◄«نزع الصلاحيات» و«الجهل بآليات العمل الرقابى والتشريعى» سبب إخفاق نواب «الحرية والعدالة» بعد سنوات العزلة والتضييق الأمنى، استحوذت جماعة الإخوان المسلمين من خلال ذراعها السياسية «حزب الحرية والعدالة»، على النصيب الأكبر من السلطة التشريعية بعدما نجحت فى الفوز بنسبة %47 من مقاعد أول مجلس للشعب بعد الثورة والذى أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما ببطلان القانون الذى تم انتخاب المجلس على أساسه. الجماعة، التى اعتاد نوابها فى البرلمان، تمثيل المعارضة أيام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، أصبحت بعد قيام الثورة وحل الحزب الوطنى، القوة الأكثر تنظيمًا، كما اكتسبت شرعية سياسية عقب تأسيس حزب «الحرية والعدالة»، وانتقلت من خانة «الأقلية» إلى «الأكثرية» لتتصدر المشهد فى فترة «حرجة» عصفت بالبلاد فيها أزمات على مختلف الأصعدة، انتظر الشعب أن يكون للبرلمان دوراً رئيساً فى حلها. وزاد من الضغوط المفروضة على البرلمان تقييد «الدور الرقابى» بنصوص فى الإعلان الدستورى حدت من صلاحياته، وهو الأمر الذى اتضح فى أزمة «سحب الثقة» من حكومة الدكتور كمال الجنزورى، وبعد غارات برلمانية لسحبها واستجوابات بالجملة لوزراء فى الحكومة، رفع سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنحل الراية البيضاء، مؤكدًا أن «سحب الثقة من اختصاصات المجلس العسكرى فقط» بعدما قال سابقاً فى مشادة له مع النائب مصطفى النجار «قادرون على سحب الثقة من الحكومة وليقل المجلس العسكرى ما يشاء». ياسر كاسب، رئيس المركز الإقليمى للدراسات والاستشارات البرلمانية، يقيم أداء نواب «الحرية والعدالة» خلال الأشهر الخمسة التى انعقدت فيها جلسات البرلمان قائلاً: «تقييم أداء مجلس الشعب وقياس قدرته على أداء مهامه التشريعية والرقابية بشكل إيجابى، يرتبط بشكل أساسى بشعور المواطنين بأثر ذلك فى حياتهم لأنهم من اختاروا أعضاءه، وهذا البرلمان، الذى صدر قرار بحله، أداؤه غير ملموس على الأرض بالنسبة للمواطن العادى». ويضيف كاسب: «نواب الحرية والعدالة، وقعوا فى أخطاء كثيرة، تغفرها لهم حداثة عهد كثير منهم بالعمل فى البرلمان وعدم تأهيلهم سياسيًا بشكل كاف، لكن الأزمة هنا، أنهم لا يعترفون بذلك» متابعًا: «هم فى البداية، لم يقرؤوا جيدًا طبيعة العمل فى المؤسسة التشريعية، ما دفع نواب الأغلبية وغيرهم لاستخدام الآليات الرقابية بشكل خاطئ للغاية، وكان آخرها أن نوابًا تقدموا بطلبات إحاطة لوزير العدل حول قرار الضبطية القضائية، وطلب الإحاطة أداة رقابية ضعيفة للغاية لا تليق بقرار مثل هذا». صورة المؤسسة التشريعية لدى الرأى العام تأثرت سلبياً بسبب أداء النواب، وفقاً لكاسب، الذى قال: «تحولت النظرة إلى مجلس الشعب من «كيان فاسد» أيام الرئيس السابق إلى «كيان عديم الصلاحية» فى عهد برلمان الثورة، وهذا هو الخطأ الثانى لنواب الحرية والعدالة وفقًا لرئيس المركز الإقليمى للدراسات البرلمانية، و«لم ينتبهوا