فى كل مرة تصوت الدول الأعضاء بمنظمة الأممالمتحدة داخل الجمعية العامة للمنظمة الدولية لصالح القضية الفلسطينية، تبرز أسماء دول أعضاء لا يعرف غالبية سكان العالم موقعها الجغرافى على الخارطة الدولية، ولا يسمع عنها أحد إلا فى مناسبات وأحداث دولية نادرة، مثل التصويت داخل الأممالمتحدة وإعلان انحيازها إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل للتصويت بالرفض أو الامتناع، خاصة إذا كان التصويت يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو وقوع انقلابات سياسية أو اضطرابات سياسية واجتماعية وأحداث عنف فى تلك الدول. هذه الدول مجرد جزر يقع عدد كبير منها فى المحيط الهادى أو البحر الكاريبى، ولا تتجاوز مساحتها عشرات الكيلومترات، وسكانها يقدرون بالآلاف، وعدد كبير من هذه الجزر تابعة سياسيا للاستعمار الأوروبى القديم أو النفوذ الأمريكى الجديد. من بين عدد الدول الأعضاء للأمم المتحدة( 193 دولة) هناك ما بين 25- 30 جزيرة وإمارة صغيرة تحمل صفة الدولة العضو فى المنظمة الدولية، ولها حق التصويت ولها علاقات دولية مع باقى الدول الأعضاء. أول أمس وفى الجلسة التاريخية للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك التى عقدت نتيجة المؤتمر الدولى الذى استضافته المملكة العربية السعودية وفرنسا فى الأممالمتحدة فى يوليو الماضى، لبحث الصراع الفلسطينى "الإسرائيلي"، أيدت الغالبية الساحقة بالأممالمتحدة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وضرورة الوقف الفورى للعدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى فى غزة، فقد صوتت 142 دولة لصالح الإعلان، وهو ما يعد انتصارا سياسيا جديدا للحق الفلسطيني، ودليلا على أن العالم الحر استفاق بعد أن شاهد حرب الإبادة الجماعية التى يشنها الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى وما ترتب عليها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ما تضمنه إعلان نيويورك من وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، ورفض التهجير القسرى وتغيير الواقع الديموغرافى للأرض المحتلة، يؤكد أن المجتمع الدولى بدأ يتبنى موقفا أكثر اتزانا وموضوعية فى التعامل مع جذور الأزمة، ولا يمكن تجاهل دور مصر المحورى فى الدفع نحو هذا التوجه الدولي، من خلال تحركاتها الدبلوماسية المتواصلة منذ بداية الحرب على غزة، سواء عبر الوساطة لوقف إطلاق النار أو عبر التنسيق مع الأطراف العربية والدولية لحماية الشعب الفلسطينى وتثبيت حقوقه المشروعة. لكن ما هى الدول العشرة التى رفضت التصويت لصالح إعلان نيويورك..؟ باستثناء الولاياتالمتحدة وحليفتها الاستراتيجية إسرائيل ودول كالأرجنتين المجر وباراجواى والتى ترتبط بعلاقات دبلوماسية وتجارية طبيعية مع الدول العربية نجد أسماء جزر مثل ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، تونجا. علاوة على جزر فيجى وساموا من بين الدول التى امتنعت عن التصويت. هذه الجزر تتناثر فوق مياه المحيط الهادى بالقرب من أستراليا ونيوزيلندا وفى مياه البحر الكاريبي. ووفقا لمعيار الأوزان السياسية لا تشكل تلك الجزر أية تأثير يذكر فى المشهد السياسى العالمى سوى داخل جدران الجمعية العامة للأمم المتحدة انحيازها الدائم خلف الولاياتالمتحدة وإسرائيل نتيجة النفوذ السياسى أو التواجد العسكرى للقواعد الأمريكية والدعم السياسى والمادى من الولاياتالمتحدة وإسرائيل لتلك الجزر. ربما يبدو مفهوما ومقبولا موقف تلك الجزر من القضية الفلسطينية وتصويتها بالرفض وتبعيتها للموقف الأمريكى والإسرائيلي، لكن ما يثير الاستغراب والدهشة والريبة والتساؤل لدى الرأى العام العربى والأفريقى، أن من بين الدول ال12 التى امتنعت عن التصويت دول مثل إثيوبيا والكاميرون والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، وهى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى الذى يتألف من 55 دولة أفريقية والذى يتخذ دائما منذ تأسيسه تحت اسم منظمة الوحدة الأفريقية موقفا مناصرا ومؤيدا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ويؤيد حل الدولتين وفقا للشرعية الدولية. المفارقة أن إثيوبيا التى تستضيف المنظمة الأفريقية وتعتبر العاصمة أديس أبابا هى العاصمة الإدارية والرئيسية للاتحاد الأفريقي، تصدرت قائمة الدول الممتنعة عن التصويت لصالح حل الدولتين ووقف إطلاق النار، مع دول مقدونيا ومولدوفا والتشيك وجواتيمالا والإكوادور وألبانيا والتشيك. ما حدث داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة من تصويت أو امتناع دول من المفترض أنها دول عضوة فى منظمة إقليمية لها موقف موحد ومناصر ومؤيد للقضية الفلسطينية، يدعو إلى مراجعة سياسية حقيقية لاسيما من جانب الدول العربية التى لها علاقات مميزة مع تلك الدول ولديها استثمارات ضخمة داخل أراضيها طالما بقيت القضية الفلسطينية هى القضية المركزية والقضية الأم للدول العربية.