كلما قرأت عن الثورة العرابية توقفت عند شخصية علي باشا الروبي، رفيق الزعيم أحمد عرابي وقائد الجيش المصري في معركة التل الكبير، فقد كان رجلًا من طراز خاص، ينتمي إلى فصيل من الأبطال المصريين الذين نسمع عنهم ونقرأ عنهم. بعد هزيمة جيش عرابي جاء وقت المحاكمة للرجال الذين وقفوا في وجه خديوى مصر وفي وجه جيش الاحتل الإنجليزي، وكانت هذه نقطة مفصلية في تاريخ رجال الثورة. ها هم الرجال الخارجون من الحرب خاسرين يخصعون لمساومة، فهناك صفقة تعقد لهم الغرض منها أن تؤكد هزيمتهم، لقد صار عليهم أن يقدموا شيئًا كي يتم تخفيف الحكم، وكانت الصفقة هي الإقرار بالعصيان، أن يعلنوا أنهم أخطأوا وخرجوا عن الطاعة، وقد فعلوا ذلك، لكن على باشا الروبي لم يفعل. إنني أتفهم الجانب الإنساني في رجال الثورة العرابية وما تعرضوا له، فلعل وعودًا كثيرة قيلت أو تهديدات خطيرة تم التلويح بها، لكن موقف علي باشا الروبي المختلف يظل يلقي بظلاله على المشهد، فقد رفض أن يدافع عنه الإنجليزي المستر برودلي، المستشار القضائى للحكومة، ورفض إقرار العصيان، ولم يقربأنه أخطأ في حق الخديوي، لذا لم يحاكم مع بقية رجال الثورة بل صدر الأمر بنفيه عشرين سنة فى مصوع بالسودان. أجدني عادة أفكر فيه وأتخيله شخصًا به عزة نفس وكبرياء، وأظن الغضب كان جزءًا من طبيعته، إنه يغضب لنفسه، فلا يقبل إهانة ولا يسكت عن تقليل، لقد رفض الإقرار بالعصيان، أي أنه مؤمن بأن ما قام به حق، وأن دفاعه عن وطنه حق، فعل ذلك ولم يكن يعرف نتيجة هذا الرفض، فربما كانوا سيعدمونه بتهمة الخيانة، ومع ذلك تمسك بموقفه الواضح. الغريب أن بقية الرفاق تم نفيهم أيضًا، هم في جزيرة سيلان وهو في السودان، أي أنهم لم يعودوا إلى بيوتهم، والنفي مؤلم مهما تغيرت الظروف، إنه إخراج بالقوة وطرد من الوطن لكنني أظن أن علي باشا الروبي كان سعيدًا بقراره، وإن كانت الحياة التي نُفي إليها أصعب، والظروف أخطر، لقد مرض هناك وتم نقله إلى "سواكن" وقد ضعف بصره ومات في 19 سبتمبر من سنة 1891. حاول البحث عن المصادر والكتب التي أشارت إلى علي باشا الروبي، وتوقفت عند بعضها، وأحب أن أذكرها هنا، فقد ورد في مصادر أصيلة حيث أثبت عبد الرحمن الرافعي في "الزعيم الثائر أحمد عرابي" أن عرابي "ترك القيادة في معركة التل الكبير إلى علي باشا الروبي"، كما يذكره في سياق عودة عرابي إلى القاهرة عقب المعركة "وبصحبته علي الروبي"، ويؤكِّد أحمد عرابي نفسه حضوره العسكري المبكر حين يقول في مذكّراته: "وكان علي روبي يقود الخيّالة"، وهذه المواضع تجعل الروبي شخصية محورية في السردية العرابية في الكتب. وأعتقد أننا بحاجة إلى إلقاء ضوء أكبر على شخصية علي باشا الروبي، الذي تذهب بعض الروايات إلى أنه من محافظة الفيوم، وأن هناك قرية تحمل اسمه، لكننا نحتاج إلى أكثر من ذلك، نحتاج إلى رواية الثورة العرابية من وجهة نظر الروبي، خاصة مشاهد المحاكمة، كيف كان يفكر وكيف كان موقفه من كل شيء؟ نريد أن نقول له أنه تحول إلى قيمة عظيمة في محبة الوطن.