إلى صورة المؤسسة لدى الرأى العام». الخطأ الثالث، الذى يرصده كاسب فى أداء نواب الأغلبية هو «عدم محاولتهم تكييف البرلمان مع الوضع الثورى الذى تعيشه مصر» مضيفا: «كيف لبرلمان الثورة أن يعمل بنفس اللائحة القديمة، ونفس الأشخاص الذين عاونوا أفراد وقيادات المجلس السابق»، مؤكدا أن المجلس ارتكب خطأ جسيماً، حين ضرب بالقوانين عرض الحائط وسمح لأمين عام المجلس بالسفر خارج مصر رغم أنه كان ممنوعًا من ذلك، وتساءل: «كيف يقوم المسؤولون عن التشريع بمخالفة القانون بهذا الشكل!». ويعد «التكويش» هو الخطأ الخامس الذى ارتكبه نواب «الحرية والعدالة» من وجهة نظر المحلل السياسى، طوال ال 96 جلسة التى عقدت منذ بداية ممارسة مجلس الشعب أعماله وحتى قرار حله، مشيرا إلى أن حصيلة اجتماع تلك الأخطاء تمثلت فى صدور قوانين أقرت المحكمة أنها غير دستورية مثل قانون العزل السياسى الذى تم تفصيله مؤخرًا لإقصاء أفراد بعينهم، على حد قوله، إضافة إلى «ظهور البرلمان بأداء ضعيف للغاية». ويرى كاسب صعوبة التنبؤ بمستقبل نواب الإخوان، فى البرلمان الجديد، المنتظر الإعلان خلال أيام عن فتح الباب لإجراء انتخاباته ويضيف: «الباحثون فى مصر جميعًا يجدون صعوبة بالغة فى توقع نتيجة الانتخابات، والبرلمان والرئاسة خير شاهد على ذلك، خاصة أن الولاء الحزبى فى مصر هو ولاء لشخص وليس لبرامج، لذلك يصعب التوقع، خاصة أن الرأى العام فى مصر ما زال فى مرحلة التطوير». ويتابع كاسب: «التحدى الأول الآن، أن يتم بناء البرلمان المقبل على أسس سليمة قانونية، بحيث لا يطعن عليه مجددًا، وبعد ذلك يجب على كل النواب أن يتعلموا جيدًا من أخطاء البرلمان المنحل»، مشيرا إلى أن «منظمات المجتمع المدنى يجب أن يكون لها دور فاعل المرحلة المقبلة فى توعية المواطنين بصلاحيات البرلمان دون محاباة لتيار بعينه». المفكر الاستراتيجى، مصطفى حجازى، يقول إن أداء الإخوان فى البرلمان يجب ألا يناقش بمنأى عن المنظومة الفكرية التى تحكم هذا التنظيم، ويضيف: «يجب النظر للأزمة فى إطارها الواسع، الجماعة تبحث عن حلم التمكين فى المجتمع، وهذا يجعل هناك تضاد بين مصالحهم ورغباتهم من جهة ومصالح ورغبات المواطنين على الجانب الآخر». ويؤكد حجازى أن «الإخوان تربوا على أن المجتمع يعيش فى حالة من حالات الجاهلية، لذلك يجب عليهم فى المرحلة المقبلة، أن يخرجوا من «شرنقة» التنظيم التى تواجدوا داخلها بعدما تغيرت ملامح المشهد السياسى تماماً». الحل الأول والمُلح لتطوير وتحسين أداء نواب الإخوان فى البرلمان المقبل وحتى تنجح الجماعة فى مجابهة الأزمات المختلفة، وفقًا لحجازى، هو أن «تتبنى الدعوى لمصالحة وطنية حقيقة» وهذا الأمر سيكون له أثر إيجابى على جميع أطراف المشهد السياسى. يُذكر أن برلمان الثورة، شهد أغلبية إسلامية من حزبى «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة لإخوان المسلمين، وحزب «النور» الممثل للتيار السلفى، واستحوذا سويًا على قرابة %70 من مقاعد البرلمان.