فيما يشبه الصدمة.. جاء رد فعل السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطينى أبو مازن على وجه الخصوص.. لاستخدام الولاياتالمتحدة حق الفيتو خلال تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الفلسطينى العربى.. والذى يدعو إلى انسحاب إسرائيل من الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وإقامة دولة فلسطينية بحلول أواخر عام 2017. كأنها المرة الأولى التى تخذل فيها الولاياتالمتحدةالفلسطينيين والعرب.. كأنها المرة الأولى التى تتجاهل فيها الولاياتالمتحدة بلا حياء.. الحق الفلسطينى. الصدمة الفلسطينية فى الحقيقة لا مبرر لها.. والأهم كيف يعيد الفلسطينيون مرة أخرى ترتيب أوراقهم؟! ولعل أكثر ما يتعين على الفلسطينيين أن يضعوه فى اعتبارهم خلال محاولة إعادة ترتيب أوراقهم هو عدم الاعتماد على الولاياتالمتحدة أكثر مما ينبغى فى الحصول على الحق الفلسطينى. الولاياتالمتحدة تمضى أحيانًا فى تنفيذ بعض المحاولات لتحقيق السلام وتسعى فى بعض الأحيان لفرض رؤيتها لهذا السلام.. لكنها دائمًا وعندما يحين الجد تقف بلا تردد إلى جانب إسرائيل! لا أظن أن كثيرين يعرفون - على سبيل المثال - أن أمريكا لجأت لاستخدام الفيتو 41 مرة قبل هذه المرة.. من أجل عيون إسرائيل! آخر مرة استخدمت فيها أمريكا الفيتو كانت فى 18 مارس من عام 2011.. وقد استخدمته ضد مشروع قرار يدين عمليات الاستيطان الإسرائيلية فى القدس والضفة الغربية والتى بدأت منذ عام 1967.. أما أول مرة فكانت فى 10 سبتمبر عام 1974 عندما استخدمته ضد مشروع قرار يدين العدوان الإسرائيلى على لبنان. وبين المرتين تحظى سجلات مجلس الأمن بتاريخ طويل يؤكد انحياز أمريكا السافر لإسرائيل على حساب الحقوق العربية. وطبقًا لهذه السجلات فإن الولاياتالمتحدة ومنذ تأسيس الأممالمتحدة فى عام 1945 استخدمت حق الفيتو 79 مرة منها 42 مرة لحماية إسرائيل من أى قرارات بالإدانة.. حتى لو كانت هذه القرارات مجرد لوم وعتاب!.. بالإضافة إلى 30 مرة استخدمت فيها أمريكا الفيتو ضد قرارات تخدم القضية الفلسطينية. وهكذا وبحسبة بسيطة نعرف أن أمريكا استخدمت الفيتو 72 مرة لحماية إسرائيل.. إما لأسباب مباشرة أو غير مباشرة.. بينما اقتصر استخدامها الفيتو بالنسبة للقضايا الدولية الأخرى على 7 مرات! هل هناك انحياز أكثر من ذلك؟.. والأهم هل يمكن الاعتماد على الولاياتالمتحدة بعد ذلك؟! المثير للدهشة أن الولاياتالمتحدة تفعل ما تفعله باسم السلام وحماية الحقوق الفلسطينية.. هكذا بلا حياء أو خجل! حصل مشروع قرار الدولة الفلسطينية على موافقة ثمانية أصوات منها فرنسا وروسيا والصين بينما امتنعت عن التصويت خمسه دول من بينها بريطانيا ولم يعارض القرار إلا دولتان.. الولاياتالمتحدةواستراليا. استراليا ليس عندها مبررات اللهم أنها تتبع الولاياتالمتحدة.. أما مبررات الولاياتالمتحدة فقد أعلنت عنها سمانتا باور سفيرة أمريكا فى الأممالمتحدة التى قالت إن أمريكا ليست ضد السلام وإنها تبحث كل يوم عن سُبل جديدة لاتخاذ خطوات بنّاءة لدعم الأطراف فى تحقيق تقدم نحو التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.. لكن قرار مجلس الأمن الذى طرح أمامنا ليس ضمن هذه الخطوات! ومضت سمانتا خطوة أبعد فى الحديث بلا حياء فقالت إن مشروع القرار غير متوازن للغاية ويحتوى على عناصر عديدة ليست إيجابية للمفاوضات بين الطرفين بما فى ذلك وضع مواعيد نهائية غير بنّاءة لا تضع فى الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل. أمريكا وحدها تقريبًا ترى أنه ليس من حق الفلسطينيين بعد أن تجرعوا اليأس إعلان دولتهم.. بينما هناك ثمانى دول ترى العكس. أمريكا وحدها تتحدث عن مخاوف إسرائيل المشروعة بينما هناك ثمانية دول لا ترى وجود لمثل هذه المخاوف. أمريكا وحدها انحازت لإسرائيل وداست على الحق الفلسطينى المشروع بينما بقية الدول الأعضاء فى مجلس الأمن لم تنحاز.. حتى الدول التى امتنعت عن التصويت ومنها بريطانيا التى كانت تتبع أمريكا كظلها.. خجلت من أن تعلن انحيازها! وإذا كنا نتحدث عما بعد مرحلة رفض مشروع الدولة الفلسطينية.. إذا كنا نتحدث عن إعادة ترتيب الأوراق فإن هذا التأييد الدولى الواسع الذى حظى به مشروع الدولة الفلسطينية داخل مجلس الأمن يجب أن يكون البداية! رغم أن مشروع الدولة الفلسطينية لم يحظى رسميًا بموافقة مجلس الأمن بسبب الموقف الأمريكى.. إلا أن أحدًا لا يستطيع أن يتجاهل أن هناك إجماعا شبه كامل داخل المجلس على القرار. هذا الإجماع فى الحقيقة له دلالته الواضحة وهى أن العالم بدأ يضيق بإسرائيل وانحياز أمريكا لإسرائيل. الحقيقة أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن اجتماع مجلس الأمن سبقه إعلان أكثر من برلمان أوروبى اعترافه بدولة فلسطين.. فرنسا وأيرلندا وبلجيكا وأظن أن البقية فى الطريق.. وهو ما يعكس ضيق صدر أوروبا إزاء تعثر عملية السلام. والحقيقة أن السلطة الفلسطينية يتعين عليها أن تستثمر هذا التغير الدولى الواضح وأن تسعى بكل قوة لبناء إجماع دولى يساند الحق الفلسطينى. إن دوام الحال من المحال كما يقولون.. ومن المؤكد أنه سيأتى يوم - مهما بعد - لن تستطيع فيه الولاياتالمتحدة طبقًا لمتغيرات كثيرة متوقعة أن تفرض انحيازها لإسرائيل على المجتمع الدولى. فى نفس الوقت يتعين على السلطة الفلسطينية أن تركز جهودها داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس مجلس الأمن.. تفاديًا للفيتو الأمريكى.. كما أنها يجب أن تسعى بجدية للجوء للمحكمة الجنائية الدولية.. صحيح أن إسرائيل ليست عضوًا بالجنائية الدولية لكن العبرة هنا بفلسطين.. إذا نجحت فى الانضمام للمحكمة الجنائية يستطيع الفلسطينيون أن يفعلوا الكثير بدلا من الاستسلام لصدمة الفيتو الأمريكى.. بشرط أن تتوحد جهودهم.. أما إذا أصرت حماس أن تغرد خارج السرب فقل على القضية الفلسطينية السلام!