنيفة، تحول تدريجياً إلى عاشق خبير ورقيق، تدرب على فنون العشق على يد رفاق القوادلا، ثم انطلق ليطبق ما تعلمع مع محبوبته عازين، والتي تغيرت هي الأخرى من فتاة ناقمة على حياة بلدتها، إلى محبة متمسكة بحبها وبوجوده المتجذر في تربة هذه القرية الشاهدة على ميلاد قصة حبها مع صغيرون. تحت سماء يحفل النص بالرمزية التي تدفقت خفيفةً ساحرةً لتكمل صورة القرية الملآنة بالأساطير والتي لا تشبع من الحكايات بل تندفع بكامل قواها نحو أسطرة الواقع وإعادة إفرازه عبر نموذج من الحكاية قابل للرجوع إليه مرات ومرات، فبطل الرواية "صغيرون" هو أكبر تجسيد للإرادة الحرة للإنسان، فالطفل الذي حل كلعنة لميلاده في وسط مجاعة تفتك بالقرية، قد كبر وتحول إلى طفل بذيء وصانع للمشاكل ومكروه في بعض الأحيان، إلى أن وقع في غرام عازين وأصابه الوله، فأضحى درويشاً محباً حساساً شاعراً، ورمزاً بشرياً ناضجاً على الرغبة في التغيير. حضرت المرأة أيضاً كرمزٍ للتحدي والقدرة على تغيير القوالب، ففي بدايات النص حلت ككائن يحتل الدرجة الدنيا في سلم الإنسانية –شقيقات صغيرون كمثال-، ولا يجب التعامل معه سوى كإنسان عديم الأهلية وجالب للعار وغير مرغوب فيه، ثم لا تفتأ أن تعود لتحتل صدارة المروية في حضور "عازين" الفتاة القوية العاشقة المحبة والتي لم تنغرم بسهولة كبقية فتيات القرية، وعندما احتل الحب قلبها، دافعت عن حبها وواجهت أزمة حبيبها التي كادت أن تعصف بحياته في شجاعة وصبر. رمزية أخرى تجلت في الطاحونة المقدمة كجسد خرافي مزروع في جسد القرية ليشهد على مآسيها وأفراحها وأحلامها، بسحرية حضورها ودورانها وجاذبيتها ثم خفوتها، بالخوف منها ثم الهرع إليها، شاركت الطاحونة الأهالي في نزاعاتهم وفرقت بين أناس وجمعت آخرين، فمثلا شهدت بعض الأيام توترًا بين مشغل الطاحونة وأبا سليك الذي كان يعفي عشيقته من دفع مقابل ما تطحنه لديهما، مما دفع المشغل لثورة كبيرة جعلت أهل القرية يتندرون ويلوكون الحكايات ويعيدون تقديمها بعد إضافة بهاراتهم، حتى تحولت الطاحونة إلى أسطورة حية وإن أصبحت أطلالًا. ساهمت البنية المرنة للنص في إبرازه كنص شبه دائري لا يسير وفقاً لترتيب زمني محدد، إلا أنه ليس دائريًا بشكل كلي، فالبنية الزمنية للنص أقرب للبنية الدائرية المتشظية، والتي تعتبر تحدياً في مثل هذه النوع من النصوص المعنية بمخاطبة النفس البشرية أكثر من كونها رواية تكتفي بسرد أحداث مؤرخة، إذ ينفرد فصل كامل بسرد جزء من حياة صغيرون ثم يعود بالفصل الذي يليه مباشرة بالرجوع إلى أحد حكايات القرية، طوال الوقت وعلى امتداد الرواية، عمل السرد على تقطير أساطير القرية عبر مزجها بالأحداث المعاصرة للبطل وأسرته ومعارفهم، ساهمت تلك الومضات العائدة إلى ماضي القرية في الكشف عن طبقات الشخصيات التي ورثت ميراثاً ضخماً من الحكايات وجينات محبة نحو الواقع والماضي وجعلهما أكثر أسطرة.