من يتأمل التوقيت يدرك أن ما جرى في الساعات الماضية ليس مجرد خطوة عسكرية، بل رسالة سياسية بامتياز. فبينما أنهت القمة العربية أعمالها بخطابات لم تتجاوز بيانات الإدانة، جاء إعلان إسرائيل بدء العملية البرية الشاملة داخل مدينة غزّة وكأنه رد عملي على القمة، بل وتحدٍ سافر لكل ما صدر عنها. إسرائيل تقول بوضوح: لا يهمنا ما تصدرونه من قرارات، نحن نرسم مسارنا بأيدينا، وبدعم أميركي مباشر. فحسب ما نشره موقع «أكسيوس» الأميركي، فإن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو نقل إلى نتنياهو تأييد إدارة ترامب للعملية، بل وطلب فقط أن تُنجز بسرعة. هذه المعلومة ليست تفصيلة صغيرة، بل هي شهادة جديدة على أن الولاياتالمتحدة لم تعد وسيطًا، بل شريكًا منحازًا يعطي الضوء الأخضر لمجازر قد تستمر لشهور. لكن الأخطر أن القناة 12 الإسرائيلية كشفت أن المجلس الوزاري المصغّر لا يتوقع نهاية سريعة للعملية، بل يخطط لاحتلال طويل يستمر حتى نهاية العام، هدفه تدمير ما تبقى من غزّة ودفع سكانها نحو الحدود المصرية. أي أن ما يُطرح الآن لم يعد مجرد عملية عسكرية، بل مشروع تهجير كامل يهدد الأمن القومي المصري مباشرة. وهنا تبرز دلالة القمة العربية التي انعقدت قبل ساعات: • غابت عنها الآليات العملية لردع الاحتلال. • اكتفت ببيانات فضفاضة لم تترجم إلى أدوات ضغط. • لم تُقدّم رؤية حقيقية للتعامل مع السيناريو الأخطر: التهجير القسري. إسرائيل قرأت هذه الثغرات جيدًا، فجاءت عمليتها البرية لتؤكد أن العرب بلا خطة، وأن البيانات الرنانة لا توقف دبابات ولا تمنع تهجيرًا. المفارقة المؤلمة أن الإدارة الأميركية التي تبرّر العدوان بالحديث عن «استخدام الرهائن كدروع بشرية» لا ترى في سقوط أكثر من سبعين ألف شهيد — معظمهم نساء وأطفال — جريمة إنسانية. إنها ازدواجية المعايير التي ستسجلها ذاكرة الشعوب والتاريخ، ولن تُمحى مهما حاولت واشنطن إعادة صياغة الرواية. اليوم، لم يعد السؤال: هل تتحرك الدول العربية؟ بل: هل نملك رفاهية الانتظار بينما الخطة الإسرائيلية تُنفّذ على مراحل واضحة؟ إن الرد العملي على قمة بلا نتائج لا يكون ببيانات جديدة، بل بتحرك دبلوماسي عاجل وقرارات جريئة: • وقف أي مسارات تطبيع. • تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك ولو بالحد الأدنى السياسي. • الضغط في المؤسسات الدولية لإدانة واضحة وصريحة لإسرائيل وحلفائها. • دعم الممرات الإنسانية ومنع التهجير إلى الحدود المصرية. لقد اختارت إسرائيل الصدام بعد القمة، واختارت أميركا الانحياز الكامل، فهل نختار نحن الصمت؟ أم نعيد صياغة الموقف العربي بما يحفظ ما تبقى من غزّة ومن كرامة الأمة؟